فإن قلت : كيف يكون الماسنجر باب عظيم للاستحسان ؟ فالجواب : أن هذا أمر جلي ليس به خفاء ليسأل عنه ومع ذلك أقول :
كل ذي لب يعلم أن مجرد تكرار دخول المرأة على الرجل أو العكس لابد وأن يستهوي أحدهما للحديث ، سواء كان ذلك في الماسنجر أم في الواقع ، وقد يغذي ذاك ويزيده في الماسنجر غير ما تقدم أمور كثيرة منها :
استحسان أحدهما من صاحبه انضباطه والتزامه واستقامته لكونه لا يكلمه إلا حين يجب ، أو يستحسن منه وقت دخوله للإنترنت أو قلته ، أو يستحسن منه رجاحة عقله ، أو حسن تعامله ، أو صقله للكلام وتحبيره ، أو قوة علمه وطرحه ، أو فقهه للواقع ، أو شعوره بمقاربته لفهمه ومنهجه ، أو لتجانسه مع طبعه وسماته ، أو لسؤاله عنه إذا افتقده ، أو لتعاهده بالإهداءات المفيدة ، وغير ذلك مما يضعه الله في قلب العبد من غير سابق إنذار ، فإذا استحسن الرجل المرأة أو هي استحسنته ، ورآها كل يوم تدخل عليه ، وهو يبحث عن الزوجة الصالحة ، وهي تبحث عن الكفؤ الذي لم تجده في أقاربها ، أتراهما يمسك أحدهما وجدانه عن الانفلات ليخلق المعاذير ليحدث صاحبه أنصاف الساعات إن لم تكن سويعات في كل لقاء علها تكون رفيقة الدرب ، أو يكون هو فارس الأحلام . يسأل هذا عن أحوالها ، وآخر كتاباتها ، وحسن صياغتها ، وحاجة المنتديات لعلمها ، وتبدي هي تواضعها وقلة حيلتها وتثني على طرحه ، وتسأله اتحافها بالجديد ، في! رسل لها كل جديد ويستشيرها قبل نشره ، فتبارك جهده وسعة اطلاعه ، ويبارك هو ملاحظاتها ودقة فهمها ، ثم ربما أشعرها أو أشعرته بضيق الصدر وكآبة القلب ، فتشاطرا الحزن والهموم ، وتعاهدا على التعاون على البر والتقوى ، فقد جمعتهما أخوة الدين ، وغربة الحق ، وراحا يروحون عن أنفسهما بين الحين والحين ، أليس من أفضل الأعمال إلقاء السرورعلى محيا المسلمين ، فنشأ بينهما المزاح ، وتنادى بأحب الأسماء ، فانفتح ما كان موصدا ، وانفرج ما كان مغلقا ، وتقاربت الأرواح ، وخفة النفس ، وتغيب العقل ، وناب الهوى ، وعلت صرخات الجوى ، ونادت العادة لا حياة لي إن لم أره ، فهو أنس ليلي ، وبلسم فؤادي … ولنا أن نتسائل هنا هل كانا يظنان أن تصل بهما الحال إلى هذا الحد ؟ و إلى أي مدى يا ترى سيرضى منهما إبليس اللعين ؟ نسأل الله السلامة والثبات على دينه .
ولست هنا لسرد بعض القصص الواقعية التي وقفت على بعضها بنفسي ، والتي وقعت من خيرة إخواننا وأخواتنا بكل ما تعنيه كلمة الخيرية ، وإنما أردت بيان أن لقاء الماسنجر بين الرجل والمرأة لا مثيل له قديما ليقاس عليه ، ولا نظير له شرعا ليقال بجوازه ، وأما مساءلات الصحابة لعا! ئشة وغيرها فكانت على الملأ ، وبعد الاستئذان قبل اللقاء ، وبعد تهيئة مكان المسائلة شرعا ، فلا خلوة فيه ، ولا ريبة ، ولا خيانة لما أتمنها عليه أهلها . وهذه مما لا يتوفر في لقاءات الماسنجر كما لا يخفى ، فكيف بربك يصح يقاس الظلمات على النور .
والحاصل : أن ههنا بضعة عشرة وجها لمفارقة لقاءات الماسنجر للقاءات المساءلة قديما ، فلا يصح قياس أحدهما على الآخر . وأنه يجب على الرجل إذا أضافته المرأة إلى ماسنجرها لتسأله عما أشكل عليها ، أن يقوم بثلاثة أمور :
ا- أن يجيبها عن سؤلها ، ولا يكتم العلم إن كانت المسألة مما لا تحتمل التأجيل كما هو معلوم .
ب- أن يبين لها خطورة إضافة الرجال في الماسنجر ، إذا شعر أنها مما تستهين بالأمر ، وإلا فقد خان نفسه وسكت عن منكر ظهر له .
ج- أن يحظرها بعد انتهاء اللقاء ويوصيها بحظره ، والأفضل عندي أن يحذف بريدها ويوصيها بحذف بريده مع الاحتفاظ به إن شاءت ، فإن أشكل عليها أمر في المستقبل لا يحتمل التأجيل أضا! فته مره أخرى لتسأل عما استجد ، هذا إن لم تجد غيره ، وإلا فلا يصح أن يعلقها بذاته وشخصه ، ووجه هذه الوصية أمور :
منها : عملا بحديث ( إنها صفية ) أعني أن الصالح يجب عليه تبرئة ذمته مما قد يجلب لها الشكوك ، ويسقط حرمة عرضه من عقلاء الناس وسفهاءهم ، فإن من طبع بني آدم حينما يرى شخص اسم امرأة في ماسنجر رجل مهما كان ذاك الرجل صالح أو غير صالح وهي غير محظوره ، فلا بد وأن يقوم في نفسه بذرة شك تسقيها الأيام بالظنون لتنبت كل حنظل مرير ، فالواجب على العاقل التنزه عن مواطن الريب ، وقد أغنى الله الناس بحلاله عن حرامه ، فعلام الحرص على بقاءها في الماسنجر يرى دخولها أمام ناظريه آناء الليل وأطراف نهار ، وما الحكمة في ذلك ؟.
ومنها : أن تكرار دخول المرأة على الرجل كما هو الحال في الماسنجر لابد وأن يقذف في القلب استحسانا لها ، ويشحذ الذهن لتذكر اللقاء الأول والحديث الذي دار بينهما ، فلا تأمن بعدها ما سيكون بينهما كما تقدم ، ومن جلف طبعه عن فهم هذا فهو جاهل بأمور القلوب فليدعه فليس الخطاب له ، ويكفيه ما تقدم .
وبهذا اكتف! ي وإن كنت أجملت كثير من الأوجه بعضها ببعض حتى لا أطيل القول وقد طال ، فأسأل الله تعالى أن يتقبل المقال ، ويحسن الأعمال ، ويختم لنا بخير الأحوال .
وكم أرجو من الأخوة والأخوات وقفة صادقة مع قول السهروردي الآتي ليعلم خطورة الأمر بين الجنس الواحد فضلا عن الجنسين التي فطر الله القلوب على يميل بعضها لبعض :
قال السهروردي : ( وقد ينفسد الصادق بأهل الصلاح أكثر مما ينفسد بأهل الفساد ووجه ذلك أن أهل الفساد علم فساد طريقتهم فأخذ حذره منهم ، وأهل الصلاح غره صلاحهم فمال إليهم بجنسية الصلاحية ثم حصل بينهم استرواحات طبيعية جبلية حالت بينهم وبين حقيقة الصحبة لله تعالى ، فاكتسب من طريقتهم الفتور والتخلف عن بلوغ الأرب ، فليتنبه الصادق لهذه الدقيقة ، ويأخذ من الصحبة أخص الأقسام ويذر منها ما يسد في وجه المرام ) . ا. هـ ذكره الزبيدي في اتحاف السادة المتقين .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين