@ وقد سئل العلامة الفوزان: ما حكم قول بعض خطباء المساجد في نهاية الخطبة: (اللهم عليك باليهود ومن هاودهم).. ألا يدخل في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؟ لأنه قد هاود اليهود ووادعهم، فهل هذا اعتداء في الدعاء؟
ج: نعم، (هاودهم) هذه الكلمة معناها المصالحة، هاود معناها المصالحة، واليهود يجوز الصلح معهم، إذا كان فيه مصلحة للمسلمين، يجوز الصلح معهم كما صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وكما صالح قريشاً في الحديبية، الصلح إذا كان من مصلحة المسلمين فإن الكفار يصالحون لأجل مصلحة المسلمين، هذا هو الحق، أما كلمة (هاودهم) معناه أن الرسول يدخل في هذا، وسبق أني نبهت واحداً على هذه اللفظة، لكنه لم يتجنبها هداه الله. (شريط 4وجه (ب) من شرح الحموية 4/11/1424ه).
قلت: بل ويشتمل هذا الدعاء كل حكام المسلمين الذين صالحوا اليهود قديماً وحديثاً، فتأمل أيها اللبيب.
6- ومن صور الاعتداء في الدعاء (الدعاء على عموم الكفار بالهلاك والاستئصال). ويدل لهذا:
@ أولاً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يثبت أنه دعا على عموم الكفار وإنما دعا على قبائل أو أشخاص بأعيانهم، بل لما جاءه ملك الجبال وعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين؟ فقال: لا، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً.
بل إنه لما دعا على بعضهم بأسمائهم نزل قوله تعالى {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم} وقل روى مسلم في الصحيح عن أبي هريرة قال قيل: يا رسول الله ادع على المشركين قال "إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة". @ ثانياً: أن هذا يخالف مقتضى حكمة الله من بقاء الكفار إلى يوم القيامة، بل إن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، وأيضاً ربما سيترتب على هذا تعطيل باب الولاء والبراء، وباب الجهاد. @ ثالثاً: أنه ليس للمسلم أن يدعو بالاستئصال على من أذن الله له بأن يبرهم ويقسط إليهم كما قال تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}.. بل كيف يستقيم أن يدعو المسلم على زوجته الكتابية بالهلاك مع أن الله تعالى قد أذن له في نكاحها، وامتن عليهما بقوله تعالى {وجعل بينكم مودة ورحمة}؟ أم كيف يستقيم أن يدعو الولد المسلم على والديه بالهلاك إن كانوا كافرين، والله جل وعلا يقول عنهما {وصاحبهما في الدنيا معروفا} فإن الدعاء على عموم الكفار يشملهما، فهل هذه هي المصاحبة بالمعروف؟
@ قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح كتاب التوحيد عند: باب قوله تعالى {أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون} أما الدعاء بالهلاك لعموم الكفار، فإنه محل نظر، ولهذا لم يدع النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بالهلاك، بل قال: "اللهم! عليك بهم، اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف"، وهذا دعاء عليهم بالتضييق، والتضييق قد يكون من مصلحة الظالم بحيث يرجع إلى الله عن ظلمه. فالمهم أن الدعاء بالهلاك لجميع الكفار عندي تردد فيه أ.ه.
@ وقال ابن تيمية: 336/8: ودعاء نوح على أهل الأرض بالهلاك كان بعد أن أعلمه الله أنه لا يؤمن من قومك إلا من قد آمن. @ وقال الشيخ الفوزان: المشروع في القنوت وغيره الدعاء على المعتدين من الكفار على المسلمين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قنت يدعو على الكفار خص المعتدين منهم ولم يدع على جميعهم فقال: اللهم العن فلاناً وفلاناً والقبيلة الفلانية ولم يعمم الكفار. (مجلة الدعوة العدد 1869- 16رمضان).
@ وقد أفتت اللجنة الدائمة 275/24ما نصه:
وقول الكاتب: (اللهم عليك بالكفار والمشركين واليهود، اللهم لا تبق أحداً منهم في الوجود، اللهم أفنهم فناءك عاداً وثمود).. والدعاء بفناء كل الكفار اعتداء في الدعاء، لأن الله قدر وجودهم وبقاءهم لحكمة، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.. ا.ه. @ وقال معالي الشيخ صالح آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية: "هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة في دعائهم على الكفار أن يكون دعاءً خاصاً على المعتدي، على الظالم، على من حارب الإسلام وأهله، كما في دعاء عمر في القنوت: اللهم عليك بكفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن دينك ويقاتلون أولياءك)، رواه البهيقي في السنن .210/2.أما الدعاء على اليهود والنصارى جميعاً بالاستئصال، فإنه لا يجوز شرعاً.. وهو من الاعتداء في الدعاء، وذلك لأن الله جل وعلا أخبرنا أن اليهود والنصارى سيبقون إلى زمن خروج المسيح الدجال، فإذا دعا أحد بأن يستأصلهم الله جل وعلا الآن قبل نزول المسيح الدجال فهو اعتراض على ما أجرى الله حكمته وقدره الكوني ببقائهم إلى آخر الزمان، ولهذا لم يؤثر عن أحد من السلف ولا من أئمة الإسلام أنه دعاء بهذا الدعاء العام على اليهود والنصارى، وإنما يدعو بالدعاء الخاص لمن قاتل، لمن حارب، لمن آذى المؤمنين ونحو ذلك" ا.ه.
فانظر أيها الأخ الكريم إلى أدعية الرسول عليه الصلاة والسلام كيف كانت جامعة لخير الدنيا والآخرة وانظر قبل ذلك إلى أدعية القرآن العظيمة ثم انظر إلى ما أحدثه كثير من الأئمة - هداهم الله - من الأدعية الطويلة والوقوف الطويل يتغنى بالدعاء، ويتكلف السجع، ويرفع الصوت، وقد سئم الناس طول الانتظار فقد أعياهم التعب وطول القيام حتى ان بعضهم يهم بالانصراف أكثر من مرة، ألا يخشى هؤلاء أن يدخلوا تحت حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (يا أيها الناس إن منكم منفرين) متفق عليه.
وإنك لتعجب عندما ترى بعد هذا كله التسجيلات الإسلامية والمؤسسات الإعلامية والشركات الإنتاجية كيف تتسابق وتتهافت على تسجيل هذه الأدعية المخالفة للسنن وتتفنن في إخراجها لذلك القارئ وتخرجها في إصدارات خاصة (دعاء الختمة لفلان.. أو جزء عم مع الدعاء..) وهكذا، فإلى الله المشتكى.
المصدر / جريدة الرياض بتاريخ 27/9/ 1427هــــ