[justify]قراءة في كتاب المسؤولية التربوية في الإسلام
المؤلف عبد القادر قسم السيد الدابي وهو يدور حول مسئولية الكل في مجتمع المسلمين عن التربية والأصح واجبات الأفراد و المؤسسات وهى الجماعات الصغيرة من الأفراد نحو تربية الأطفال وفى مقدمته قال :
"فإن القرآن الكريم باعتباره منهج حياة تناول كل احتياجات الإنسان وغيره من الكائنات اعتمادا على قاعدة: {ما فرطنا في الكتاب من شيء ..... } ولذلك بسط حقائق الأشياء بكل دقة وإيجاز, فإذا تناول أي جانب من الجوانب، فإنه يتكلم عنه بدقة وشمول وإحاطة وواقعية ومرونة, فإن تكلم عن الكون، بهرك بعجائبه وأسراره وسننه وقوانينه التي تحكم حركته وتبين علاقات عناصره, وإذا تناول الإنسان، فصل القول من كل النواحي، وإذا تكلم عن الحياة بين نظرته إليها بكل وضوح وبكل شفافية, وإذا تكلم عن التربية بسط القول فيها وأبان وبين حقيقتها والأطراف المسؤولة عنها ودور كل طرف في المسؤولية التربوية، حيث يقرر إن التربية في الإسلام مسؤولية الجميع, مسؤولية كل من: الأسرة، والفرد، والمسجد، والمدرسة، والمجتمع، والمربي، كما أنها مسؤولية المتعلم وذلك على النحو التالي:"
استهل الباحث كتابه بذكر مسئولية الأسرة عن تربية الطفل ولفظ المسئولية كما قلت سابقا ليس دقيقا هنا لأن المسئولية تعنى الجزاء على العمل صالح أو فاسد بينما ما يتكلم عنه الدابى في البحث هو الواجبات على كل طرف وألان لواجبات الأسرة وهى عنده :
"[أ] مسؤولية الأسرة:
إن المولود يولد على الفطرة أو يأتي إلى الدنيا صحيفة بيضاء، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه, والإسلام دين الفطرة والأسرة يمكنها تربية أبنائها وأطفالها مع التوجيه والإرشاد وتنمية الفطرة الصالحة حتى تضمن السير بهم على الطريق السوي، وربما تسلك بهم سبل الضلال والفساد "
وقد استهل الدابى الكلام بعبارتين لا يجتمع معناهما في الوحى وهما وجود ما يسمى الفطرة في نفس الوليد وولادته كصفحة بيضاء والفطرة تعبير خاطىء فلا وجود لها في نفس الطفل لأنه يولد دون علم بأى شىء كما قال تعالى:
" والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا"
وتعبير الفطرة المزعوم يناقض أن الوالدان هما من يربيانه على الكفر أو على الإسلام فلو كان هناك فطرة ما قدرات على تغييرها
ثم قال:
"قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ..... } وقال تعالى: {وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى}
وقال رسول الله -: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر)
إن هذه النصوص الكريمة تشير إلى مسؤولية الأسرة في تربية النشء، فهي الأساس للتربية الاجتماعية السليمة، ولذلك فإن الإسلام جعل الزواج سكنا ومودة ورحمة ليهيئ البيئة المستقرة المطمئنة التي تعين على التربية الصالحة قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} وقال تعالى: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} "
وما ذكره الرجل هو أوامر أى واجبات على الوالدين وهى وقاية الأولاد وأمرهم بالصلاة وأمرة بالصلاة وهو ما اعترف به في قوله:
"فالإسلام يجعل حب الأبناء والعناية بتربيتهم تربية اجتماعية إسلامية سليمة، عبادة وواجبا اجتماعيا كبيرا."
وذكر الرجل واجبات الأم فقال :
"والإسلام اهتم بالأم وأفرد لها مساحة كبيرة في تربية النشء خلقيا، واجتماعيا، وسلوكيا، وذلك لأن الطفل في السنوات الخمس الأولى من عمره يكون ملتصقا بالأم، فهي التي ترسم الخطوط الأساسية التي تبنى عليها شخصية الطفل في مقبل أيامه, هذا يعني أن الأم عليها أن تقوم بدور الموجهة والمربية، الأمر الذي يتطلب منها أن تفكر دائما في أحسن الطرق التي تمكنها من تربية أطفالها حتى تعدهم للمشاركة في المجتمع بأخلاقهم وأعمالهم, وكمثال لتلك الأم يمكن أن نأخذ تلك المرأة الأعرابية المسلمة التي رأى أحد الناس ابنها فأعجب بمنظره فسألها عنه, فقالت: "إذا أتم خمس سنوات أسلمته إلى المؤدب، فحفظ القرآن فتلاه, فعلمه الشعر فرواه, ورغب في مفاخرة قومه, وطلب مآثر آبائه وأجداده، فإذا بلغ الحلم حملته على أعناق الخيل فتمرس وتفرس, ولبس السلاح, ومشى بين بيوت الحي وأصغى إلى صوت الصارخ"
فهذه الإجابة تمثل منهجا كاملا في التربية, وذلك لما تضمنته من قيم اجتماعية إسلامية راقية في لغة سليمة عذبة جذابة، مما يلفت الأنظار إلى دور الأم المسلمة المتعلمة الواعية التي يمكنها أن تتخذ من اللغة وسيلة لتربية أطفالها فهي تعلم أنها إذا خاطبت أطفالها بلغة هادفة، مكنها ذلك من أن تغرس فيهم خلقا عظيما. فاللغة السليمة تعين على التفكير المنظم، والمنطق الواضح، والخيال الواسع، والذوق السليم، والنظام، وحسن معاملة الآخرين، وكلها صفات يحتاج إليها المجتمع, ومن ذلك ما نقلته إلينا وسائط التربية عن مدى فصاحة وبلاغة المرأة العربية في الماضي كمثال على الذوق الجميل، والأدب الرفيع، والحكمة البالغة، والرأي السديد، الذي كانت تتمتع به المرأة من قبل, والذي تحتاجه الأم في عصرنا هذا، وتسعى من أجل أن تبلغ تلك المرتبة التي وصلت إليها المرأة العربية فيما مضى"
وكلام المرأة الأعرابية ليس تعليم للإسلام وإنما تعليم للكفر مع الإسلام ممثلا في قولها :
"فعلمه الشعر فرواه, ورغب في مفاخرة قومه, وطلب مآثر آبائه وأجداده"
فالطفل المسلم لا يعلم الشعر لكونه معظمه أقوال كفر كما قال تعالى :
" والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون "
وأما مفاخر القوم والمآثر المزعومة للآباء والأجداد فتتناقض مع حكم الله تعالى :
" فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى"
وقوله :
أن الله لا يحب كل مختال فخور"
وضرب مثلا أخر على التربية بوصية أم لابنتها فقال :
"فلنتناول وصية أسماء بنت خارجة لابنتها عند التزوج حيث قالت لها: "إنك خرجت من العش الذي فيه درجت , فصرت إلى فراش لم تعرفيه, وقرين لم تألفيه, فكوني له أرضا يكن لك سماء، وكوني له مهادا يكن لك عمادا، وكوني له أمة يكن لك عبدا، لا تلحفي به فيقلاك، ولا تباعدي عنه فينساك، إن دنا منك فأقربي منه, واحفظي أنفه وسمعه وعينه، فلا يشمن منك إلا طيبا، ولا يسمع إلا حسنا، ولا ينظر إلا إلى جميل"
فهذه الوصية ترينا ذكاء الأم العربية، ونظرها الصائب، وحكمتها، وتجربتها الرائعة، ولغتها العذبة."
وهذه الوصية لا علاقة لها بالإسلام فإنما تؤخذ الأحكام من الوحى وليس من كلام بشر يخطئون ويصيبون فكثلا أن تكون المرأة لزوجها أمة حتى يكون لها عبدا يتعارض مع قوله تعالى :
" اعبدوا ربكم"
فالعبودية تكون لله وليس لبشر وبدلا من الاستشهاد بكلام الوحى لجأ إلى كلام أم أخرى فقال:
"وإلى جانب ذكاء الأم العربية، هناك أيضا إيمان المرأة المسلمة وقوة عقيدتها التي انعكست على تربية أبنائها, فلنتأمل نصيحة الخنساء لأبنائها الأربعة في الليلة التي وقعت فيها معركة القادسية حيث قالت: "يا بني إنكم أسلمتم طائعين, وهاجرتم مختارين، فاعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية، اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون. فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها, فيمموا وطيسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة".
فلما أقبل الصباح أسرعوا إلى مراكزهم, وتقدموا واحدا بعد آخر يذكرون وصية أمهم المؤمنة الصابرة المحتسبة, حتى استشهدوا جميعا، فلما عرفت الخبر قالت: "الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة"
فما أحوجنا اليوم إلى الأم المؤمنة التي تحذو حذو المرأة المسلمة في الصدر الأول من الإسلام، فتغرس في نفوس أبنائها روح الإيمان، ومعاني الجهاد والاستشهاد والتضحية، وإغاثة الملهوف, كما تنمي فيهم القدرة على استخدام اللغة بشكل هادف وبصورة جملية فاللغة العربية هي الوسيلة التي حمل الله بها ـ عن طريق الوحي الذي أنزل على رسول الله - ـ إلينا خير كتاب عرفته البشرية وهو القرآن الكريم."
وكلام الأم المسلمة ليس تربية لأن التربية تكون في الصغر كما قال تعالى :
" وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا"
والأولاد المجاهدون كانوا شبابا وليسوا أطفالا ومن ثم لا يمكن أن نسمى ذلك تربية وإنما نسميه توصية أو وصية بطاعة الله
وحدثنا الدابى عن مسئولية الفرد كما تحدث عن الأسرة وهو تقسيم لا أساس له لأن الأسرة مونة من أفراد والمدرسة مكونة من افراد ...ومن ثم فالمسئولية كلها تصب في خانة واحدة في النهاية وهى مسئولية الفرد المسلم سواء الواجب واجب عليه وحده أو واجب عليه مه أخرين
فالمفترض هنا أن تكون مسئولية الابن أو الابنة وفيها قال :
"[ب] مسؤولية الفرد:
إن الفهم العام في نظام الإسلام أن كل إنسان يجزى بعمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر, ولا يسأل عن خطيئة غيره ولا يحاسب عليها
قال تعالى: { .. ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى} وقال تعالى: {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى .... } وقال تعالى: { .... ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ... } وقال تعالى: {أم لم ينبا بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى}
يتضح من خلال النصوص المذكورة آنفا أن الإنسان لا يؤاخذ بذنب إنسان آخر مهما قرب منه أو بعد, بل يؤخذ بذنبه فقط ويعاقب على جرمه فحسب, ويعني هذا أنه مسؤول عن عمله، وهذا يدعوه إلى أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه غيره, وأن يزن أعماله قبل أن توزن عليه.
ومن أجل تحقيق المسؤولية التربوية الفردية، أوجب الإسلام على كل فرد مسلم أن يطلب العلم، وهذا يعني أن المسلم في عملية تعليمية مستمرة مهما بلغ علمه أو سنه, فقد ورد عن النبي - أنه قال: (ما يزال العالم عالما ما طلب العلم فإن ظن أنه علم فقد جهل)
وقد ورد في بيان فضل العلم والعلماء ما يلي: "تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية, وطلبه عباده، ومذاكرته تسبيح, والبحث عنه جهاد, وتعلمه لمن لا يعلم صدقة, وبذله لأهله قربة, لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبل أهل الجنة, وهو الأنيس في الوحشة, الصاحب في الغربة, والمحدث في الخلوة, والصبر على السراء والضراء, والسلاح على الأعداء, والزينة عند الأخلاء. يرفع الله به أقواما، فيجعلهم في الخير قادة تقتفى آثارهم, ويقتدى بفعالهم, وينتهى إلى أمرهم, ترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم, ويستغفر لهم كل رطب ويابس, وحيتان البحر وهوامه, وسباع البر وأنعامه كيف لا والعلم حياة القلوب من الجهل, ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد به منازل الأخيار والدرجات العلا في الدنيا والآخرة, التفكير فيه يعدل الصيام, ومدارسته تعدل القيام، به توصل الأرحام, وبه يعرف الحلال من الحرام, وهو إمام العمل والعمل تابعه، يلهمه السعداء ويحرم منه الأشقياء
إذن فإن طلب العلم في الإسلام لا يتوقف عند حد معين ولا بسن محددة. والمراد هنا العلم بمعناه الواسع الذي يشمل أمر الدين والدنيا وهذا يشير إلى أن الإسلام أول نظام فرض إلزامية تعليم الصغار والكبار، وما موقف الإسلام من أسرى بدر إلا تجسيدا لموقف الإسلام من قضية التعليم والتعلم, وكان المسجد أولى المؤسسات التربوية التي أنشأها الإسلام."
إذا مسئولية الأبناء في الطفولة هى تعلم العلم ولن نتكلم عن حكاية استغفار المخلوقات كالحيتان لطالب العلم وخلة الملائكة فهو كلام باطل فالملائكة من تستغفر للمؤمنين كما قال تعالى :
"الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا"
والملائكة لا تنزل الأرض لخوفها وعدم اطمئنانها ومن ثم فهى لا تضع أجنحتها طلبا لرضا الطالب كما قال تعالى :
" قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"
وحدثنا عن مسئولية العاملين بالمساجد فقال :
"[ج] مسؤولية المسجد:
إن المسجد في المجتمع الإسلامي له رسالة تربوية كبيرة, فقد كان في عهد رسول الله - وصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وما زال مكانا طاهرا، يذكر فيه اسم الله، ويجتمع فيه المسلمون خمس مرات كل يوم لأداء الصلاة, يلتقون فيه ليتعلموا أمور دينهم ويبحثوا فيه أمور دنياهم
فكان المنطلق الرئيسي لنشاط المسلمين في كل جانب من جوانب الحياة, السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتربوية
فكما أن في الجهاد عزيمة صادقة, تفانيا، وتضحية، وقوة دافعة تحدث إصلاحا في سبيل الله، فكذلك العلم الذي يتعلمه المسلمون في المسجد أو يعلمونه، فإن فيه خيرا كثيرا وبركة، إذا أقدموا عليه صلح مجتمعهم واستقام, وللمساجد أسوة حسنة في المسجد النبوي الشريف.
لكن المسجد في مجتمعنا المعاصر فقد رسالته التي كان عليها في المجتمع الإسلامي الأول، وذلك لأن كثيرا من القائمين عليه أو المسؤولين عن إدارته، لا يدركون معنى التوحيد في الحياة, فقد أصبح المسجد مكانا يؤدي فيه المسلمون الصلاة ثم ينصرفون, يدخل المصلون في صمت ويخرجون في صمت, لا يتعارفون، ولا يتناصحون, ولا يثيرهم ما يحيط بهم من نقص في الأخلاق والنظام والمثابرة وحب العمل, وحتى خطبة الجمعة التي ينبغي أن تهدف إلى شحذ همم المسلمين، ولفت أنظارهم للعمل الصالح في حياتهم، أصبحت تكرارا لكلام معروف، أداء للواجب المحدد, لا تحل مشكلة ولا تثير اهتماما.
وإذا قارنا ما يحدث في مساجدنا اليوم بما كان يحدث في مساجدنا بالأمس لوجدنا فارقا كبيرا، فقد كان المسجد مؤسسة تعليمية, علاوة على كونه مكانا لأداء الصلوات, فالدراسة في الجامع الأزهر, مثلا، لم تكن تقتصر في عصور نشأته الأولى على الفقه وعلوم الدين بل درس فيه الطب، والمنطق، والرياضيات.
فكان ابن الهيثم يشتغل بالتصنيف والنسخ والإفادة في الجامع الأزهر, وكذلك كان الحال في المساجد الأخرى كجامع عمرو بن العاص, وجامع ابن طولون, وجامع المنصور ببغداد, والمسجد الأموي بدمشق, والمسجد الجامع بقرطبة, والجامع الكبير بصنعاء, وذلك بالإضافة إلى المسجد الحرام بمكة، والمسجد النبوي الشريف بالمدينة
وكان تلقي العلم بالمساجد كالدخول إليها لأداء الصلاة، غير مقيد بقيود، ولكل إنسان الحق في الاستماع إلى أي درس يلقى فيها, ما دامت لديه الرغبة في العلم والقدرة على الفهم, كما كان تلقي العلم في تلك المساجد يتم على هيئة حلقات تعليمية, وقد وضع أسس تلك الحلقات علماء الصحابة الذين استقروا في حواضر البلاد الإسلامية, من أمثال أبي الدرداء، وأبي ذر الغفاري، وأبي موسى الأشعري، وأبي بن كعب. فكان أبو الدرداء مثلا، يجلس في جامع دمشق بعد صلاة الظهر حيث يجتمع الناس للقراءة عليه, وكان ينظمهم عشرة عشرة، ويجعل على كل عشرة عريفا, ثم يقف في المحراب يراقبهم بحيث إذا أخطأ أحدهم رجع إلى العريف، وإذا أشكل على العريف شيء رجع إلى أبي الدرداء, وبلغ عدد الطلبة في حلقة أبي الدرداء ألفا وستمائة ونيفا، لكل عشرة منهم مقرئ فما أحوجنا اليوم إلى أن تعاد مساجدنا إلى ما كانت عليه مراكز إشعاع حضاري، يتلقى فيها المسلم علوم الدين والدنيا، لا يشعر أن أحدهما منفصل عن الآخر، ويربى فيها على أخلاقيات الإسلام ومبادئه وتعاليمه."
والحقيقة أن كل الكلام المذكور عن مسئولية العاملين بالمساجد نحو الطفال هو ضرب من الوهم نتج عن كمية رهيبة من الروايات الكاذبة التى تبين أن للمسجد وظائف متعددة بينما الله حدد له في كتابه وظيفة واحدة وهى :
" ذكر اسم الله أى قراءة القرآن وهى الصلاة كما قال تعالى :
"فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له بالغدو والأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله "
الغريب أن الله حدد الداخلين للمساجد العامة بكونهم رجال وليس أطفال ومن ثم ليس على العاملين بالمساجد العامة مسئولية تجاه الأطفال
وتحدث عن مسئولية العاملين بالمدرسة فقال :
[د] مسؤولية المدرسة:
المدرسة هي تلك المؤسسة التربوية التي يقوم المجتمع بإنشائها لتربية أبنائه وتنشئتهم وفقا لقيم المجتمع وتقاليده وعاداته, وعلى ذلك فالمدرسة مسؤولة عن تزويد المجتمع بصورة مستمرة بأفراد متمسكين بالمبادئ الإسلامية ولديهم القدرة على توجيه المجتمع في الاتجاه السليم وتصحيح الجوانب السلبية في ذلك المجتمع
ولتحقيق ذلك فإن المدرسة يجب أن تكون صورة مصغرة لما يجب أن يكون عليه المجتمع المسلم, فمدير المدرسة ووكليها ومدرسوها, يجب أن يكونوا بمثابة القدوة الحسنة التي يقتدي بها الطلاب في سلوكياتهم, ومناهج المدرسة يجب ألا تتضمن إلا ما من شأنه تكوين الفرد المسلم وإعداد الإنسان الصالح, والأنشطة المدرسية يجب أن يكون لها أهداف محددة ومرغوبة من الناحية الإسلامية, وهكذا فإن المدرسة تتحول كلها إلى خلية تسعى نحو تكوين تلك الشخصية المسلمة التي يتمثل فيها الإسلام قولا وعملا.
فالمدرسة ـ إذن ـ هي تلك البيئة التي ائتمنها المجتمع على أبنائه, وأودعها إياهم لتنشأتهم على تلك المبادئ التي اعتنقها ذلك المجتمع وارتضاها لنفسه. ومن هنا يجب أن ينظر كل مسؤول في المدرسة إلى نفسه على أنه راع وأنه مسؤول عن رعيته, فهؤلاء الأطفال الذين بين أيديهم هم لبنات ذلك المجتمع، وهم النبت الذي يجب أن تتولاه المدرسة بالعناية والرعاية، وهم قبل ذلك عجينة يمكن تشكيلها وصبغها بالصبغة التي تريدها المدرسة, ومن ثم فإن مسؤولية المدرسة أن ترعى الله في هؤلاء الناشئين وفي المجتمع الذي أودعهم في تلك المدرسة لتنشئتهم على مبادئ الإسلام وتعاليمه "
والكلام عن مسئولية المدرسة وهو واجبات العاملين بها يعنى أن كلام الدابى عن المدرسة هو نفسه كلام عن المعلم في الجزئية التالية :
"[هـ] مسؤولية المربي (المعلم):
للمعلم في الإسلام منزلة كبيرة تقترب من منزلة الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه, فهو بمثابة الأب الروحي للمتعلم, فهو الذي يقوم بتغذية الروح بالعلم، وتهذيب النفوس بالأخلاق، وتقويمها. ولذا فإن رسول الله - يخبرنا بأن مداد العلماء يساوي دماء الشهداء، فالعالم العامل خير من المتعبد الجاهل الذي يصوم النهار ويقوم الليل، وقد وصف الغزالي منزلة العلم والعلماء في قوله: "فمن علم وعمل بما علم فهو الذي يدعي عظيما في ملكوت السماء, فكأنه كالشمس تضئ لغيرها وهي مضيئة في نفسها، وكالمسك الذي يطيب عبيره وهو طيب, ومن اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمرا عظيما وخطرا جسيما, فليحفظ آدابه ووظائفه
وقد وصف أبو الدرداء المعلم والمتعلم بأنهما شريكان في الخير, ولا خير فيما عداهما
ولكن يقابل تلك المنزلة الكبيرة التي يحظى بها المعلم في المجتمع الإسلامي مسؤوليات يفرضها عليه المجتمع وقد حدد الإمام الغزالي عددا منها نجمله فيما يلي:
أولا: أن يشفق على المتعلمين ويجريهم مجرى أبنائه، ولا يدخر وسعا في نصحهم وإرشادهم، وأن يزجرهم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ذلك لا بطريق التصريح، وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ.
ثانيا: أن يراعي مستوى الأطفال من الناحية العقلية, ويخاطبهم على قدر عقولهم، ولا يلقي إليهم أشياء فوق مستوى إدراكهم، حتى لا ينفروا من التعليم ويتخبطوا فيما يفهمونه، ـ وهذا خير مبدأ في التربية الحديثة ـ وألا يقبح في نفوس المتعلمين علوم غيره، وهذا يعني أن المعلم عليه ألا يتعصب لمادته.
ثالثا: ينبغي أن يراعي مستوى الضعفاء من المتعلمين واختيار المادة السهلة الواضحة التي تناسبهم، ويجب ألا يشعرهم بأنهم ضعفاء أو أغبياء حتى لا يؤثر في نفوسهم تأثيرا سيئا.
رابعا: أن يعمل المعلم بعلمه فلا يكذب قوله فعله قال تعالى: {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} "
وهذا الكلام يلخصه قوله تعالى :
" وقل رب زدنى علما"
فمهمة المدرسة زيادة علم الأطفال بحيث يطيعون أحكام الله كلها بما فيها ما يسمى البحث العلمى والذى غالبا ما يؤخذه الكل خارج نطاق الإسلام مع أنه جزء منه
وكما كرر الرجل كلام المدرسة في المعلم سبق أن ذكر مسئولية الفرد وهى نفسها مسئولية المتعلم وهو الابن أو البنت حيث قال :
"[و] مسؤولية المتعلم:
لطالب العلم منزلة كبيرة في العملية التعليمية بشكل عام وفي التربية الإسلامية بصفة خاصة، فالتربية تتوجه لإعداده إعدادا كاملا شاملا ليكون مؤهلا لحمل الأمانة ـ وهي خلافة الله في الأرض
عمارة وعبادة ـ وهو يتسلمها من الجيل السابق ليقوم بتسليمها إلى الجيل اللاحق, وتأهيله يقتضي العناية به ورعايته حتى يكون سليم الإعداد حسن البناء, وطالب العلم أو المتعلم في التربية الإسلامية ينبغي أن يتحلى بصفات معينة جمعها الله عز وجل في قوله تعالى: { ... واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم}
فالله سبحانه وتعالى يأمر بالتقوى، وهي التحلي بكل فضيلة، واجتناب كل رذيلة، والخوف من الله في السر والعلانية، وسلامة الروح والجسد، والبعد عن الشهوات والمفاسد، حتى يعلمه الله ويمنحه نورا ربانيا يمشي به بين الناس ويلهمه العلم والمعرفة ونور البصيرة
وقد حدد الإمام الغزالي الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها طالب العلم أو المتعلم وفيما يلي إيجاز لتلك الصفات
[1] ينبغي لطالب العلم أو المتعلم التحلي بمكارم الأخلاق, كما عليه الابتعاد عن سيئ الأخلاق مثل: الغضب، والشهوة، والحقد، والحسد، والكبر، والعجب. كل هذه ظلمات تحجب نور العلم، وليس العلم كثرة الرواية وما تعيه الحافظة، وإنما هو نور البصيرة, بما تميز به بين الحق والباطل، والضار والنافع، والخير والشر، والهدى والضلال
[2] يجب أن يقلل طالب العلم من شواغله وما يصرفه عن ... التحصيل، وأن يكرس الوقت للعلم، إذ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه, وهذا يعني التفرغ لطلب العلم لأن العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كل وقتك وتفكيرك.
[3] ألا يتكبر المتعلم على المعلم ولا يتآمر عليه، بل يذعن لنصيحته إذعان المريض للطبيب المشفق الحاذق، وينبغي أن يتواضع لمعلمه ويطلب ثواب الشرف بخدمته , فقد ورد أن زيد بن ثابت - صلى على جنازة، فقربت إليه بغلة ليركبها, فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال زيد: خل عنه يا ابن عم رسول الله - , فقال ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء والكبراء. فقبل زيد ابن ثابت يده، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا
فلا ينبغي لطالب العلم أن يتكبر على المعلم، فيجب أن تكون الصلة حسنة بين المعلم والمتعلم, والحكمة ضالة المؤمن يغتنمها حيث يظفر بها, ولا ينال العلم إلا بالتواضع والانتباه وإلقاء السمع قال تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}
هذا يعني أن يكون المتعلم قابلا للعلم ذو فهم وبصر، ومع ذلك فربما لا تعينه القدرة على الفهم حتى يلقى السمع وهو شهيد، بمعنى أن يكون حاضر القلب يستقبل كل ما ألقي إليه بحسن الإصغاء، والضراعة، والشكر، وانشراح الصدر, قال علي ـ كرم الله وجهه ـ: "من حق العالم ألا تكثر عليه بالسؤال، ولا تعنته في الجواب, ولا تلح عليه إذا كسل, ولا تأخذ بثوبه إذا نهض, ولا تفشين له سرا، ولا تغتابن أحدا عنده, ولا تطلبن عثرته, وإن زل قبلت معذرته، وعليك أن توقره وتعظمه لله تعالى, ما دام يحفظ أمر الله تعالى".
[4] ألا يدع طالب العلم فنا من العلوم محمودا، ولا نوعا من أنواعها، إلا وينظر فيه نظرا يطلع به على مقصده وغايته, ثم إن ساعده العمر، طلب التبحر فيه, وإلا اشتغل بالأهم منه واستوفاه, فإن العلوم متعاونة وبعضها يعزز بعضا.
[5] ألا يخوض المتعلم في فن من فنون العلم دفعة واحدة، بل يراعي الترتيب, ويبتدئ بالأهم, فإن العمر إذا كان لا يتسع لجميع العلوم غالبا فالحزم أن يأخذ من كل شيء أحسنه.
[6] أشرف العلوم العلم بالله عز وجل، وملائكته، وكتبه، ورسله, والعلم بالطريق الموصل إلى هذه العلوم. فإياك وأن ترغب إلا فيه، وأن تحرص إلا عليه.
[7] أن يكون قصد المتعلم في الحال تحلية باطنه وتجميله بالفضيلة، وفي المآل القرب من الله سبحانه و تعالى، قال تعالى: { ... يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير} وقال تعالى: {هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون}
هذه هي الصفات التي ينبغي أن يتمسك بها طالب العلم كي ينجح في دراسته وحياته, والحق أن المسلمين قد عرفوا الحياة حق المعرفة، وعنوا بالناحية الروحية عنايتهم بالناحية الجسمية، فأعطوا الروح غذاءه من العلم، والدين، والفضيلة, وأعطوا الجسم ما يحتاج إليه من غذاء صحي، ومسكن صحي، وهواء طلق, وحثوا الطالب على صيانة روحه، وجسمه، وعقله، وقراءة ما يفيده في الحياة وتخير الأصحاب من الفضلاء."
وكما سبق القول هذا الكلام هو كلام عن الواجبات على كل طرف ومن ثم فالخطأ هو كلام الدابى عن مسئولية المجتمع وتقسيم المسئوليات لفردية ومجتمعية هو تقسيم خاطىء لأن المجتمع ما هو مجموع الأفراد وهذه التقسيمات الخاطئة سببها نقل البعض علوم الغرب أو علوم الكفرة دون بحث وتمحيص
فالمحاسب في النهاية هم الأفراد وبالطبع غاب عن الدابى أن واجبات الأفراد من حيث التربية مشتركة بين أفراد آخرين هم الجيران في الشارع والمارة في الشارع والعاملين بالمؤسسة الرياضية والمؤسسات الإعلامية وحتى المؤسسة التجارية والمؤسسة الصناعية والمؤسسة الزراعية والقضائية .........فكل هؤلاء يساهمون في تربية الأطفال بقدر قليل أو كثير على حسب تعامل الأطفال معهم
وتحدث عن الواجبات الجماعية للأفراد فقال :
"وإذا كانت هذه مسؤولية المتعلم في التربية، فإن للمجتمع أيضا مسؤوليته نحو التربية.
[ز] مسؤولية المجتمع:
على الدولة أن تهيئ الظروف والأسباب التي تمكن الأفراد من تعليم أنفسهم وأبنائهم وبناتهم بلا تمييز في ضمان هذا الحق، فالكل يعيش في المجتمع ذكرا كان أم أنثى، وبصرف النظر عن اللون أو الأصل أو المستوى الاجتماعي، فالجميع لهم الحق في الاستفادة من تلك الخدمات الأساسية.
ومن واجب الدولة حماية جهاز التربية والتعليم من كل الضغوط، وتحرير العملية التعليمية التربوية من كل القيود سوى قيد الأمانة العلمية والقيود الخلقية التي تمليها العقيدة والقيم التي تؤمن بها الأمة.
ومن ثم فإن على الدولة أن تدعم الجهود التي تقوم بها الأسرة، والمدرسة، والمسجد، والمعلمين، والمتعلمين، في المجالات التربوية كافة، منعا للسموم المنتشرة والتأثيرات الضارة التي تبثها وسائل الإعلام, وذلك لأن التربية غرس لا يأتي ثماره إلا إذا دعمته كل المؤسسات التربوية والوسائل الإعلامية المؤثرة مثل: التلفاز, الإذاعة, الصحف, المجلات, المطبوعات, وأجهزة التسجيل. وذلك لأن المجتمعات العقدية في كل مكان وزمان توجه وسائل إعلامها وتوظفها بصورة تنسجم مع مؤسساتها التربوية الأخرى بطريقة مقصودة، حتى تحقق أهدافها الاستراتيجية، وهو ما يعرف تربويا بـ (التربية المقصودة)، وهذا ما نراه في كثير من المجتمعات، وخاصة المجتمع الشيوعي في الاتحاد السوفيتي سابقا، فقد وجه إعلامه وكل مؤسساته التربوية لخلق مجتمع شيوعي، والدولة الشيوعية تراقب هذا التوجه وتدعمه في كل مراحله وعلى طول خطوات الطريق باعتباره استراتيجية دولة
ولما كان المجتمع الإسلامي مجتمعا عقائديا، فيه رقابة تتمشى مع طبيعة الإنسان وكرامته، وهي الرقابة الذاتية، وهي رقابة لإعلاء كلمة الله، لا لحماية حزب من الأحزاب أو آراء فرد من الأفراد. وإذا كانت الرقابة في المجتمعات الشيوعية يتولى أمرها الحزب الشيوعي والدولة الشيوعية، فإن الرقابة في المجتمع الإسلامي يتولى أمرها المؤمنون جميعا من منطلق ديني، وذلك كما جاء في القرآن الكريم قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم}
وجاء في الحديث الشريف: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)
كما قال رسول الله -: (الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)
فمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقتضي أن يلتزم به الكل، ويظلوا مسؤولين عنه حتى تؤديه السلطة الحاكمة أو يؤديه بعضهم, فالمسلمون في ضوء هذا المبدأ ملزمون بحماية الأخلاق، ونشر الفضيلة، ومحاربة الرذيلة، وحماية المجتمع من الأفكار الفاسدة. ولذلك فإننا لا نتوقع في المجتمع الإسلامي الصحيح أن تأتي وسائل الإعلام بشيء يعارض هذا المبدأ.
ولكن كثيرا من الناس في المجتمعات الإسلامية المعاصرة لجهلهم ولضعف إيمانهم لا يلتزمون بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك نجد في وسائل الإعلام كثيرا مما يتعارض مع الإسلام، ونتيجة لذلك فالتربية التي تغرسها الأسرة الصالحة والمدرسة المسؤولة، يفسدها ما تقدمه وسائل الإعلام المختلفة وخاصة التلفاز في حين أن من واجب وسائل الإعلام ـ وخاصة التلفاز الذي يجذب السمع والبصر والفؤاد ـ أن يعمل على تصفية التراث الاجتماعي الثقافي الخلقي، وتنقيته وغربلته من الشوائب مثل العقائد المنحرفة والعادات البالية حتى يصفو الجو للعوامل الحية الكامنة في تربيتنا الاجتماعية الإسلامية، فنحن لسنا في حاجة إلى وضع منهج جديد في تربيتنا الاجتماعية، بقدر ما نحتاج إلى ترجمة ما عندنا من منهج إلى عالم الواقع, فيمكن لوسائل إعلامنا أن تقرب الإسلام إلينا وتجعله متحركا في عقولنا وسلوكنا الفردي والجماعي.
ووسائل الإعلام في مقدورها أن تقوم بهذا الدور الحيوي الهام فتهيئ الأجواء عن طريق البرامج الثقافية والتربوية نتنسم منها: النظام, والنظافة، وتقدير شعور الآخرين، والإخلاص في العقيدة والعمل، والتعاون على البر والتقوى، وفعل الخيرات، والإخاء الصادق، وصلة الرحم، وبر الوالدين، وجميع مظاهر التربية الإسلامية في شتى مجالات الحياة ومناشطها، تلك هي مسؤولية المجتمع التربوية فعلى أفراد المجتمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وعلى الدولة دعم الأسرة، والمدرسة، والمسجد، في مجاهداتهم لتربية الناشئين تربية إسلامية صحيحة، وذلك بأن تهيئ الدولة الظروف المناسبة لضمان بناء الشخصية المسلمة القوية، ولا يأتي ذلك إلا إذا وجهت الدولة وسائل الإعلام بها الوجهة الصحيحة."
وحديثه عن الدولة هو حديث خاطىء فالدول الموجودة حاليا ليست هى دولة المسلمين وإنما دول حكامها ومن ينتظر منها خيرا تجاه مواطنيها أو أطفالها هو مخطىء لأنها تتبع سياسة بناء وهدم الإنسان في نفس الوقت حتى لا تقوم للعدل قائمة ويظل ظلم حكامها موجودا بوجودهم على كراسيهم[/justify]