.
.
[align=center]بِسمِ اللهِ الرحمنِ الرَّحيم[/align]
جَاءَ شَهرُ الخَيرَاتِ .. فامتَلأت سَلَّة المَحذوفَات !!
كَانَ شَهرُ رَمَضَانَ هُوَ الشَّهرُ الوَحيدُ الذي أحسُّ بهِ بإنتِشَالِ النَّفسِ مِن أوحَالِ الذنوبِ والمَعَاصي .. فَأعيدُ الأمورَ إلى نصَابِهَا والميَاهـُ إلى مَجَارِيها ..
غَيرَ أنَّ رَمَضَانَ هَذَا العَامِ حَلَّ عَلينَا .. وَكأنَّ أحدٍ يوقظني مِن غَفوةٍ يَسيرَة .. سُرعَانَ مَا حَلَّ عَلينَا .. وَكأنَّ رَمَضَانَ المَاضي لَم يَمضِ سِوى أيَّامٍ عَلى رَحيلِه ..
جَائتني رِسَالَةٌ أيَقظَتني مِنْ غَفلتي مُفَادِها :
[ رَمضَانُ هَلَّ هلالُهُ فَأعنَّا اللهم عَلى صِيَامِهِ وَقيَامِه ]
عِندَها هَرَعتُ مِسرِعَاً وَرمَيتُ عَن نَفسي غِطَاء اللهو بَينَ مَلَذَّاتِ الدُّنيا .. أصبَحتُ أقَلِّبُ سِجِلَّ حَياتي مِن رَمضَانَ ذاكـَ إلى هَذا .. رَأيتُ التَّقصيرَ قَد تَفوَّقت بِهِ نَفسي ..
إنتَقلتُ إلى أغرَاضي .. جَعلتُ أمَزِّقَ كُلُ وَرَقةٍ شَهدَت بَعثَرَةَ حَياتي .. واحَطِّمُ كُلُّ رَمزٍ للذنوبِ والمَعَاصي .. مِنْ هُنا أحرِقُ أشرطَةِ الأفلامِ والمُسَلسَلاتِ .. وَمِنْ هُنَاكـَ أرمي بِصورِ الممثِّلاتِ والمَاجِنَات .. ثُمَّ إنتَقلتُ إلى جَهازي الخَاصُّ فَملأتُ سَلَّةِ المهملاتِ .. مِنْ مُجلدَاتِ الأغاني ووَملَفَّاتِ الذنوبِ في الخَلَوات .
أقبَلتُ العَصرَ لأقضي مَا فَاتَ مِن الصَّلواتِ .. فقد غِبتُ عَنهَا في سُبَات .. وَما أن أتمَمتُ الرَّكَعَاتِ وَعادَ قَلبي وَصَحى مِنَ الغَفلاتِ .. فَإذا المَسجِدُ يَصدَحُ بِكلامِ رَبِّ البَريَّات .. قَد عَكَفَ العِبَادُ يُرتِّلُونَ الآيَات .. جَلستُ مَعَهم فَقد غِرتُ مِنهم عَسى الله أن يَفتَحَ على قلبي حتى المَمَات .
سِرتُ للمسجدِ بَعدَ المَغرِبِ .. كانت أمَامي امرأةً يتبَعُهَا بَنَاتُها مُتَّجهاتٍ لمُصَلَّى النِّسَاء .. فَقلتُ شَتَّانَ ممِن عَكفنَ عَلى المُسلسلاتِ والفَضَائيَّاتِ .. وَممن سِرنَ في رَكبِ الصَّالِحَات ..
فهَذهـَِ إمرأةُ سَافِرَة سَاهِرَة عَلى القَنوَاتِ الهَابِطَة العَاهِرَة أو في الأسوَاقِ مُتَزيِّنَةٌ ومُتَبَرِّجَة لا يَهمها لا وَلَدٌ وَلا تَلدْ .. وتِلكَـ بَينَ أروقَتِ المَسجدِ للصَّلاةِ عَاكِفَة أو في بَيتِهَا للقرآنِ قَارئَةٌ ولزوجِهَا وأبنَائِهَا راعية ..
[poem=font="Simplified Arabic,4,darkred,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فَكم بَينَ مَشغُولٌ بِطَاعَةِ رَبِّهِ = وآخرُ بالذَّنبِ الثَّقيلِ مُقَيَّد
فَهَذاَ سَعيدٌ بالجِنَانِ مُنَعَّمٌ =وَذَاكـَ شَقيٌّ في الجَحيمِ مُخَلَّد
كأني بِنَفسي بالقيَامَةِ وَاقِفٌ = وَقَد فاَضَ دَمعي والمَفَاصِلُ تَرعـد
وقَدْ نُصِبَ الميزَانُ للفَصلِ والقَضَا = وقَـدْ قَامَ خَيـرُ العَالمينَ مُحَـَّمد[/poem]
دَخلتُ المَسجِدَ لأصليِّ العِشَاء .. كَانت نَفسي تَصرَعني للهوى .. فأخذتُ لَها عَهداً أن أقضي الصلاةَ المَفروضَة وأخرج !!
بَعدَ أن أتممتُ الصَّلاة .. رأيتُ ذاكـَ الشيخُ الهَرِمُ يأتي مُتحَاملاً خُطاهـ .. مُنحَنيَّ الظَهرِ مُتكئٌ عَلى عَصَاهـ .. يُقَاومُ نَفسهُ لُيتِمَّ التَّراويحَ كَامِلة ..
سألتُ نَفسي : لِمَاذا يَشقُ هَذا عَلى نَفسِهِ ؟!! بَل مَا هو الجَزَاء ؟!
غَيرَ أني عَجزتُ عَن تَمَالِكِ قَلبي .. فَهَلَّت مني الدُّمُوع وحَقرتُ نَفسي .. فَكَبَّرتُ بِجَانِبِهِ خَلفَ الإمَام .. وَبعدَ أن فَرِغنَا مِنَ الصَّلاة .. قُلتُ لَهُ :
يَا خَالُ .. لِمَ تَشُقُ عَلى نَفسكـَ وَتأتي ؟!!
فطأطأ رأسَهُ ثُمَّ قَالَ وَهوَ يَمسَحُ عَن عَينَيهِ بِشمَاغِهِ :
][ أخَشى أن يكَونَ رمَضَانُ هَذَا آخِرُ رَمضَان ][
عِندَها لِمتُ نَفسي عَلى هَذا السؤَالِ .. وَحسدتُ هَذا عَلى نَفسِهِ المُؤمِنَةُ الصَّادِقَة
رَجَعتُ للبَيتِ .. وَكأنَّ رَمضَانَ هَذَا أوَّلُ رَمضَان .. تَساؤلاَتٍ في نَفسي غَيَّرَهَا رَمَضَان
أوَّلَ مَا حَلَّ شَهرُ الخَيرَاتِ إمتَلأتْ سَلَّةُ المَحذوفَات مِن المَعَاصي والذُّنوبِ والمُنكَرَات
لِمَاذاَ أنا لا أستَحي مِنَ الله إلا في رَمَضَان ؟!!
أليسَ المُطَّلِعُ عَليَّ في رَمضَانَ مُطَّلِعٌ عَلي في شَهرِ شَوَّال ؟!!
ومَاذاَ إن كَانَ رَمضَانُ هَذَا آخرُ رَمَضَان ؟!!
لَكِنْ رَمَضَانَ نُقطَةٌ للبِدَاية .. وَحِضنَاً للتَّوبَةِ .. وشَجَرَةً يُقطَفُ مِنها ثَمَرَةُ المَغفِرَة .. تَخرجُ القُلوبَ مِنْ رَمضَانَ صَافيَة .. وِالنُّفوسُ إلى رَبِّهَا قَريبَةٌ وَمُتَشَوِّقَة ..
هَلاَّ جَددنا أنفُسنَا في رَمَضَان ؟!!
ومَزقنَا أورَاقَ حَياةٍ بَعثَرتهَا الدَّنيَا و شَهواتِها ؟!!
روى الطبراني عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: «آمين آمين آمين».
ثم قال: «أتاني جبريل فقال يا محمد من أدرك أحد أبويه في الكبر، فمات فلم يدخل الجنة، فدخل النار، فأبعده الله فقيل آمين، فقلت آمين».
أي من أدرك أحد أبويه في كبرهما فلم يوصله بره بهما وإحسانه إليهما إلى أن يغفر الله له فهو حقيق أن يبعده الله تعالى من رحمته ببركة دعاء جبريل وتأمين محمد صلى الله عليه وسلم
«ثم قال: يا محمد: من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فدخل النار، فأبعده الله قل: آمين، فقلت: آمين، ثم قال: يا محمد: من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فمات فدخل النار فأبعده الله: قال آمين، فقلت: آمين».
قال سعيد عن قتادة كان يقال: "من لم يغفر له في رمضان فلن يغفر له فيما سواه.. تعظيماً لشأن المفرط وليس تقنيطاً من رحمة العظيم المقسط".
لِنُشَمِّرَ للجَنة .. ونَفتَح في حَياتِنَا صَفحَة بَيضَاء جَديدة ..
[poem=font="Simplified Arabic,4,darkred,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يَا رَبِّ عَبـدَكَ قَــدْ أَتَاكَ = وقَدْ أسَاءَ وَقَدْ هَفَا
يَكفِيهِ مِنكَ حَياؤهُ = مِنْ سُوءِ مَا قَدْ أَسلَفَا
حَمـلَ الذَّنوبَ عَلى = الذَّنوبِ الموبِقَاتِ وأسرَفَا
وقَدْ استَجَارَ بِذَيلِ عَفْوَكَ = مِنْ عِقَابِكَ ملحَفَا
يَا رَبِّ فاعْفُ وَعافِهِ = فلأنتَ أولَى مَنْ عَفَا[/poem]
أخيراً فَمَا كَانَ مِن صَوَابٍ فَمِنْ الله وَمَا كَانَ مِنْ خَطأ فَمِنْ نَفسي والشَّيطانِ
عُذراً .. فَعُذراً .. ثُمَّ عُذراً عَلى الإطَالةِ وَرَكَاكَةِ الأسلوب
دُمتم بِحِفظِ الرَّحمنِ وَرِعَايتِه
.
.