يوم عرفة
قد أكرم الله عزَّ وجلَّ المسلمين أجمعين في هذا اليوم ووعدهم بالمغفرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {خَيْرُ الدّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ}(1)
لم يقل دعاء المؤمن على أرض عرفة، لكنه جعل دعاء يوم عرفة لمن هناك ولمن هنا على أن يشاركهم في حالهم، ويهيئ نفسه لاستحضار أحوالهم ولذلك دعا النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين والمؤمنات إلى صيام هذا اليوم وقال في شأنه:
{ صومِ يومِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ والبَاقِيَةَ }(2)
لأن الصيام يقوي الاستحضار ويقوي الناحية الروحانية، فيعيش المؤمن في هذا اليوم في أي زمان وفي أي مكان وكأنه على عرفات الله عزَّ وجلَّ مع الحاج، يدعو الله أو يتلو كتاب الله أو يستغفر الله أو يبتهل ضارعاً إلى الله، المهم ألا يشغل نفسه في هذا اليوم إلا بطاعة الله عزَّ وجلَّ، فإذا أكرم الله الحجيج بإجابة الدعوات كان دعاؤه معهم، وإذا أكرمهم الله بغفران الذنوب غفر الله عزَّ وجلَّ له معهم، وإذا تفضل عليهم بشئ من الرحمات عمَّته الرحمة معهم، لأنه شاركهم بنفسه وبروحه وإن لم يستطع أن يشاركهم بجسمه.
ويشهد لذلك قول رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم فيما يرويه الإمام البخاري عندما توجه بجيشه إلى تبوك ببلاد الشام، ووقف هناك وقال لمن حوله:
{ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَقَوْماً، مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً، إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ فِيهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ. حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ }(3)
ولأن العذر حبسهم فقد شاركوا إخوانهم في أجورهم وفي مكافآتهم وفي كل أحوالهم.
هكذا الأمر لمن حبسهم العذر عن الذهاب إلى بيت الله، لكنه عاش في هذه الأيام بروحه وبنفسه وبعقله وبقلبه وبكلِّه في هذه البقاع المباركة، حتى أنه عندما ينام من شدة شوقه لهذه الأماكن قد يجد نفسه يطوف بالبيت، أو يسعى بين الصفا والمروة، أو يقف على عرفات، لشدة شوقه إلى هذه الأماكن المباركات، فدعانا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن نصوم هذا اليوم، وإلى أن نكبر الله عزَّ وجلَّ من صبح يوم عرفة إلى عصر يوم الرابع من أيام العيد.
(1)رواه الترمذي في سننه عن عمر بن شعيب ورواه الطبراني في الأوسط عن ابن عمرو رضى الله عنه
(2)رواه مسلم وأحمد في مسنده عن أبي قتادة الأنصاري رضى الله عنه
(3)رواه البخارى وأحمد عن أنس رضى الله عنه