رجماً بالغيب
من يصدِّق اليوم أن من يسمون أنفسهم بـ"الإخوان" ثاروا على الملك عبدالعزيز، ونكثوا بيعتهم، ورفعوا السلاح، احتجاجاً على أمورٍ تافهةٍ، تفاهةً لاهوادة فيها ـ في نظرنا اليوم ـ لكن والذي نفوسهم بيده: إنها لإحدى الكبر في نظرهم! مثل "البرقية"، و"السيارة"، و"السيكل"! لأن الجن "اسم الله عليهم" هو الذي يحرِّكُها! نعم: حتى "السيكل"، بدليل أنك لو "تكرفست" منه، فإن عجلتيه "يبتلان" في الدوران حتى يتعب الجني! كيف تفهِّمهم؟ افعل ما فعله الوزير الشهير/ "ابن سليمان"، إذ يحكى عنه ـ بالتواتر المشهور ـ أنه تعمَّد تأخير رواتب بعض كبارهم شهرين، فأرسلوا له وفداً يذكِّره بالحال المتأزِّم بسبب هذا التأخير! فقال لهم: لايمكن أن أصرف لكم هللةً إلا بأمر "الإمام"/ الملك، وهو في الطائف، ولن يعود إلا بعد شهرين آخرين! فليس أمامكم إلا أن تجيزوا استخدام السيارة "اسم الله عليكم"، وتتوجهوا إليه في الطائف، ولن تصلوا إلا بعد أسبوعٍ على الأقل! وإما أن تجيزوا استخدام البرقية، فيصلني تعميد جلالته اليوم، وأصرف لكم غداً!
ولك أن تتخيل صعوبة الموقف، وحرج المسألة: فهم حرَّموا السيارة والبرقية، بناءً على قاعدة "درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح"، وهل هناك أعظم من فساد الجن "اسم الله علينا"، خاصة إذا سمح عديمو الغيرة لنسائهم بركوب السيارة، أو "البرقية" ـ والله العظيم ـ أوالسيـ.. لالالا.. لاتكمل أرجوك! ياللعار! فهل يجيزونهما الآن بناء على قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات"؟ أم بالعودة إلى قاعدة "الأصل في الأمور الإباحة ما لم تصرفه علِّة"؟ وقد ثبت لديهم من خلال "الرقية" و"النفث" على تلك العجائب أنها خالية من الجن، ما يبطل علة التحريم؟! ولن تحتاج إلى كثير تدبُّرٍ؛ لتحمد الله تعالى على: أن الإباحة أسهل ألف مرةٍ من التحريم، وأن قاعدة "درء المفاسد" مخالفة تماماً لنصوص صريحةٍ من القرآن العظيم، كقوله تعالى: "قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق"، وقوله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسولُه والمؤمنون"، وإذا تأمَّلت العطف بـ"الفاء" الذي يفيد الترتيب والتعقيب، أي: العمل أولاً ثم الحكم بالمصلحة أوالمفسدة؛ فلن تجد صعوبةً في قلب المعادلة تماماً لتصبح: جلب المصالح مقدم على درء المفاسد! فما بال الغالب على الخطاب الاجتهادي الفقهي، يصرُّ على تعطيل العقل، ولايمانع أن "تمصع" جمجمتك وتجعل منها منفضة سجائر؟ أو أن تقف على "أم صلعتك"؛ لتعرف متى تعلو العين على الحاجب. بل لا يمانع أن يتجاوز وظيفة الفتوى؛ بوصفها "علماً" مبنياً على ما قال الله/ ما قال رسوله، فيجعلها رجماً بالغيب، وتخرصاً لايستند إلى الواقع أو الدليل إطلاقاً: فرياضة النساء لا تجوز لأنها (قد) تفقد الفتاة غشاء البكارة، ما يسيء ظن زوجها بها، فتنهار الحياة الأسرية بكاملها! وينهار المجتمع، وينهار الوطن، وتنهار الأمة الإسلامية جمعاء، وينهار العالم كله.
هذا نص المقال