.
.
حتى يكون للحديث شجون , ويكون له وقعٌ أكبر أعطي المايكرفون إلى صاحبي ليبدأ بالقصة التي اختار لها هذا العنوان ( العقول المهاجرة ) :
-----------------------------
إخوتي الكرام , في هذا المنتدى المبارك ,,,
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,,
قبل البدء , أُذكّـر :
1/ هذه القصة ليست خيالية وإنما واقع عشناه وجربناه بجميع مخرجاته .
وأحببت أن أدون هذه القصة لسببين :
الأول: تخليدٌ لذكرى هؤلاء المعلمين وهو أبسط حقوقهم .
الثاني : لتعم الفائدة كاتبها بملاحظاتكم وتنقيحاتكم ، والمعلمين الذين سيعينون هناك أو في غيرها من الهجر الصعبة .
وأطلب من الله العون والبركة على كتابة هذه القصة .
2/ أسماء الشخصيات في القصة ليست حقيقية ..
فقد أشرت لزميلنا من مكة بالمكاوي و القصيم بالقصيمي و الجنوب بالجنوبي و الرياض بالعاصمة و المدينة بالمدني , وموظف الإدارة بالشمالي .
والآن مع تمنياتي لكم بالمتعة والفائدة ,,
وأتمنى أن يخدمني الأسلوب لرضا الله أولا ثم رضاكم
[align=center]
الجزء الأول من القصة
[/align]
::: 1 :::
العقول المهاجرة
قصة معلمين تم تعيينهم في وسط النفود الكبير
الجزء الأول
مدخل
في يوم السبت 25/08/2007 م - الموافق 11-8-1428 هـ الساعة 1:53 مساءً
تم إضافة هذا الخبر
" الرياض (سبق) متابعات :
اعتمد الدكتور سعيد بن محمد المليص نائب وزير التربية والتعليم لتعليم البنين أسماء الخريجين من الجامعيين ومحضري الحاسب الآلي الذي تم ترشيحهم للتدريس في العام الدراسي القادم 1428/ 1429 من وزارة الخدمة المدنية وعددهم 3915 معلماً.
وأشار القرار إلى أن المباشرة المعتمدة هي مباشرتهم في مدارسهم التي سيوجهون إليها من قبل إدارات التربية والتعليم
على أن لا تسبق مباشرتهم تاريخ 19/8/1428هـ "
أ.هـ .
شكرا سبق على هذا السبق << خبر انتظرته طويلاً
وكان من بين الــ 3915 معلم
بضعة معلمين هجرت عقولهم لهجرة مهجورة في وسط النفود الكبير
نرويها لكم هنا
إدارة التربية والتعليم بمنطقة الجوف
بدأت قصتي مع عذفاء ( هجرة صغيرة وسط النفود الكبير )
بورقة صغيرة فيها توجيه عملي لهذه الهجرة الصغيرة
استلمتها من يد موظف في إدارة التربية والتعليم بمنطقة الجوف
وهو يبتسم ابتسامة غريبة بالنسبة لي
لم أعرف كنهها إلا بعد ما خلت الإدارة من جميع المعلمين الموجهين لمدارسهم
إلا بضعة معلمين تعلوهم الحيرة و يرتسم الحزن على وجوههم
والسؤال المحير لنا والمتوقع في نفس الوقت لموظفي الإدارة
أين تقع عذفاء ؟
ويضج بهو الإدارة بالضحكات ، لتأتينا الإجابة مفسرتا كل هذه الابتسامات والضحكات
عذفاء
في النفود الكبير
170 كلم من سكاكا
ما فيها إرسال ولا طرق معبدة
ولا تحتاجون للتوصيف ، لأننا سنوفر لكم جيب يقلكم لمدرستكم حتى تتعرفوا على الطريق وبعدها تدبرون أنفسكم ، لا تتأخروا عن المباشرة .
عندما سمعنا الإجابة ، ارتفعت أصواتنا بالأعذار والشجب والإستنكار ولكن دون جدوى
ولا حياة لمن تنادي
خرجنا وأغلبنا يفكر كيف يخرج من هذه الضائقة ؟
بعدما اتصلنا على الأقارب والزملاء نبشرهم بالتعيين ، كررنا الاتصال ولكن نطلب منهم العون والمساعدة على هذا التعيين
يا له من أمر مخجل ، ولكنه مصيري ويترتب عليه أشياء كثيرة تستوجب كسر هذا الخجل
ومن استلامنا للورقة الصغيرة الثقيلة بخبرها ونحن لم نهدأ
اتصالات من هنا وهناك
منهم من يعتذر ومنهم من يجبر بخاطرنا ومنهم من يضحك
زادت حيرتنا
لم يتركنا فضولنا بأن ننتظر إلى أن نشاهد عذفاء على الطبيعة بل لجأنا إلى الشبكة العنكبوتية لنشاهد ونقرأ كل ما يخص هذه الهجرة
لم نجد نتائج كثيرة
وليتنا لمن نجد أيت نتائج
لأن النتائج كانت مخيفة
كيف لا ؟
والهجرة ليس فيها اتصالات ولا طرق معبدة للمواصلات
وقصة ( أسرة العتيق ) المشهورة حدثت هناك
وغيره من القصص اللتي لم يسلط عليها الضوء
مثل المعلم الرويلي و مجموعة معلمات
كلهم كان مصيرهم
واحد
فهل سيكون لنا فصل يضاف لقصتهم ؟
الله يستر
ومع صباح اليوم التالي
ذهبنا للإدارة متحمسين لننهي هذه القصة وكررنا المطالبات وجربنا جميع الحيل إلا البكاء
ولو كنا نعلم أنه سيأتي بنتيجة لربما جربناه
وعندما وصلت ساعة الصفر
رضينا بقضاء الله وقدره
وايقنا إن هذا الأمر اللذي لا نريده
ربما فيه خير كبير لنا
ولكن الإنسان بطبيعته نظرته قاصرة
قال تعالى : ( وعسا أن تكرهو شيئا وهو خير لكم )
وقف الجيب عند الإدارة لنركب معه على استثقال
و الجيب الآخر لكي يحمل بقية المعلمين ...
ننتظر أحد ينادينا
أو يمنعنا من الركوب
تحرك الجيب وأعيننا على الإدارة حتى فارقناها
ثم خيم الهدوء داخل السيارة
كأننا نحمل معنا جنازة ومتجهين للمقبرة
لا ضحك لا كلام ولا حتى ابتسامة
وصلنا آخر محطة على الطريق
اشترينا قدر ما نستطيع من الماء والأكل
تحسبنا لهذه المغامرة
وعملاً بالتعليمات اللتي وصلتنا
وصلنا لنهاية الطريق المعبد
دخلنا في النفود الكبير
وتوقفنا برهة من الزمن
نودع فيها أهلنا قبل أن ينقطع الإرسال و ننسم من هواء الإطارات
ونشاهد الساعة اللتي تتحرك عقاربها ببطئ شديد على غير العادة
وهي تشير إلى الحادية عشر قبل الظهر
من يوم سبت حار وثقيل
ركبنا السيارة وابتعدنا عن جميع المعالم سوى الرمال المتحركة المتلاطمة كتلاطم الأمواج ، و شجيرات الغضى المتناثرة هنا وهناك
ومركبتنا تقطع عباب الرمل بثقل شديد
وكأن الرمال تشد الإطارات محاولة منعنا من الموصول
والشمس تسلط اشعتها الحارة على وجوهنا موحية لنا بالوقوف
ومازال الهدوء مخيم داخل السيارة
والأفكار والخيالات المتوقعة والغير متوقعة تدور في أذهاننا
رغم وعورة الطريق وصعوبة الأجواء .
كسر حاجز الصمت والأفكار ( مطب ) قوي على غير العادة ، أخرجنا من أجوائنا وخيالاتنا إلى الواقع الذي نهرب منه ، معلنا بداية التعارف ، والتعليقات الطريفة من الزملاء لعلها تجبر بالخاطر و تخفف الهموم .
واكتشفنا أننا من جميع المناطق ( مكة ، المدينة ، الرياض ، القصيم ، أبها ، جدة .. )
أتينا من هذه المدن الكبيرة لنستقر في هجرة صغيرة
فالحمد لله على قضائه وقدره
ولم تنتهي التعليقات إلا بنهاية تعيسة لمركبتنا ذات الدفع الرباعي في وسط النفود الكبير وتحت الشمس الحارقة ،
ليخبرنا قائد المركبة
عبد الله الشمالي [ وهو موظف في الإدارة] : الجيب تعلق يا أساتذة
وينظر إلينا لكي نقوم بالواجب ( الدف والحفر ) .
حسن المكاوي يكلم الزملاء بصوت خفيف : لا مجال للاعتذار
صالح القصيمي : و لا للهروب
سعيد الجنوبي ينظر نظرات تغني عن الكلام لـ سلمان العاصمة
الذي علق بدوره :
لابد بأن نقوم بهذا العمل الإضافي للمعلمين لكي ننجو من التهلكة
نزلنا مستعدين للحفر والدف وأعيننا تنظر على مد البصر لعلها تشاهد كائنات حية ولكن البصر يرتد خائبا وهو حسير
بعدما أنجزنا هذا العمل بنجاح وشكرنا الله
كانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهرا
وبقي ثلث المسافة
ركبنا السيارة بعدما استنزف الدف والحفر منا ما تبقى من طاقاتنا
والحر زاد غيضنا من الحالة اللتي نحن فيها
وأعيننا شاخصة للأمام تنتظر هذه القرية المندفنة في النفود
والأذهان لا تصدق أن بعد هذه الرمال والصعاب سيخرج كائن حي فكيف بهجرة كاملة
إلى أن رئينا البرج من بعيد ثم القرية وبيوتها المتناثرة حول برج الماء
فبدأنا نتسابق مع عقارب الساعة
نحن متجهون للقرية
وهي متجهة للساعة الثانية بعد الظهر
توته توته انتهت الحتوته
الباقي تعرفونه في الحلقة القادمة بإذن الله