دقة القرآن اللغوية
كما هو معلوم أن القرآن الكريم نزل بلسانٍ عربي مبين ..
نزل في زمن فصاحة وبلاغة ودقّة في اللفظ ..
أنزله اللهُ عـزّ وجلّ على رسوله صلى الله عليه وسلم ذلك النبي الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب ..
وتحدى اللهُ جل في علاه كل من شكّكَ به أن يأتي بمثله ..
قال تعالى ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا )
وعلى الرغم من فصاحة القوم في ذلك الزمان والمكان لم يستطيعوا أن يقولوا بل نأتي بمثله ..
ومن الأمثلة على دقة القرآن اللغوية الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ..
قوله تعالى ( ولا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ) الآية
وفي الآية الأخرى قوله ( ولا تقتلوا اولادكم خشيه املاق نحن نرزقهم واياكم ان قتلهم كان خطئا كبيرا ) الآية
هنا يبدو للوهلة الأولى تشابه في الآيتين ( نحن نرزقكم واياهم ) و (نحن نرزقهم واياكم ) ولكنّ الفرق كبير ..
لماذا قال جل شأنه في الآية الأولى
( نحن نرزقكم واياهم ) وفي الآية الأخرى ( نحن نرزقهم واياكم ) ??
لنرى مالفرق بينهما
في الآية الأولى ( نحن نرزقكم واياهم )
إذا أمعنا النظر بما قبلها نجد قوله تعالى ( ولا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم )
أي لا تقتلوا أولادكم من الفقر والعوز .. أي أن الفقر العوز واقعٌ حال الخطاب
فبدأ جل شأنه بأهل الأولاد قبل أولادهم قال ( نحن نرزقكم واياهم ) .. فبدأ بالأهل لوقوع الفقر والعوز
أما في الآية الأخرى قال جل شأنه (ولا تقتلوا اولادكم خشيه املاق نحن نرزقهم واياكم )
في هذه الآية لم يكن العوز والفقر موجوداً حال الخطاب .. وإنما خشية منه ..
فبدأ جل شأنه بالأولاد أولاً: فقال ( نرزقهم واياكم ) أي لا تقتلوهم خوفاً من الفقر والحاجة ..
فالله سبحانه وتعالى سيرزقهم ..
وفي موضع آخر قوله تعالى ( يوم ترونها تذهل كل مرضعة عمّا أرضعت وتضعُ كل ذات حمل حملها ) الآية
والضمير في ( ترونها ) كماهو معلومٌ أن المقصودَ بها هي علامات القيامة
وهنا نتوقف عند دقة لغوية بديعة في قوله تعالى ( مرضعة )
فكما هو معلومٌ عند أهل اللغة أن الصفات الملازمة للنساء لا تؤنث
كقولنا إمرأةٌ حائض .. أو إمرأةٌ مرضع .. أو إمرأة حامل ..
ولكن هنا لفظٌ جميلٌ بليغٌ .. فالمرضعة هي من كانت قد ألقمت الطفل ثديها حال رؤيتها أهوال القيامة ..
فتذهل عن رضيعها لهول ما رأتْ ..
ولو كان المقصود بذلك هي من كان لديها رضيع ثم ذهلت عنه .. أي ذات ولد بسن الرّضاعة
لكان سياق القول ( تذهل كل مرضع )