بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد :
فكلنا أزعجه ما سمع وقرأ عن شطحات، ذلك الكاتب وتغريداته، التي آذى فيها الله، ورسوله، وعباد الله المؤمنين، وساء أمّة محمد صلى الله عليه وسلم من مشرقها إلى مغربها، فثارت ثائرة الدين، وتحركت حميّة الغيورين، على جناب الله جل وعلا وعلى دينه، وعلى مقام النبوة، رسول الأمة، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم،
ووجدت بين ثنايا حروف هذا الكاتب، تعدّ على معالم الدين، من أصول وفروع، وعلى ذات الله ومقام الرسول، وقداسة القرآن، فما أتى على شيء من ذلك إلا ونَسفَه، وسفّلَه، وحقرّه، وقلل من شأنه، فهو إما رادٌ أو عائب أو صادٌ عن الدين، رد الدين، وعابه وعاب أهله، وصد عنه، وصده،
ما ذُكر له في معرض حديثه التالي شيء من أمر الدين، إلا أتى عليه، وضرب فلوله، وأثخن في نواحيه، وأنهك أطرافه، وحكّمَ فوقه قول الفلاسفة، ورده بمنطق المناطقة، وألبسه أساطير الإغريق، ورهبنات البطارقة،
فأسأل الله جل وعلا أن يهديه، ويرزقه توبة نصوحاً قبل موته، ويرينا وإياه وإخواننا المسلمين الحق حقاً، ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلا ويعيننا على اجتنابه...،
فأستعرض ما قال موضحاً ما بدا من قوله، وانكشف في ثنايا حروفه، وما لزم على ذلك من لوازم، وتبعه من توابع، والحكم في ذلك لأهل الاختصاص والنظر، يحكمون فيه بحكم الله ورسوله، ليكون له كفارة وعقاباً، ولأمثاله رادعا وزاجراً، ولكل من تضرر سمعه وحسه، وانكسرت نفسه، مما قيل وسمع، شافياً جابراً، مؤازرا،
لكل ناظر، قد يبدو له باد، وتنكشف له خابئة، وتدنو منه شاردة، وينجلي له ويظهر ما لم ينجلي ويظهر لغيره، والمقصود أن هذا اجتهاد، قد أكون أفدت فيه وأجدت، وأبديت وكشفت، فوفقت وسددت، وقد أكون غير ذلك، فلله الفضل والمنة والعطاء يهبه لمن يشاء، والقصد من ذلك أن كثيراً من الناس خاض وتكلم، وسب وشتم وبدع وفسق وكفر، وهو لا يدري ما المراد، وما دل عليه الخط والكتاب، فساهمت بما استطعت وبما تبين لي، لأبيّن عظم إفك هذا الكاتب، وقبح ما تفوه به، وسطرته أنامله ولاكه فاه،
قال إنه لا يحب هالات القداسة في النبي صلى الله عليه وسلم ،
يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم، بلا تأدب ولا توقير، وأنه في مقابل النبي كالند للند،
ينفي وجود الفردوس ، مستشهداً بكلام (زوربانا)،
يقلل من شأن كتاب الله، ويصفه بأنه مصدر تغذية وإمداد للغة الشعراء،
يشكك في عدالة الله عز وجل، وكيف يعاقب أبي طالب، وقد نافح ودافع عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
يتبرأ من العبادة، وأنه ليس ملزماً حتى باعتقادها فضلاً عن فعلها أو تقديسها، وأنها لا قيمة لها عنده، لأنه لا يؤمن بها،
يقول إذا كان الله غنياً عن عباده؛ فإن من تمام عناه ألا يحاسب العبد على ما يعتقد ويفكر فيه، وإنما على فعله فقط، يقرر ويوجب على الله تعالى الله القائل : (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ )،
الله عز وجل يقول : ( والله ولي المؤمنين )، ويقول : ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)، وهذا الكاتب ينفي ذلك، ويقول بأن الله ليس حكراً لأحد، فكما هو للمؤمن فينبغي أن يكون لغير المؤمن من كافر، وملحد، وغيرهما،
يتذمر من أمر الله العام الشرعي الذي كلف العباد بمقتضاه، وجعل لهم بموجبه مرجعية دينية يأخذون منها أحكام الله وتشريعاته، ويَفْترض أن لا تكون أصلاً، ويجعل ذلك الأمر اختيارياً على مستوى الأفراد لكل شخص أن يختار ما شاء، ويكون الناس سراة هكذا، وهملا سبهلالا،
يستهزي بحديث : ( إن الله إذا أحب عبداً حبب في أهل السماء ....) الحديث، ويقول مقررا ومستشهداً ومؤكداً سخريته : إذا كان أحد من رجال الدين له ستمائة ألف متابع، فإن (ليدي جاجا) لها عشرة ملايين متابع، وساق هذا في مساق المعترض تهكماً وسخرية،
يستشهد بكلام : فولتير، ويقلل من ذات الله وينتقص جناب الله المقدسة، بأن لو لم يكن هناك رب لوجب علينا أختراع رب، وأن ذلك يتأكد في الشعر، لما في هذا اللفظ من كثافة معنى، وتأثير يحتاجهما الشاعر ليعبر عن المعاني ويؤثر على المتلقين!
ثم يؤيد كلام الأمريكي مارك توين: بأن الله (تعالى عن ذلك علواً كبيرا) أنهكه التعب، عندما جاء دور خلقه للإنسان، وأنه تنج عن ذلك ــ (التعب) ـــ تفسيرات كثيرة في حياة البشر،
أما الطامة الكبرى في تغريداته والتي خالف فيها: فرعون، وهامان، وعامة من كفر بالله منذ خلق الله الخلق إلى يومنا هذا،
هي قوله : بأن معرفة الله جل وعلا استدلالية وليست فطرية، ضرورية، أي ليست قطعية مستقرة في نفوس الخلق، وإنما تعلم بالبحث والنظر وطلب الدليل،
فقد جعل ( كرم حاتم ، وشجاعة علي، وهي من القطعيات لأنها تواترت فأفادة العلم الضروري) ثبوتها في نفوس الناس أكثر من ثبوت وجود الله جل وعلا!
والله جل وعلا قال عن أكبر ملاحدة الأرض، ومدعي الألوهية، ومنكري وجود الله : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)،
وما من كافر على وجه الأرض إلا وفي قرارت نفسه، ومجبول في فطرته، أن هناك إله ورب موجود، كما قال ربنا جل وعلا : (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )،
والنبي صلى الله عليه وسلم عندما سأل الجارية: لم يقل لها هل هناك إله، أو ألك إله، لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم أن هذا في مستقر في فطرتها، ومجبولة عليه في داخلها، وإنما قال : (أين الله؟) فقالت بفطرتها التي فطرها الله عليها : في السماء،
ولم ينكر وجود الله جحوداً كلياً على مر الأزمنة وتقادم العصور، إلا أفراد قلائل لا يكادون يذكرون،
يتهكم ويسخر بأنه سيرقص شابكاً يده مع يد من يحدثه، وسيخاطب الله (بقوله يا صاحب العرش) ويطلب منه أن يسمعه باهتمام، وأن دوره الآن أن يساعده في موقف يوم القيامة، وإلا لماذا خلق الوجود ثم غاب عنه في هذا الموقف،
يمسي الأذان : قيود غبية، وأنه يقلل من الحرية، ويشكر الذين يجيبون المؤذن ساخراً من ذلك،
يتكلم بكلام فلاسفة روحانين، وبأن لله موسيقى .... إلخ،
يتهم المتدين بأنه سلك سبيل التدين من أجل الشهرة، وعمم ذلك ،
يقول بأن ذاته ستغنيه عن أن يكون له رب موجود، فإن كان موجود فيَفْرِض على ربه أن يحبه، ويقطع بذلك، تعالى الله : (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)،
يقول بأن الدين، لا يحقق الفضيلة التي يتوهمها المتدين،
يقول بأن الوجود نذل ( ولا أعلم ما يقصد بالوجود)، هل هو وجود الله جل وعلا ؟! أم الله بذاته، أم الكون؟ أم الموجودات من حوله؟
يصفه بأنه نذل! إن تركته تركك في حالك، وإن حاولت معرفته وفهمه ربما عذبك وآذاك!!! مما يجعل الإنسان متردداً في فهم ومعرفة هذا الوجود،
يقول بأن الله غافل عما يعمل الظالمون، وربنا جل وعلا يقول : (لَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ)،
وهو يقول ذلك متذمراً متسخطاً على ربه، بأن لم يمنع هذا الظلم،
الله جل وعلا يقول : (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، ويقول : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ)،
وهذا الكاتب يستشهد بقول نتشيه : بأن قدرة الله محدودة على البقاء لولا وجود الحمقى، فجعل وجود الحمقى سبب لوجود الله وقدرته على البقاء (تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا)، ولو لم يكن هناك حمقى لكان لقدرة الله على الوجود حد تنتهي عنده، ثم يذيل ذلك مؤيداً ومؤكداً هذا الكلام ويضيف مع الحمقى ( رجال الهيئة )، سبحانك ربي نستغفرك ونتوب إليك،
يقول الصلاة ليست فعلاً عقلانياً، ربما أراد أنها فعل روحاني، والصحيح أن الصلاة فعل تعبدي روحاني عقلاني، ففيها طاعة وخضوع وذل وانكسار، ومحبة وخوف ورجاء،
يجعل الخير، أو فعل الخير، هو نفسه ثواب الله، الذي وعد عليه المحسنين، وفرق بين الفعل وثمرته فذات الفعل تختلف عن عاقبته، أو نتيجته، أو ما يترتب عليه، ثم هو ما زال يفترض وجود الله لم يجزم بذلك، ما زال عنده شك !!! ويقول إن مدار تكليف الله للعباد بأن يكونوا جيدين فقط، ولا يؤذوا أحداً، وجودهم هذا سيجعلهم يكونون في عين الله، ونبي الله وكليمه موسى عليه السلام قتل نفساً، والقتل أعظم أنواع الأذى، ومع ذلك قال عنه جل وعلا : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا )، ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي )، فانخرمت قاعدة هذا الدعي، وبطل هذا التشريع الذي من عند نفسه، ولم ينزل الله به من سلطان، فلا ثواب إلا بالإيمان والعمل بأوامر الله وتشريعاته التي فرضها على عباده، ولا عقاب إلا بمخالفة ذلك، والإعراض عنه،
ثم يعود أخرى مشككاً في وجود الله، وأن وجوده ليس بالأمر الفطري، القطعي، وإنما هو لمن وهبه الله القدرة على البحث والنظر والاستدلال، وهؤلاء هم أهل العلم وهم قلة، وزاد عليه بأن يروا ذلك بأم أعينهم، أو يكلموه بأفواههم، أو يحسُّوه، وعلى قاعدته من الالزام بالاستدلال على وجود الله بنظر أو كلام لم يستثن منها إلا نبي الله موسى عليه السلام، لأنه وحده الذي ثبت أن كلمه ربه، أما الإحساس بالله فكل مخلوقاته جل وعلا تحس وجد خالقها وتشعر بذلك، فلماذا لم يحس به ذلك الدعي أم أن الدواب العجماوات خير منه،
ثم هو يُنظّر ويسن قاعدة جديدة من قواعد الدين التي أجمع عليها هو وشيخه إبليس، والشيخة أم عتريس، من جن المفاليس، وهي : ( أن هذا الإحساس غير ملزم )، من عرف الله وأحس به لا يلزم غيره أن يعمل بما عرف به وأحس، وهذا الكلام خطير ينسف كل الرسالات وكل الشرائع، فالأنبياء الذين أرسلهم الله وعرفوا الله حق المعرفة وبلغوا عن الله وأخبروا بما أحسوا ورأوا وأوحي لهم به، فعلى قاعدته، لا يلزم أممهم ما جاؤا به، ولا يلزمنا ما جاءنا به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه على تنظيره السابق غير ملزم!
فأي أفتراء وجناية على دين الله أعظم وأشد من هذا الافتراء وهذه الجناية!
وهو يسب ويشتم ( الذل)، الذي جعله يقول ما لايؤمن به، ليأمن على نفسه، والذي تبين لنا من كلامه السابق في الأعلى أنه لا يؤمن بشيء، ألم يعِ هذا المسكين قول الله جل وعلا : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)، وفُسِّر
الظلم بأنه الشرك، وهذا أتى بما هو أعظم من الشرك، نسأل الله العافية والسلامة، فأي أمن يطلبه بعدما قال ما قال!!!
ثم عاد لينسف القرآن بكامله، ويشكك في صحة الاستدلال به، وأنه قد يحتاج الناس إلى دليل يستدلون به على أن القرآن يُستدل به، وتستقى من الأحكام والتشريعات التي أنزلها الله وفرضها على عباده،
والله جل وعلا يقول: ( أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)،
ويقول جل من قائل عليما : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ )،
ويقول جل وعلا : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ )،
ثم هو يقول أن من يدافع عن القرآن إنما يدافع عنه (وهذا على تصوره) لأنه جميل، ويعلم الجمال، فماذا يقصد بهذا الجمال،
هل هو جمال الدين والشريعة والأخلاق، والقيم السامية والمعاني النبيلة، فبها ونعمت، وهذا الذي تتعلمه أمه محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن، وما زالت تتعلم منه أكثر من ذلك، ولن تتركه وتستبدله بالأدنى، مادام بين ظهرانيها ولم يرفع بعد،
أما إن قصد بالجمال الجمال من منظور أهل المواصفات والمقاييس، والقد والكشح، والمجاز والطناب، والإبدال والإغراق، فهؤلاء قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( يقرؤون القرآن ولا يجاوز حناجرهم)،
ثم كيف يجتمع (قبح وجمال) في من وَصَفهُ بالقبح، فلا يجتمع جمال وقبح في وقت واحد وجهة واحدة، إلا أن تختلف الجهة،
وطريق ذلك، (أو تصوره) بأن الدفاع عن القرآن بالجملة يكون قبيحاً من منظور هذا الدجال، أما أخذه بمنظور أهل المواصفات والمقايس للجمال وتعلم الجميل (فقط) مقبولاً، ومرضياً عند هذا الكاتب؛ لأنه سبق وأن شكك في كونه دليلاً يستدل به على أحكام الله وتشريعاته، بل إن عبارته توحي بأن القرآن لا يؤخذ إلا من أجل ذلك فقط،
فاللهم صلى على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، قال جل وعلا : ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)، وقال تبارك وتعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا )،
ثم هو بدا منزعجاً ومتذمراً من أن يسمع بعض الكلمات العربية، التي تدل على فئة خسيسة دنئية تتلبس بما لم تعط، وتتسربل بثياب النصح والحرص على المصالح والمجتمع إفكاً وزوراً، وتتكلم باسمهم وبإسم الدين، وأهل الدين، لتضرب أصول الدين وقاعدته ( كما فعل هو في عباراته وتغريداته)، وتطعن في الدين وأهله، ليُنْبَذ الدين من نفوس أهله ومعتنقيه، حتى لا يرى متدينا، وشعيرة من شعائر الدين على وجه الخليقة، وهي كلمة ( رويبضة )، وتطلق على الذين أخبرنا عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف حيث قال : ( «سَيَأْتِي
عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ» ، قِيلَ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ وفي رواية: الفاسق ، وفي أخرى: الفويسق ... يتكلم فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ» )،
فقد أزعجته وقضت مظجعه، لأنه لم يتكلم في شأن العامة وحسب، بل تعدى ذلك إلى شأن أنبياء الله ورسله، بل أبعد من ذلك شؤون الآخرة من بعث ومعاد، بل قد اعتلى (رويعي الكلاب) حمى الله الغنم أن يرعاها مثله، فهو يحب ويسعد قلبه أن يشبهه الآخرون بالكلب، حشره الله مع من أحب، تنشهه في عرصات القيامة بأنيابها، قد اعتلى هذا الراعي الأشر، على ذات الجبار جلت قدرته وتقدست أسماؤه وتعالت صفاته، جبار السموات والأرضين، الخالق الباري الرازق المحيي المميت، الذي يبدؤ الخلق ويعيد، وهو أهون عليه وله المثل الأعلى، فهو يريدها أن تندثر حتى لا يبحث الناس عن معناها، لأنها تدلهم عليه وعلى أمثاله، من الأفاكين، والمطبلين، والسائرين في ركاب غزاة الدين، والعقيدة، وهُدّام الفكر والأخلاق، وقتلة الفضيلة والطهر، غزاة الفكر، والعلم، والأرض، والعرض، والمال، الذين يريدون مسخ الدين من الفطر،
حتى ملائكة الرحمن، الذين قال الله عنهم : ( بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ )، جعل لهم عيوباً، وخطّاءهم، ومستنده في ذلك الروايات الأسطورية، فبيئس المستند، وأقبح به من مُسْنِدٍ، ومن سندِ، الكاشغري عن راويه إلى عمهم (أسطور)،،، هيان بن بيان أمه الجوزاء وأبوه الغول،
ثم يقول : أنه لم يعد أحد بعد موته ليخبره ماذا لاقى هناك يعني في الآخرة، ويجعل الأمر منوط باحتمالات، لا يترتب عليها إلا مجرد قلق بسبب جهالة ما هناك، وهذا نبذ لصريح القرآن الذي أخبرنا بالموت والبعث والنشور، وتفاصيل ذلك كله، وما مصير كل إنسان بعد ذلك ، وما بينته سنة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن، فاللهم ربنا بك آمنا ولك أسلمنا وعليك توكلنا، توفنا وأنت راض عنا لا خزايا ولا مفتونين،
وهو يقول : بالعدمية، وهي أن الإنسان خلق من العدم وسيعود عدماً، وبهذا العدم ينتهي كل شيء! كيف ينتهي كل شيء يا حمزُ؟! ... إذاً أين القبر وضمته؟ والبعث وصيحته؟ والنشور وكربته؟ والحساب وشدته؟ والصراط وحدته؟ والجنة ونعيهما؟ والنار وزفيرها؟!
كل ذلك ثابت بأدلة قطعية، تدين به وتعتقده جميع المذاهب الفقهية، بلا استثناء،
هو يستدل بدلالة استنتاجية عقلية سقيمة، أصابتها لوثة إلحادية، اعتراضية اعترض بها على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة الثابتة التي أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول، والعمل بمقتضاها، بأنه كما أن الحديث جاز ووقع فيه التحريف والوضع والكذب فما الذي يمنع وقوع ذلك في القرآن، فالمسّلم عنده والثابت أن الله تكفل بحفظ القرآن، وقد سلم ذلك للسائل عندما سأله قائلاً : ( يا صاحبي كما أن الله حفظ القرآن من التحريف وله أكثر من 1400 سنه، وكتب في القرآن أن نتبع حديث الرسول )، فقد أقر بذلك وسلم، كما بان ذلك إجابته للسائل،
وعندما قال السائل : ( فـ بالعقل أن الله سيهدينا إلى أناس نثق بأحاديثهم كالبخاري ومسلم)، تغير مجرى الكلام هنا، وصار موهماً يحتمل وجوهاً متعددة، ومحامل متغايرة،
فقد يكون إخباراً من السائل، فلا إشكال،
وقد يكون جملة انشائية المقصود بها السؤال،
وهذا السؤال يحتمل وجهان:
إما أن يكون سؤال إنكار، ومكابرة، وهو الظاهر من صيغته، فيكون التقدير: ( أن الله تكفل بحفظ القرآن، وأمرنا بإتباع الحديث، ولم يتكفل بحفظ الحديث، فكيف تسوغ لنا عقولنا أن نثق بأحاديث (البخاري ومسلم)، مما قد يثبت عليه الكذب والوضع، وهي قبل 1400عام تناقلها ألسن الرجال، وتداولتها صحائف الكتاب، ولم يخبرنا الله أنه حفظها كما أخبرنا أنه حفظ القرآن)،
ومما يؤكد أنه سؤال إنكار ومكابرة، جواب المسؤول كاشغري وهو قوله : ( عليك أن تتأمل هذه الفكرة لأنها لا تثبت الحديث، بل تثبت تحريف القرآن)،
والفكرة هي المستخرجة من كلام السائل : وهي حفظ الله للقرآن وأمره لنا بأن نتبع الأحاديث النبوية، وهي ليست محفوظة كالقرآن، وقد تقادم العهد عليهما بمضي أكثر من 1400 عام،
أما الوجه الثاني للسؤال، فعلى أنه سأل مستفسراً أو مقرراً، فلا إشكال أيضاً، ويكون التقدير إذا كان مقرراً :
فـ بالعقل أي أنا لما أمرنا باتباع الحديث فإن الله سيهدينا هداية توفيق وإرشاد إلى أناس يحفظون الأحاديث، ونتثق بهم، كالبخاري ومسلم.
وهذا من رحمة الله بعباده، وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه، ولا حيدة عنه،
أما إن كان مستفسراً، فيكون التقدير: هل تعتقد، أو هل عقلك، يؤيد ذلك أم أن لك رأي آخر،
إلا أن جواب الكاشغري تبين به مقصود السائل وهو الوجه الأول، فقد قال فيه ما قال من نبذه للسنة تعريضاً، وإثبات التحريف في القرآن صريحاً،
يؤيد ذلك زلاته، وسقطاته، وتطاوله السابق بل يثبته، بلا أدنى شك،
وخلاصة مقصده ومعتقد في كلامه ذلك، أجملها في الآتي :
عندنا مقدمتان ونتيجة :
المقدمة الأولى : القرآن دلالته قطعية؛ لأنه ثبت أن الله تكفل بحفظه،
المقدمة الثانية : السنة مأمورون باتباعها في القرآن، و دلالتها ظنية فهي غير محفوظة ( ثبت فيها الوضع والتحريف)،
النتيجة : ثبوت التحريف في السنة ونحن مأمورون باتباعها بأمر القرآن، يثبته في القرآن ولا فرق،
فقد وازن بين السنة والقرآن وقارن بينهما، ومعياره في ذلك حفظ الله، وعدم الحفظ،
فما كان محفوظاً ( القرآن ) أقره، وأثبته،
وغير المحفوظ ( الحديث) لم يقبله، ولا ارتضاه،
وعلته في ذلك عدم الحفظ، والمضي والتقادم، وما طرأ عليها من الوضع والكذب،
ثم عاد بعد ذلك وانقلب على القرآن، وهو قد سلم في معرض حديثه بأنه محفوظ، وجعل مزية حفظه، حجة له لعدم قبول السنة في الموازنة السابقة،
فأثبت فيه التحريف لثبوته في السنة، وهو قد رفضها قبلُ، بزعم عدم الحفظ، فسبحان الله أعوذ بالله من الهوى والشيطان،
فقد أسقط دليلاً (السنة) بدليل أقوى منه ( القرآن )،
لعلتين : علة في الدليل المُسْقِط (القرآن)،(ثبوت الحفظ، وعدم التحريف في القرآن)،
وعلة في الدليل المُسْقَط (السنة)،( عدم الحفظ، وثبوت التحريف على السنة)
ثم عاد وأخذ العلة نفسها من الدليل المُسْقَط (السنة) وهي (وقوع الوضع والكذب فيها) التي أسقطته كدليل، ثم جعلها دليلاً استدل بتحقق ثبوتها في المُسْقَط(السنة)، بلزوم تحقق ثبوتها في المُسْقِط (القرآن)، ولا فرق، بجامع التقادم ومضي أكثر من 1400عام، فسبحان الله أي غواية، شر من تلك الغواية، نسأل الله الثبات والهداية،
فهذا استدلال باطل لا تقوم به حجة، إن صحت تسميته استدلالا، وإلا فهو سفسطات، وأغلوطات، مدارها على العقل المجرد المستند إلى فلسفات أفلاطونية وإغريقية،
ومن تأمل السؤال والجواب، بمجموعهما، تأملاً دقيقاً تبين له ذلك جلياً، والله أعلم،
ثم أكد ذلك مصدراً به جوابه التالي بقوله للسائل : أرجوا أن تثق بعقلك أكثر من أي كلام آخر، عندما أبدى السائل تشكيكاً في صحة إثبات الأحاديث، وشكك في مسألة عَقدّية، وهي خلق القرآن، ومن معرض كلامه تقريرها،
ثم أوهي علم الحديث، وأنه لا تقوم به حجة،
ثم ختم جوابه بتأكيد تحكم العقل قائلاً: السبيل الوحيد تحكيم العقل على النص، فما وافق العقل قبلناه، وما عارضه رميناه احتراماً لعقولنا، وتنزيهاً للسماء كما زعم،
ثم سخر من ماء زمزم، وهذا في حقيقته سخرية بالدين، وبمن أتانا بالدين من ربنا، سخرية بالنبي الذي يدعى حبه، وأنه ما قال وكتب ذلك إلا حباً فيه صلى الله عليه وسلم!
فكيف نجمع بين هذا، وذاك،
النارُ من فكيه تتقدُ ... والدمع في ناظريه يطردُ
ضدانِ قد جمعا كأنهما ... حرف به السم ونطق ....؟!
والنبي صلى الله عليه وسلم القائل : ( ما زمزم لما شرب له )، وهو
القائل : (طعام طعم وشفاء سقم)،
وما علمنا بركة هذا الماء إلا بخبره عن ربه جل وعلا، فكيف يزعم بعد ذلك حب النبي،
شتان بين قول وفعل المحب، وبين هذا الزور والاستهزاء،
ثم ذكر أن هناك مشبه ومشبه به ووجه شبه بين مقولة : ( لحوم العلماء مسمومة )، ومقولة : ( لحوم الكلاب مسمومة)،
وما الذي يعني بأوجه هذا التشبيه، الله أعلم،
إلا أنه أبان خسة نفسه، وحقارة طبعة، وضيق تفكيره وضآلة عقلة الذي أراد قبلُ أن يحكم به على النص،
بقوله: أنه يسعده بأن يشبهه الناس بالكلب، فاللهم ربنا لك الحمد،
ثم يبين حيرته وتخبطه مستشهداً بكلام الفلاسفة كسقراط وأفلاطون، عن النسق، والتفسير السائد حول وجود الإنسان وحياته ومسلماته ... إلخ،
وهو كلام قوم لم يقل أحد منهم يوماً من الأيام: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين،
ثم يقرر أن المجتمع ليس بحاجة للناصحين والمرشدين والوعاظ، وأنهم لا يصلحون لشيء، والله جل وعلا يقول : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )،
ثم جعل الدين مرحلة متأخرة أتت لاحقاً بعد مرحلة الأسطورة وهذه الأسطورة والله أعلم، هي التي بسببها تسمم فكره حتى بات يخرف بما لا يعرف،
فوجود الدين والتكليف بالرسالة كان مع وجود آدم عليه السلام، حيث ثبت على لسان نبينا محمد أن آدم كا نبيّ عليه وعلى رسولنا الكريم أفضل الصلاة وأزكى التسليم، من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : ( قُلْتُ: فَأَيُّ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ أَوَّلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «آدَمُ» ، قُلْتُ: أَوَ نَبِيٌّ كَانَ؟ قَالَ: «نَعَمْ نَبِيٌّ مُكَلَّمٌ» ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ الْمُرْسَلُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسَ عَشْرَةَ جَمًّا غَفِيرًا» )
ثم شكك في وجود آدم عليه السلام، وأنه مجرد رمز لا حقيقة له، ويصر على ذلك، وينسب ذلك للدين، ويتكلم بلسان الدين، والدين براء منه، ومن كلامه، وممن هو على شاكلته،
قال ربنا جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )،
ثم يوجه لمخاطب خطاباً يُخطّؤه فيه ويصوبه، ويذكر فيه تعذر السماء والأرض على هذا المخاطب، وتجاهلهما له، وأن مراد ذلك المخاطَب مجرد إشارة فقط، وأنه لن يقدر عليها وسوف تعجزه، وأنه ليس بينه وبين ذلك المخاطب سر قداسة ولا حجاب، وأن هذه القداسة لا قيمة لها، وقام الكاتب بتمزيقها، متقدماً إلى مخاطبه يسير بعرجونه القديم مشيراً إليه بكلتا يديه، قائلاً : كعادته كعادته كل مرة، لا أحد لا أحد ( ما في الجبة من أحد)، وهذه العبارة الأخيرة مقولة الحلولية الاتحادية، وتنسب إلى الحلاج الذي لا تخفى ضلالاته على الكثير، فقد أفتى العلماء بكفره وقتله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً،
ثم ينفي وجود، أمة عظيمة من خلق الله ذكرها الله في كتابة، وأثبت وجودها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي قرينة لأمة الإنس مقارنة الند للند، وملازمة الظل للشخص، فلا تكاد تذكر أمة الأنس وإلا وذكرت معها أمة الجن، كما قال جل وعلا : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )،
ثم جعل في الختام أم الطّوام، الطامة الكبرى، معترضاً فيها على أمر الله وحكمته، واصفاً الله بما لم تصفه به يهود، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً،
لائماً معاتباً متهكماً من سكوته عن الظلم، والدمار الخراب، وأنه ....... ، أو غير موجود،
ثم يقول: ليس وحيداً، يقصد والله أعلم شيخه إبليس،
يقول: الذي رفض الله توبته، فتولى يعني إبليس، فأرعد في الناس وأزبد.
ثم يحثهم على الكفر الصراح البواح، بقوله: ثوروا على الذل ، لا تركعوا لسواكم، ولو ملكاً أو إلها حديداً،
والله عز وجل، هو مالك الملك ذو القوة المتين،
فمن تراه يقصد بكلامه غير شيخه إبليس يحثه ويجدد له البيعة والعهد والولاء، بأنه في زمرته ومعه، ولن يتركه وحيداً، فهو له العضد والسند، والمؤيد والمعين،
وأنه بثورته على ربه وعدم سجوده لآدم عندما أمره الله جل وعلا، هو القدوة المقتفاة، والأسوة المرتضاة، والخصلة المجتباة، يسير على نهجها وخطوها، وشرها، وشر شرها، نسأل الله العافية والسلامة،
وأن كل ما تقرر في عقول المسلمين وغير المسلمين من وجود معبود لهم يستحق العبادة والخضوع، أن ذلك كله من نسج العقول، وخيالات الأفكار، ولا وجود له،
ثم لما يُسأل عن الصلاة في المسجد؟ يحيد عن الجواب بعدم الجواب،
ولما سئل فرضاً : لو بني في البلد كنيسة ما ردت فعله، أجاب مباشرة بلا تردد وحيد، بالصلاة فيها والغناء فرحاً وطرباً بها بين يدي البتول، فسبحانك ربي ما هذا الخذلان، والخزي، والإدبار،
ثم ذكر أن أقدس مفهوم أو شيء أو معنى عنده، هو الإنسان وحده لا شريك له، أعوذ بالله، أين كداقسة الملك القدوس، رب الملائكة والروح، أستغفرك ربي وأتوب إليك،
وذكر أنه يحلم بأمريكا وهي أرض حلمه، وفردوسه الأرضي،
وبعد هذا العرض تبين معتقد الرجل، وتوجهه الفكري، وميله الطبعي، وأن الذي قاله لم يكن طيش جنون، ولا زلة لسان، ولا عارض نفسي، أو ثوران عاطفي، كما ادعى ذلك الكاتب وزعم، الذي قال أبعد من ذلك، وأنجع، وأوجع، الذي قال كلام ناب صادر عن فكر دفين، رتب لكل حرف موضعاً ولكل كلمة جملة ورابطاً، تدل بمجموعها على معتقد يعتقده، ومذهب يذهبه، ويؤمن به، مخالف لثوابت الدين وأصوله،
هذا ما بدا لي، من بين الحروف ومن ظاهر الكلمات، ودلالات المعاني، والنظر يختلف ولكل متأمل أداته وطاقته التي تختلف عن غيره، فقد يبدو للأخرين خلاف ما بدا لي، إلا أنني اجتهدت، قدر الإمكان أن استشف من كلامه ما دونته، وأوضحته في مكانه، والله أعلم بالصواب، ولا حول ولا قوة إلا بالله،
اللهم لا تؤاخذنا بما قال وفعل السفهاء من، نستغفرك ربنا ونتوب إليك ،،