الاختلاط بالحضاري

[طــــلال]

رداً على أساتذة الجامعة الذين أستنكروا فعاليات ملتقى البيئة لنا ولأجيالنا القادمة والمنشور في الساحات السياسية العربية والذين أغلقوا إمكانية التعليق على هذا الموضوع لحاجة في نفوسهم وهذا هو الموضوع...
هذا بيان للناس
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد :

انطلاقاً من قوله تعالى : (( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ )) ( التوبة:71 ).
وقياماً بحق الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم بالكتاب في قوله تعالى : (( وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ )) ( آل عمران:187)

فإنه قد ساءنا وساء كل غيور ما حصل في مركز الملك خالد الحضاري ببريدة في يوم السبت 18 / 2 / 1427هـ، أثناء افتتاح الملتقى الأول للبيئة بمنطقة القصيم من اختلاط بين الرجال والنساء حيث قدمت للحفل امرأة وقرأت القرآن امرأة أخرى على مسمع من الرجال، وتمّ بعد ذلك افتتاح المعرض المصاحب للّقاء، والذي نظمته اللجنة النسائية لخدمة البيئة، وظهرت صور النساء إلى جانب الرجال في أثناء التجول والاستعراض وهي منشورة في عدد من الصحف المحلية وغيرها، واعتبرته مفخرة للمرأة وإنجازاً لها (الجزيرة – عدد 12225، في 19 / 2 /1427 هـ، والرياض عدد 17382 في 19 / 2، والحياة اللندنية عدد15689 في 19/2 ) وأصبح الحدث محل استغراب الناس وحديث مجالسهم !

وإننا أمام هذا الحدث وما يماثله من لقاءات وندوات وحفلات مختلطة في أي موقع وفي أي وقت نؤكد إنكارنا واستياءنا لمثل هذه الأعمال ، حيث إن هذا العمل مخالف للشّرع المطهر ، وسابقةٌ خطيرة في منطقة القصيم وفتحٌ لباب منكرٍ عظيم ، يلج منه دعاة التحرير والتغريب .

ونؤكد أيضاً أن الاختلاط بين الجنسين يبدأ يسيراً بحجاب رقيق ثم يتدرج الأمر لما هو أشد وأعظم . وإغلاق مداخل الشيطان وخطواته من أعظم مطالب الشريعة ومقتضياتها كما في قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ )) ( النور:21).

ومعلوم أن الاختلاط من أعظم دواعي فاحشة الزنا والله تعالى يقول : (( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً )) ( الإسراء:32) والنهي عن قربانه من أعظم التدابير الوقائية التي جاءت بها الشريعة
يقول الشيخ السعدي – رحمه الله – ( لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ) .

وفي مجتمعات الاختلاط تتحدث لغة الأرقام عن جرائم كبرى من فواحش الزنا والتحرش والاغتصاب وهي دليل صادقٌ وشاهدٌ حيّ على خطورة الاختلاط وقبح آثاره. ونحن في هذه القضية ننطلق من محكمات الدين وأصول الشريعة وقواعد القيم والأخلاق التي تنهى الرجال عن الدخول على النساء والاختلاط بهنّ ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (( إياكم والدخول على النساء )) ، متفق عليه .

وإذْ جاء النهي الصريح من المصطفى الكريم فلا مكان ولا وزن للتفلّت منه بدعوى الثقة بالنفس والنـزاهة ورفع الشك . والذي خلق الذكر والأنثى هو العليم بمختلجات النفوس وخفايا القلوب من ميل كل من الجنسين للآخر: (( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )) ( الملك:14) وهو الآمر بقرار المرأة في بيتها وحشمتها وعفافها (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )) ( الأحزاب:33 ) ، وإذا خرجت لقضاء حاجة أو لأمر شرعي دون تزين في اللباس ، ولا خلطة بالرجال ولا خضوع في الكلام: (( قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ )) ( القصص:23 ) وزينتها الحشمة والحياء (( فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء )) ( القصص: 25 ) وإذا سألت حاجة كانت من وراء حجاب : (( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ )) ( الأحزاب:53) .
لأن تباعدَ الجنسين وعدم الاختلاط : (( أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )).

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل بابا خاصا في المسجد للنساء ، وجعل لهنّ يوما خاصا بهنّ لتعليمهنّ وإرشادهنّ .

كذلك فإننا ننطلق في هذا البيان من أنظمة المملكة وسياستها التي تؤكد على التزام الكتاب والسنة مرجعاً أساسياً ودستوراً وحيداً لهذه البلاد في جميع الأمور والقضايا .كما في المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم والصادر بالرقم أ / 90، تأريخ 27 / 8 / 1412 هـ ونصها : ( المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة ، دينها الإسلام ودستورها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ...) . . وقد أكد ذلك خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله في خطاب البيعة المشهور .

وفي المادة العاشرة من الباب الثالث للنظام الأساسي : ( تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية ورعاية جميع أفرادها...).
وكذلك ما جاء في التعميم الصادر من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله- برقم 759 / 8 ، الصادر بتأريخ 5 / 10 / 1421 هـ الذي ينص على : ( أن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال في الإدارات الحكومية أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة أو الشركات أو المهن ونحوها أمر غير ممكن سواء كانت سعودية أو غير سعودية لأن ذلك محرم شرعا ويتنافى مع عادات وتقاليد هذه البلاد...الـخ )

بل إن المؤسس الراحل الملك عبد العزيز – رحمه الله- قد نصّ في بيان أصدره عام 1356هـ ، على هذه القضية حيث يقول : ( ... وأقبح من ذلك في الأخلاق : ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهنّ وترقيتهنّ وفتح المجال لهنّ في أعمال لم يخلقن لها حتى نبذن وظائفهنّ الأساسية من تدبير المنزل وتربية الطفل ، وتوجيه الناشئة إلى ما فيه حب الدين والوطن ومكارم الأخلاق .... ولا يرضى أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ، أو إسلام ، أو مروءة أن يرى زوجته أو أحداً من عائلته أو المنتسبين للخير في هذا الموقف المخزي، هذه طريق شائكة تدفع بالأمة إلى هوة الدمار ، ولا يقبل السير عليها إلا رجل خارجٌ من دينه ، خارج من عقله خارج من عربيته ؛ فالعائلة هي الركن في بناء الأمم وهي الحصن الحصين الذي يجب على كل ذي شيم أن يدافع عنها ) أهـ نقلا عن الدرر السنية 14/404،403

ونحوها من قرارات الحكومة ، وتعليمات ولاة الأمر– وفقهم الله - ، وإلى جانب ذلك صدرت الفتاوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية ، وفتاوى ومقالات المفتين من الشيخ محمد بن إبراهيم ، والشيخ عبد العزيز بن باز – رحمهما الله - والشيخ عبد العزيز آل الشيخ- حفظه الله-وغيرهم من أهل العلم كلها تنص على تحريم الاختلاط والدعوة إليه ، وهي موجودة في مظانها .فأيّ مخالفة للأدلة ودستور البلد وأنظمته كهذا الفعل ؟

ولقد أحدث هذا اللقاء المختلط استنكاراً عاماً من أهل منطقة القصيم ، بل ومن غيرهم ، واستفزّ مشاعرهم وأساء إلى سمعتهم ، وهو خطوة غير مسبوقة ولا موفّقة . وكان نشره في وسائل الإعلام جرأة كبيرة ووسيلة مكشوفة لتوسيع دائرة المنكر وجعله شيئاً عادياً ومألوفاً.وإذا كان الغلوّ والإفراط مذموماٌ طبعاً وشرعاً ؛ فالتفريط والانحلال وجه آخر للانحراف لا يقل خطراً وقبحاً عن الأوّل .

ونحن نوضّح أن هذا التصرف لا يمثل أهل القصيم ولا المخلصين الناصحين من أبناء بلادنا المباركة الذين عرفوا – بحمد الله – بالمحافظة على القيم الشرعية واعتزازهم بالحشمة والغيرة والحياء ولا يرضونه لأنفسهم ولا لغيرهم ، ونؤكد أن بيئةَ الصلاحِ والحياءِ والبعدِ عن الاختلاط أهمُّ بيئة يجب المحافظةُ عليها ، وغيرها تابع لها . وحيث إن اللجنة النسائية هي صاحبة النشاط في هذه القضية البيئية فكان الواجب أن يكون اللقاء والحفل خاصا بالنساء .
على أن من إحقاق الحق والإنصاف أن نقول إن عدداً كبيراً من الرجال والنساء ممن حضروا هذا اللقاء قد تفاجئوا بهذا الترتيب المختلط ولذا فهم يستنكرونه ولا يرضونه بحال من الأحوال .

وحين نكتب هذا البيان إبراءً للذمة ونصحاً للراعي والرعية ، نتطلع بعده إلى وقفة حازمة من ولاة أمرنا – وفقهم الله تعالى لكل خير – لوضع حدٍ لمثل هذه الاستفزازات والتصرفات التي بدأت تظهر أخيراً في أكثر من مكان ويحرص الإعلام على إبرازها وإشهارها !

وفي الختام ندعو المسئولين والقائمين على هذا العمل للنظر فيما حصل ومعالجته على ضوء ما تقدم من الأدلة الشرعية والأنظمة المرعية ، وأن يقاوموا كلّ فكر تغريبيّ يريد العدوُّ نشرَه وتسويقه في بلادنا. ونذكر عموم المسلمين بالتمسك بالقيم والأخلاق الإسلامية ، وتحقيق القوامة الشرعية على البيت والأسرة وأن يحذروا مواطن الاختلاط ومسببات الفتنة ويحتسبوا على أهلها بالحكمة والموعظة الحسنة استجابة لأمر الله (( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) ( آل عمران:104) .
ونذكر بقول الله تعالى : (( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ )) ( النحل:112) .

نسأل الله الهداية والتوفيق للجميع وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين و أن يوفق ولاة أمرنا لما فيه خير الدنيا والدين وأن يكفينا شر الأعداء المتربصين.

وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم .