ألفية محمّد بن راشد بن عمّار..
التي لم يؤثر عنه غيرُها.. وهي كافية لجعل قائلها في ذروة المبدعين..
والطريف أنّ ذلك التفرُّد..وربما ذلك الشؤم انسحب على ( سالم الحويل ) الذي اشتُهرت بصوته وحدها..!
هذه القصيدة تعرّضت لتناولات عديدة في أزمان مختلفة متفاوتة.. وفي أماكن متباعدة.. شملت ( المستوي والصَّمان والعصل والتنهاة والحفنة والطيري والدهناء.. وحتى خارج البلاد )..
هذا التناول يركِّز على المضمَر في النصّ..؛
لأنّ جوانب الإبداع كامنةٌ فيه..
أمّا المنصوص عليه نصّاً فجوانب لن آتي عليها إلا لماماً..
وقد كنتُ قديماً أرى مركز الثقل في قوله تعالى: ( إنّ بعض الظنّ إثم ).. ماثلاً في ذلك الـ(بعض) المعدود إثما..
ثمّ ظهر لي لاحقاً أنّ القيمة متمثِّلة في الـ(بعض) المتروك مباحا..؛ فلا يمكن للبشرية ألا تُعمِل الظنون.. ولو اقتصرت حياتهم على اليقينيات وحدها؛ لانقلبت حياتهم خانقةً ولحالت مجدبةً..
والألفية تفرد لكل حرف من حروف الهجاء مقطعا ينتهي إجبارا بـ(ات) مرتين.. وتبقى نهاية الأشطر الداخلية متنوعةً حرّة في حرف الروي الداخلي.. وإن كان ملزماً داخل تلك الأشطر بحرفي روي وقافيتين..
ألف أولف من كلام نظيف
ودموع عيني فوق خدّي ذريف
من لامني في حبّ ذاك الوليف
دقاق رمش العين سيد الخوندات
خوندات يااللي ما بعد عاشرنّه
قل له تراهن بالهوى يذبحنّه
قلبي وقلبك ياالمولّع خذنّه
عزّي لمن مثلي تعرَّض للآفات
فلِمَ وصَفَ الكلام بـ(نظيف)..؟
وهل كان ذلك توطئةً لتلك التجاوزات.. وتلك الأوصاف الحسيّة ـ التي ستمرّ معنا لاحقا ـ.. وتلك الخواطر التي تدور مع النصّ مقابِلةً تلك النظرة العذرية النزيهة..؟
وأيّ الرؤيتين التي نجعلها رئيسةً..؟
والدموع التي ذرفها الشاعر كانت مصاحِبةً للإبداع الشعري..
والسؤال في ( من لامني ) تعجُّبيّ إنكاري..
والتعلُّق يحدث دون المعاشرة..؛ فمعها يأتي الملل..
وقوله:
( قل له تراهن بالهوى يذبحنّه)
قبل أن يسلك ذلك الطريق..؛
لأنّه إذا دخل في الهوى استعصى علاجه ولو حُذِّر تاليا..؛ فلا بدّ أن تصيبه.. وهو الذي عرَّض نفسه لذلك..
وقوله:
( قلبي وقلبك يا المولع خذنّه )
يجعلنا نتساءل عن غير هذين الموصوفين.. وهم الآخرون الكثر الذين يعيشون حياةً هانئةً.. وربما حملت مفردة ( خذنّه ) دلالةً على السرعة والشدّة..
فكم نسبة هؤلاء الذين يعانون..؟
وقد جعل الهوى آفةً.. في نهاية المقطع..
يتبع..