( 6 )
دق هاتفي وكان هو ,رددت عليه وصوتي مختنق ,علم بتضايقي ,فهو يعرف رنيم عن ظهر قلب فقال لي بصوت حنون :
_"رنيم ..خففي لا تصدق الأحلام كثيرا "
قال ذلك ظنا منه أني مازلت متضايقة على الرؤية وبدوري لم أخبره فصمت .
فقال :"رنيم لدي فكرة , مارأيك برحلة إلى الشاطئ "
قالت صارخة :"ماذا تقول ؟!"
...أقول رحلة ..اذهبي مع السائق , وأنا وحنان ابنة أختي نكون بانتظارك ....
في تلك اللحظة استيقظ شبح الخوف في نفسي , وتجلت أمامي وصية أمي ,وحديث معلمتي ..قلت هاذية :
_"لماذا أنا ....بالذات , ماذا تريد مني ؟!"
قهقه ...وقال :
"رنيم ...ألا تعلمين ما بيننا ,أعتقد أنك مازحة بحديثك هذا هاه ..,ما قلت ,أم تريدين أن نأتي إلى البيت ونأخذك ؟"
.......تردد في أذني صدى المعلمة حين قالت :
_"وفي نهاية المطاف تخرج معه ,ثم يرميها بعد أن سلب منها أعز ما تملك "
...عشت صراعا في تلك اللحظات , بدأت أتمتم وأقول
_"عدنان ..لا , عدنان ...لا"
وكان يظن أني أحادثة فقال:
_"ولماذا , متى تريدين أن نسعد في هذه الحياة , لقد خنقتنا تلك القيود والأعراف ,هذه فرصتنا هيا وافقي "
....أصبحت أردد كالبلهاء "عدنان لا...,عدنان ...لا"
فقال:"رنيم ...يظهر أنك متعبه , اذهبي ونامي , وغدا نكمل اتفقنا ...هيا
وأغلق
زحفت إلى فراشي زحفا والصراع قائما على أشده ..
"هل عدنان يفعل كما روت المعلمة ؟هل سيبتز ؟ويخدع يوما؟!!
أم يظل بحنانه وعطفه ....
"لا....لا ...عدنان يختلف عنهم كثيرا ..قلت ذلك بعد أن غلبت علي عاطفتي ,وتناولت صورته ووضعتها تحت وسادتي , ثم نمت نوما قلقا فزعا ........
تراءت لي والدتي من جديد أقبلت نحوها , تأملتني وأشارت ناحية ثيابي ,وقالت :
_"بدليها "
فقلت برجاء :"إنها جديدة "
فأشارت إلى جيبي , أدخلت يدي فيه , فتحسست صورت عدنان ..ونهضت من نومي فزعة على رنين الهاتف ..
تناولت السماعة ,فكان عدنان , ادعى أنه يريد أن يطمئن على راحتي , فشكرته ثم قال :
_"هل أنت من اتصل الساعة الواحدة ؟!"
نفيت ذلك , فقال :
_"هناك فتاة اتصلت , واعتقدت أنها أنت فقد كنت خارج البيت , أعتقد أنها عبير ,عن أذنك ربما تكون بانتظاري "
....وكان بإدعائه الأخير أراد أن يشعل نار الغيرة في نفسي التي كانت في شغل شاغل عنه , في تلك الساعة ...
.......أعدت شريط ذكرياتي معه ,من البداية حتى هذه اللحظة التي اتصلت به ..
كان عطوفا معي .,حنونا , يحبني أكثر من أبي , ويهتم بي أكثر من الخادمة , يرسل لي الرسائل المتفجرة عاطفة ,وأنا أقدم له الهدايا الثمينة في كل مناسبة و ما الخطأ , أين الذنب ...
أليست ليلى أحبت قيس ؟؟ , وبثينة أحبت جميل ؟؟, وعفراء أحبت عروة ...؟؟
..أشرقت شمس ذاك اليوم ورأسي يكاد ينفجر من الحيره .., فصممت على أن أصارح المعلمة على أنها صديقتي ..
...وفي نهاية اليوم الدراسي , توجهت إلى المعلمة , وطلبت منها أن تسمعني , فقالت أن وقتها ضيق وطلبت مني زيارتها ..
وافقت مباشرة , وقلت :
_"أي وقت تحبين "
نظرت إلي بدهشة وقالت:
_" ألا تستأذني والديك "
أجبتها واثقة :
والدي يوافق, وعموما ليس في البيت "
قالت وهي مازالت مندهشة :
_"ووالدتك "
قلت :"رحمها الله "
تأملتني بعمق ,فأحرجت من نظراتها ...تنهدت وقالت :
_"حسنا ..في أي وقت يناسبك أهلا بك ..."
ابتسمت بعد أن غلبت علي براءتي وقلت :
_"أستطيع أن أزورك السادسة مساء ؟!"
قالت :"مرحبا بك في السادسة "
...وفي السادسة كنت أستعد للخروج , اهز هاتفي فلم أرد وخرجت .
...رحبت بي المعلمة , وأجلستني بجانبها , ولم أكن أعرف من أين أبدأ , فأراحتني حين قالت :
_"ماذا لديك يارنيم ؟!"
وبعد أن اجتهد في ضبط انفعالاتي قلت
_"حديثك أمس تأثرت به كثيرا , وأخبرت صديقتي بفحواه , وأن المعاكسات تجر خلفها الويلات , لكنها رفضت ذلك وقالت :
_"بل هو حب شريف , وعلاقة طاهرة , وما لمجنون عنا ببعيد , وكيف أن الناس مازالوا يتغنون بشعره , إنه حب عفيف نقي لا تشوبه الشوائب "
قالت المعلمة وقد اتسعت عينيها :
_"وهل صديقتك تعاكس ؟!"
...ارتجفت إنها لا تعاكس و بل علاقة شريفة بينها وبين شخص يدعى عدنان .."
فأخرستني بصرخة مدوية أطلقتها ..سرت على أثرها قشعريرة في جسدي ,
وقالت :
"أهو عدنان ...صاحب القصائد الغزلية السخيفة ,والمكالمات الليلية ؟"
سألنها متعجبة :"كيف عرفته ؟!"
فقالت المعلمة التي لم تنتبه لسؤالي بدقة :
_"لكثرة خداعة ومكره على الفتيات الجاهلات , وهاهو الآن يراقب للقبض عليه .."
"دارت بي الأرض ,واهتزت الأشياء من حولي , وخيم السواد على بصري ,نهضت من مكاني , وأصبحت أسير بلا هدف وأقول :
_"كلا , إن مابينهما حب شريف وصادق , وعلاقة طاهرة لا يامعلمة ولعلك لم تفهمي طبيعة مابينهما !!"
قالت المعلمة بحزم :
_" رنيم أين شرف العلاقة , وهي تحدثه بالحب وهو أجنبي عنها , وأي طهارة تلك التي تدعيها , وقد تدنست الفتاة بمكالمات وواحاديث ..
...لا يارنيم ..ما بينهما علاقة محرمة , تأثم عليها , هذا مع وجود خطر رسائلها مع هذا الفاسق , الذي يستخدمها في أمور يهواها ..
....قليلا ...قليلا , مع كل كلمه تنطقها المعلمة بدأت أفيق , ويتحكم عقلي بقيادتي ....
...أحسست بحجم القضية , وضخامة المشكلة , وصعوبة الموقف , ومرارة الواقع ..
..في تلك اللحظة شعرت أنني أهوي في قاع بعيد مظلم ...
..استدرت إلى المعلمة سألتها برجاء :
_"ماالعمل ؟!!"
قالت وقد بدا الاهتمام يرسم خيوطه في وجهها :
_"هناك اقتراح لا أعلم هل هو مناسب أم لا "
...وبفرحة الغريق لرؤية لمركب النجاة قلت :
_" ماهو ؟؟؟"
قالت :"شخص يدعى لؤي , يعمل بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , .زوجي أبو محمد يعرفه , ويعرف أنه مهتم بالمدعو عدنان , فلعل صديقتك , تحدثه , وتطرح قضيتها , وبإذن المولى يجد لها حلا ...فما رأيك ؟!"
قلت لها :" وهل تقول كل شئ "
قالت :"كل شئ ..."
فقلت وأنا أفكر ما سأقوله :
_"حسنا .."
وأخذت رقم المدعو لؤي ...ومباشرة حينما ذهبت إلى البيت اتصلت وطلبت محادثة لؤي هذا , فكان هو من رد علي ..
فقلت له :"هل لي أن أتحدث في مشكلة خاصة ؟!"
فقال مستعجلا :"وما نوعها؟"
فقلت بمرارة :"معاكسات "
قال : "إذا المشكلة ستأخذ وقتا طويلا , وأنا مشغول ألآن في قضية مماثلة , فهلا اتصلت في وقت لا حق ؟!"
_"حسنا...,متى اتصل ؟؟"
_"بعد ثلاث ساعات , عفوا أعطيني اسمك الأول لكي تكوني في جدول المكالمات اليوم "
قلت له :"رنيم "
قال صارخا :"رنيم ...أنت رنيم "
انتفضت وصمت .
أعاد السؤال :"أأنت رنيم هانئ "
فأجبته بأنة خرجت من أقصى , أقصى القلب .
قال لي :"هداك الله أخيتي ماذا فعلت ؟!"
قلت له بعد أن تعالت ضربات قلبي ...
_"ماذا تقصد ؟!"
قال بنبرة هادئة حزينة :
_" ماهكذا يا مسلمة , لم ينبغي أن تنخدعي إلى هذا الحد , وأن يصطادك عدنان بشباكه القذرة "
قلت له بدهشة :"كيف عرفت "
قال :"من عدنان نفسه الذي نشر رسائلك على الملأ , فهو فخور بأنه استطاع خداع ابنة مسئول كبير في الميناء ...
صمت قليلا ,وتنهد وتابع :
_"ألم تعلمي أن مكالماتك في جهاز تسجيل لديه , وسوف يستخدمها في الوقت المناسب , كما حاول مرات عديدة .."
انفجرت باكية , ومن خلال شهقاتي أرسلت توسلاتي قائلة :
_"أرجوك , أتوسل إليك أنقذني ...أرحمني ...."
وغرقت في نوبة بكاء طويلة لم يستطع أن أتكلم خلالها ,وما لبثت أن أغلقت الخط ..
....انقضت 24 ساعة على هذه المحادثة وأنا أشبه بجثة هامدة إلا من قلب ينبض , ودموع تنزف
...تشوهت أمامي جميع الصور التي حفظتها ذاكرتي , ماعدا صورة عدنان وهو يحمل الرسائل والأشرطة,ويهدد بها
لم أستطع أن أستمر في هذا الوضع ...
فأعدت الاتصال بلؤي ...بعد أن أيقنت أنه لا مفر من مكالمته لأخرج من هذه الغابة المظلمة ..
وقلت له :"أنا حائرة , ضائعة ,يتيمة الأم , مهملة الأب .
..."لا عليك –بإذن الله – سأساعدك , ولكن أولا أن تعترفي أن ماقمت به خطأ , وتندمي على ذلك , بل وتعاهدي الله على عدم العودة لمثله أبدا ...وتتوبي , وتحفظي شرفك ,وعائلتك ...من أن تمسه أيدي آثمه ...فتلطخه ..."
استمر في الحديث عن التوبة وشروطها , فشرح الله قلبي لها ..ثم اتفق معي على خداع عدنان , ليقع في المصيدة فطالما استطاع النجاة منها ..وكنت أنا الأداة بحكم أنني أستطيع ذلك ...وقد وعدني لؤي باسترجاع كل ما يخصني من عدنان , وأنهيت المكالمة ..
لأول مرة منذ شهر ارتاح وتنشر الراحة جناحيها في صدري ....
..ولم ألبث إلا ويعلو رنين الهاتف , فكان كما توقعت ,..عدنان ..
عقدت العزم على البدء في حياكة الشبكة لصيده , وكان حديثه جاف معي بسبب خروجي بدون علمه و واشتغال الهاتف , فاسترضيته ...
..فرفض إلا خروجي معه ..فأخبرته بالموافقة ..تفاجئ بالخبر , ولكنه لم يخفي فرحته , وأسمعني قصائده . وتغنى بجمالي وتفكيري الحديث المتقدم ..
..ومن خلال حديثة انقشع في سماء عدنان ما تبقى من سحب حول شخصيته الموهومة..
أبغضته بغض الأم لقاتل أبنها , وكنت بطبيعة الحال أخفي هذا الشعور ..وجاء اليوم الموعود ...
وكان لؤي يطمئنني , ويؤكد لي أنه سيحميني ...
حضر عدنان , وركبت معه , وتظاهرت بالسعادة , أما هو فالأرض لا تسعه من شدة فرحة بالغنيمة , تحركت السيارة , وجابت أسواق المدينة و حتى انتهت إلى زقاق ضيق ..وطوال تلك المسافة التفت يمنة ويسرة أبحث عن لؤي الذي لا أعرف شكله ولونه ...ثم أوقف السيارة أمام بيت صغير خالي من السكان , وقال لي بعد أن أطفأ السيارة ..
"تفضلي يا حبيبتي , يا أغلى ما في الوجود "
فقلت تبعا لما رسم لي "أنا خائفة هلا أجلته إلى يوم آخر .."
قال مداعبا :"وما يمنع هذه المرة , ومرة أخرى , هيا ....فهناك مفاجئة لك "
فقلت : " أرجوك يا عدنان أجل الموعد لمرة أخرى "
قال وهو يحاول ضبط أعصابه :"رنيم هيا , لا تجعلي الفرصة تفوت "
_"عدنان أريد أن عودة إلى البيت "
قال كاتما غضبه :" رنيم انزلي , هيا حبيبتي "
كنت أنتفض كورقة خريف جافة وقلت :
"أنا خائفة , أريد العودة "
فنزل واستدار ناحيتي , وهو يلتفت يمنة ويسرة , وفتح الباب وأمسك بيدي محاولا إخراجي بالقوة ...
..وفي هذه الأثناء انقض ثلاثة اشخاص عليه من الخلف وأخذوا يشبعونه ضربا وصفعا ..أما أنا فقد بلغ مني الخوف مبلغه ولم أستطيع مقاومة للإغماء ...
...أفقت ..فتبينت أمامي طيف أبيض يتحرك , وسمعت أحدا يناديني ...أدرت ببصري فشاهدت رجلا ..ركزت بصري لعلي أعرفه , فتذكرت مباشرة عدنان وخروجي معه , سمعت الرجل يناديني مرة أخرى , دققت في ملامحه ,فعرفت أنه أبي .
نهضت .. وألقيت إليه بجسدي ضممته بقوة , أعاتبه على إهماله .. تركني أعيش كاليتيمة..ضممته لأشبع ذاك الفراغ العاطفي بداخلي , وانفجرت باكية ..
أخذ يربت على كتفي , وقال محاولا تهدئتي :
_"لا عليك يا بنتي , لم يحدث مكروه , ولله الحمد "
كاد قلبي أن يتوقف انخرست , وتابع بقوله :
_"أخبرني شخص بالهاتف يدعى لؤي أنه رآك تفقدين الوعي في أحدى المحلات التجارية .."
فعلمت أنه لم يعرف شيئا , وعدت إلى بكائي ...
قال بلين :
_"كان يجب أن تأخذي الخادمة أو إحدى صديقاتك كي لا تتعرضي لمثل هذا الموقف , عموما لا بأس عليك و وقد طمأنني الطبيب "
ثم ما لبث قليل وخرج إلى عمله , بعد أن أوصى الخادمة بالمكوث معي في المشفى
في اليوم التالي ..أحضرت الخادمة ظرفا كبيرا , وقالت :
_"هذا لك "
تناولت الظرف , فكان من لؤي , وقد أعاد من عدنان كل رسائلي .. , وكتاب بعنوان :
"قبل أن ينخدش الزجاج ", ومصحف "
ومن ذلك الحين , ورنيم تغيرت ,نزعت الثياب التي رفضت أمي معانقتي بسببها , وليست ثياب الفضيلة والعفاف , وعرفت بعد قراءتي لكتاب الله , أين تكون السعادة الحقيقية , والراحة الأبدية ..
تبدلت كليا ...وانضممت إلى قافلة الخير ...وقطار الاستقامة ... أحببت الله , وارتحت بمناجاته ...وجدت نفسي بين كلماته ... والحمد لله على ذلك , وأدعوه أن يقبض روحي وأنا على هذا الطريق ...
...فقلت لها :"وعدنان ...أقصد الأستاذ عدنان ...ألم يحاول الاتصال ؟"
هزت رأسها نافية وقالت :
_"أبدا , ولم أعرف عنه شئ إلا في هذا الفصل الدراسي "
صوبت نظري إليها ...تأملتها بشدة وتذكرت حالتها مع الأستاذ عدنان أثناء المحاضرة .. ابتسمت وقالت :
_"مابك؟"
جاريتها بالابتسامة وقلت :
_"كنت أسترجع حالتك أثناء محاضرات الأستاذ عدنان ..."
ماتت الإبتسامة على شفتيها وقالت :
_" حالتي !"
وتنهدت وتابعت :"لم يعلم بها إلا الله "
سرت القشعريرة في جسدي وسألتها :-
_"وماذا أنت فاعلة , وخاصة أنه طلب منك محادثته عند رئيسة القسم "
فوضعت رأسها بين كفيها وهزت وقالت :
_"لا أعلم , أخاف أن ينبش الماضي ..ويبعث في يباب القديم "
فقلت لها مطمئنة :
_"لا أعتقد , فقد مضى زمن على الواقعة , ثم أن مكانه حسا س جدا , ولا يسمح له بأي حديث خارج المادة العلمية "...
...رفعت رأسها ...وقد اغرورقت عيناها بالدموع وقالت :
_" ها أنت عرفت مكمن السر , وخفايالا الماضي ..بالله يا وفاء , أليس لهذا الحلم الشجي من نهاية ؟.."
...فقلت وأنا أحاول أن أخفف من وطأة ألمها :
"أولا أحمدي الله أن لك مبدأ تسيرين عليه وأساس متين تقفين فوقه ..
ثانيا : لا تسبقي الأحداث , وتوكلي على الله "
تنهدت بعمق ...وقالت:
_"بورك فيك , ومع ذاك فالذكرى القديمة مازالت تشعل في قلبي لهيب الحزن , وتبعث بين ضلوعي لحنا يروي حكاية أليمة .."
وعدت إلى البيت بعد أن قضيت ثلاث ساعات مع رنيم , وتفكرت في حالها إن وضعها حرج جدا مع الأستاذ , انتظرت الغد بشغف , ثم قدم الغد , وكان مقعدي بجانب معقد رنيم وبدأت المحاضرة الأولى , وما لبثنا حتى أقبلت الموظفة , تطلب قدوم رنيم إلى رئيسة القسم ...
وبارتباك بسيط لم يلاحظه غيري لبت رنيم الطلب بعد أن استأذنت من الدكتورة , ومضى الزمان بطيء...ثقيل ...كم من الهواجس تنهش عقلي ..وقطار من العلامات الاستفهام يقف في ساحة تفكيري ...جميعها تتساءل ماذا ؟..
وقبيل نهاية المحاضرة عادت بوقارها وهدوءها جاءت وأخيرا ...انتهت المحاضرة وولت الدكتورة , فالتفت إلى رنيم وقلت لها متلهفة :
_" طمئنيني !"
قالت ..بعد أن أخذت نفسا عميقا ... :
_"اعتذرت له على أسماع رئيسة القسم "
فضربت بشدَة على الطاولة بيديّ وقلت :
_" لا....لا هذا ظلم ...أنت لم تخطئي ..."
ابتسمت نصف ابتسامة تهكم وقالت:
_"أرسل سيلا من الشتائم والسخرية ووصفني بالدونية والوضاعة في التفكير ...اتهمني بمحاولة إشعال فتيل الفوضى بين الطالبات ...والتعالي على أمر أستاذ المادة ...؟!"
"وأنت ..ماذا قلت ؟!"
"صامته , لم أتكلم ببنت شفه ..وفي النهاية طيبت رئيسة القسم خاطره بكلمات , وأمرتني بالاعتذار فرفض اعتذاري ...وقبل اعتذار رئيسة القسم بدلا مني "..
..."ألا تعتقدين أن مايفعله الأستاذ انتقام لما حدث في الماضي "
..."لا ياوفاء ...لا يجب أن اتهمه بذلك , ولعل الأيام القادمة تنبلج منها الحقيقة "
...لكن الأيام القادمة هادئة بالنسبة لرنيم فالأستاذ تجاهلها بالكلية , وبها استطاعت أن تضبط نفسه
...
السماء ملبدة بالغيوم , والرياح تهب بشدّة , ومع ذاك لم تنزل قطرة مطر واحدة وكأنها –السماء- امرأة في حالة وضع شديد تنتظر قدوم طفل يخفف ألآمها ....
ومحاضرات مادة الأدب الأندلسي , أمامي فغدا موعد الامتحان الشهري , وأحس أنني لا أملك أي استعداد نفسي للمذاكرة , فاتصلت هاتفيا برنيم فوجدها أسوء مني حالا ....
_"ما العمل ؟!"
فقالت :مارأيك نحدد جزء معين , ثم نراجعه معا "
أعجبتني الفكرة , وتواعدنا بعد أربع ساعات ....
وهكذا حتى انتهينا من المادة بسلام , وكان النوم قد غزا أجفاني ....فانسحبت , وذهبت إلى فراشي ..ثم استيقضت باكرا , وراجعت بعض الأوراق , ثم اتصلت برنيم لأطمئن عليها لأتفاجئ أنها لم تنم طوال الليل تذاكر المادة ....
_"رنيم ألم تنتهي من المادة البارحة ؟!"
_" نعم , ولكن وكما تعودت أحب أن ألم بأي مادة فأستعين ببعض المراجع التي في حوزتي "
_"ستجهدين !"
_"لا عليك .. فاليوم الخميس , وسآخذ قسط من الراحة بعد عودتي "
_"حسنا "وأغلقت الهاتف .
.....وحانت الساعة , وبدأ الامتحان , وكانت المفاجئة ...
فقد طلب منا إكمال قصيدة ذكر منها بيتين عن مالا يقل عن عشرة أبيات , وشرح مفصل لقصيدة لم تشرح ..
و شواهد للحالة الاجتماعية والسياسية و.....
ضجت القاعة بالاستنكار ...ورفضن الطالبات الإجابة على السؤال الثاني ...واتفقن على ذلك , وحذرن كل طالبة من الإجابة ...
أبلغت المشرفة رئيسة القسم , والتي اتصلت بالأستاذ ...فهدد الأخير بخصم نصف درجة السؤال الأول لمن تضرب عن إجابة السؤال الثاني ...فحمي الوطيس , وبلغ الأمر مبلغه.
...جلت ببصري على الطالبات الجميع , ,ورأيت رنيم جالسة تدون وقد بدا عليها الاهتمام عليها .
...في الواقع كانت القصيدة سهلة الألفاظ , ولكن طريقة الأستاذ لم نعتد عليها ..وشرحت ما شاء الله أن أشرح , ثم سحبت الأوراق منا سحبا , وما أن خرجت المشرفة , حتى ارتفع صوت أسماء بقولها :
_"لن نسكت على هذا الظلم , وعلى الجميع أن يتحد لشكوى ...مفهم "
ضجت القاعة بأصوات الطالبات مرددات بالموافقة , وتوجهت إلى رنيم تطلب منها كتابة الشكوى , وكنت أراقب الموقف من بعد , ورنيم في شغل عما يحدث فقد أمسكت بورقة الأسئلة والكتاب تتأكد من إجاباتها .. ولم تع إلا وأسماء تسحب الكتاب من يديها وهي تقول :
_"هيا اكتبي لنا شكوى الآن "
نظرت رنيم إليها ...وعدلت من وضع نظاراتها وقالت:
_" ومن قال أني سأكتب شكوى "
قالت أسماء "أنا , ألم تقولي تريثوا , وها نحن تريثنا فماذا جنينا , ثم ألا تذكري موقفك معه , وكيف يسخر منك أمام الطالبات "
قالت رنيم :"الآن ....تذكرت موقفي !"
وسحبت كتابها من أسماء وذهبت ..
اتجهت مباشرة ناحيتها , فابتسمت حينما رأتني وأشارت إلى الباب ...
خرجنا معا ...سألتها عن الامتحان فقالت :
...أسهل مما توقعت , والحمد لله إجابتي راضية عنها ولا أعرف إ، كانت سترضي الأستاذ ..
_"يعني ذلك أنك شرحتي القصيدة الخارجية ؟!"
_"شرحتها , وذكرت قائلها والمناسبة لكن أخطأت في السؤال الأول فقد خانتني الذاكرة فلم اذكر سوى تسعة أبيات , وعوضت النقص بستة أبيات من قصيدة أخرى لنفس الشاعر ...ولا أعلم إن كان سيقبلها أم لا ...وأنت مافعلت ؟"
_"...الأبيات كاملة ..ولكن لم أوفق في شرح القصيدة كثيرا "
ثم قضينا اليوم في المحاضرات وقد تغيبت عدة طالبات على رأسهن أسماء ...وقبيل نهاية اليوم ..وبينما أنا ورنيم جالستان في مقصف الكلية .. أقبلت نادية وهي تلهث وتقول :
_" خبر ...هام ....خبر هام "
وعندما وصلت ..جلست على أحد المقاعد القريبة ...وقالت بصوت متقطع :
_"..لقد بلغ الأمر مبلغة ...فأسماء تطالب بحذف السؤال الثاني أو إعادة الامتحان ..ورئيسة القسم تدعي بأن أستاذ المادة حرّ في وضع الأسئلة ولا يحاسب ...
وقد علم الأستاذ بالأمر ..فقد سربت أحد الدكتورات الأمر إلى زوجها الدكتور الذي بدوره أخبره , فقامت قائمة الأستاذ عدنان وطلب من رئيسة القسم أسماء الطالبات المعترضات لكي يخصم منهن درجة السؤال الثاني سواء أجبن أم لم يجبن عقاب لهن ...فهدأت رئيسة القسم الوضع وطيبت من خاطر الأستاذ , وفي النهاية اتفقت رئيسة القسم مع دلوعتها أسماء بوضع ملصوق على بيانات الطالبة في الورقة الامتحان خوفا من معرفته لبعض الطالبات "