بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
كنا نتباشر ويبارك بعضنا لبعض ببلوغ شهر رمضان والآن مضى أكثره ولم يبقى إلا القليل ، وهذا القليل هو أفضل الشهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، فينبغي لنا جميعاً أن لا نكسل ونتهاون في آخر الشهر بل فليكن قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم فكان إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله ، فمن العبادات المشروعة والتي تتأكد في العشر الأواخر ( الإعتكاف ) فقد كان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر إلى أن توفي ثم اعتكف أزواجه من بعده ، فالله الله بإحياء هذه السنة العظيمة ولنختم شهر الخير بالعكوف واللزوم في بيوت الله عزوجل فالأعمال بالخواتيم .
وقد أحببت أن يطلع الجميع على كلام الشيخ المحدث سليمان العلوان في ما يتعلق بالإعتكاف والعشر الأواخر ، فالشيخ شرح أحاديث بلوغ المرام شرحاً وافياً مفيداً صالحاً للجميع ولذلك سأقوم بوضع هذه الأحاديث مع شرحها للشيخ فك الله أسره
الحديث الأول
عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا دخل العشر أي العشر الأخيرة من رمضان . شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله ) متفق عليه.
قال الإمام البخاري حدثنا علي بن عبدالله قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي يعفور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة به . وقال الإمام مسلم رحمه الله حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال حدثنا ابن عيينة عن أبي يعفور به .
قولها [ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر ] .
كان هنا تفيد الدوام والإستمرار وقد تفيد الأغلبية ولكن بالنظر إلى الأدلة الأخرى يتبين أن المراد بكان هنا الدوام والاستمرار .
قولها [ إذا دخل العشر ] .
إذا ظرف لما يستقبل من الزمان ، والمراد بالعشر العشر الأواخر من شهر رمضان فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص العشر بمزيد من العمل . ففي هذا دليل على مشروعية تخصيص بعض الأيام بالعبادة والزيادة عن الوقت المعتاد في سائر الأيام فإن العشر الأواخر من رمضان فيهن ليلة من تُقبل منه فيها حاز أجراً عظيماً وثواباً جزيلاً يزيد فضل هذه الليلة على عبادة ثلاث وثمانين سنة وبضعة أشهر وعظم الله هذه الليلة وذكرها في كتابه فقال تعالى : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } وفي هذه الليلة يقول الله جل وعلا { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا } والمراد بالروح هنا جبريل عليه السلام .
فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر اجتهد في العبادة تقول عائشة رضي الله عنها ذاكرة بعض عمله في هذه العشر تقول ( شد مئزره ) قيل المعنى ربط إزاره ليجتهد في العبادة، وقيل المعنى هذا كناية عن ترك الجماع ليالي العشر فإن هذا الوقت وقت عبادة ووقت اعتكاف وليس وقت تفرغ للنساء ومن ثم رأى بعض الفقهاء مشروعية ترك الجماع ليالي العشر تفرغاً للعبادة وليس المعنى عند هذا الفقيه ان ترك الجماع يراد بذاته وإنما يراد لمن أراد التفرغ للعبادة ولم يخش على نفسه الضرر، أما المعتكف فقد أجمع العلماء رحمهم الله على أنه لايجامع المرأة لقول الله تعالى : { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا }. .
والصحيح في قول عائشة ( شد مئزره ) أنه كناية عن اعتزال النساء ولو كانت تقصد أنه كان يجد ويجتهد بإحياء الليل لما قالت بعد هذا ( وأحيا ليله ) والواو هنا للمغايرة والعطف هنا للمغايرة ففرقت عائشة رضي الله عنها بين شد المئزر وإحياء الليل وليس المعنى أنه صلى الله عليه وسلم يحيي جميع الليل وإنما يحيي معظمه وإطلاق الكل على البعض إسلوب عربي فصيح جاء في الكتاب والسنة الشيء الكثير، من هذا قوله تعالى { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } ( آل عمران ) . هل كل الناس قالوا وهل كل الناس جمعوا لا إنما هم نفرٌ يسير من جملة العالمين ولذلك تقول عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يصوم شعبان كله ) وفي أحاديث أخرى تقول ( إلا قليلاً ) ، ويحتمل أن يكون المراد إحياء الليل كله لأنه لم يرد شيء صحيح يخالف هذا الظاهر والعلم عند الله .
قولها [ وأيقظ أهله ] .
في هذا دليل على مشروعية إيقاظ الأهل ليالي العشر والمراد هنا تأكيد الاستحباب وإلا فهذا الفعل مسنون في جميع الأيام، وعند أبي داود من حديث أبي صالح عن أبي هريرة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى ثم أيقظ امرأته فصلت فإنه أبت نضح في وجهها الماء ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فصلى فإن أبى نضحت في وجهه الماء ).
الحديث الثاني
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده). متفق عليه .
قال الإمام البخاري رحمه الله حدثنا عبدالله بن يوسف قال أخبرنا الليث بن سعد عن عقيل بن خالد عن الزهري عن عروة عن عائشة . وقال الإمام مسلم حدثنا قتيبة بن سعيد قال أخبرنا الليث به .
وروى البخاري من طريق يونس ومسلم من طريق موسى بن عقبة كلاهما عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعتكف العشر الأواخر من رمضان) .
قولها [ يعتكف العشر الأواخر ] .
هذا هو الذي استقر عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم والعجيب مع كون النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر وكانت أزواجه تعتكف معه ومن بعده ومع كونه صلى الله عليه وسلم لم يدع الاعتكاف قط إلا أنه لم يرد حديث صحيح عنه صلى الله عليه وسلم في فضل الاعتكاف وفي ذكر ثواب أهله وإنما نأخذ ثواب الاعتكاف من مدح أهله كما في قوله تعالى : { وَالْعَاكِفِينَ } ومن فعل النبي صلى الله عليه وسلم والمواظبة عليه وإجماع أهل العلم .
واعتكاف العشر الأواخر من رمضان آكد من العمرة في رمضان والجمع بينهما أكمل فإن كان لابد لأحدهما دون الأخر فالاعتكاف أفضل لوجهين :
الوجه الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر ولم يكن يعتمر ولايفعل النبي صلى الله عليه وسلم إلا الأكمل والأفضل .
الوجه الثاني : أن الاعتكاف يعتبر في بعض البلاد من السنن المهجورة فكان إحياؤه أولى من العمرة في رمضان التي يتنافس عليها معظم العباد في هذا الزمان، ولأن الاعتكاف في العشر يفوت وقته بخلاف العمرة يمكن أداؤها في غير رمضان وإن كانت في رمضان أفضل عند أكثر أهل العلم .والاعتكاف سنة وليس بواجب ولكن يجب بالنذر لحديث عائشة في البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) .
قولها [ ثم اعتكف أزواجه من بعده ] .في هذا دليل على صحة اعتكاف المرأة وقد جوز بعض أهل العلم اعتكاف المرأة في بيتها دون المساجد وهذا لا دليل عليه والصحيح أنه لايصح اعتكاف المرأة إلا في المسجد ولكن المرأة لاتعتكف إلا إذا أذن لها وليها أولاً وإذا أمنت الفتنة ثانياً وإذا كانت طاهرة ثالثاً، فإذا اختل شرط من هذه الشروط الثلاثة لم يصح اعتكافها ويجب على المرأة إذا اعتكفت في المسجد أن تعتزل الرجال وأن تتخذ لها خباءاً خاصاً لئلا يراها الرجال في حالة غير متسترة .
انتهى ويتبع إن شاء الله بقية أحاديث الإعتكاف