لعبة المرونة والتكيف ضمان لبناء حياة أسرية مستقرة...البعض يعتقد أن العلاقة الزوجية مجرد واجهة اجتماعية مجردة عن المشاعر الإنسانية
-التقمص الوجداني يمثل جزءا هاما من تسرب شخصية كلا الزوجين على بعضهما
الإنسان يمر بالعديد من المراحل العمرية الإجتماعية التي تجبره على التغير، والمرأة إنسان قد يتغير إلى الأفضل أو إلى الأسوأ، و لكن هل تتغير شخصية المرأة حال الزواج ؟، أم أنها تستطيع الاحتفاظ بصفات شخصيتها الطبيعية بعده؟.
تغير الصفات الشخصية للمرأة بعد الزواج أمر حتمي يقنن تخطيطها لسير حياتها الزوجية، بينما يجزم البعض أن الإنسان عامة عندما يريد أن يحقق شيئا فإنه سوف يبذل قصارى جهده ليتقنه ويتعلمه ويتأقلم معه، وأن المرأة خاصة لديها قدرة وسرعة في التكيف مع من حولها متى رغبت، أي الآراء أصوب، وأيهما أقرب إلى الصحة؟.
يقول الدكتور محمد إبراهيم عيد أستاذ الصحة النفسية، ومدير مؤسسة المستقبل للتنمية والحوار الثقافي: لابد أن نعي جميعا أن التغير سمة أساسية في حياة الإنسان رجلا كان أم امرأة، وأنه لا بد أن يكون هناك تغير بعد الزواج في شخصية المرأة، تتغير لأسباب لعل من أهمها وجودها ضمن علاقة لم تكن مسبوقة بالنسبة لها، علاقة يتسبب فيها نوع وكم الالتزام والمسؤولية عن أسرة وبيت وضرورة إسعاد الرجل الذي ارتبط بها، ثم إن هناك علاقة تتواصل بتواصل الوجدانيات تقوم على الود والتراحم والحب والحنان، وعليه كان حتما أن جزءا كبيرا من شخصية هذا الرجل سوف ينطبع على زوجته، وأن جزءا من شخصيتها سيتسرب إليه، وفقا لما يسمى بالتقمص الوجداني، والذي يظهر كنتيجة للمعاشرة الطيبة السعيدة، فتأخذ المرأة من طباع الزوج وتتقمص دوره في الحياة إلى حد كبير، على أن تظل شخصيتها موجودة ولكنها تتصرف تحت مؤثرات شخصيته في نفسها، مشيرا إلى أن هذا ما يتم افتراضه في ظل وجود علاقة سوية بين الزوجين مما يقود بدوره إلى تغير إيجابي في شخصية المرأة بعد زواجها وهناك تفاعلات عقلية ووجدانية ومؤثرات بين اثنين ارتبطا برباط مقدس هو الزواج، هذا هو الأمر الذي سيتبعه تغير كبير في حياة الزوجة، وهذا التغير معناه أنها تنمو نموا رائعا، لأن الحب بين الزوجين جعل بينهما مسؤولية والتزاما مشتركا وتطلعات مستقبلية إلى الأمام، فيدفعان بعضها البعض إلى النجاح، الشيء الذي يتجسد في العمر الرائع والحياة السلسة والسعيدة والمفعمة بالرحمة والود.
وذا كانت العلاقة سيئة فإن تغيرا آخر قد يحدث للمرأة التي تفتقد إلى الاتقاء الوجداني والتفاهم بعد أن حل محله الاستغناء وتطور إلى عداء، وإذ حل سوء الفهم المسبق محل التفاهم العقلي المتبادل، فالتغير يحدث في شخصية المرأة التي ارتدت نظارة سوداء ترى بها الأشياء لتصبح الحياة مرهونة بلحظتها، ويسيطر سوء التفاهم مشكلا القاسم المشترك بين الاثنين، ليريا معنى محبطا وسيئا وسلبيا للحياة، فيكون تغير المرأة سلبيا.. وتبلغ الأمور ذروة المأساة حينما يكون بينهما أبناء.. وهم ضحية سوء تفاهم الآباء وضحية الرؤى التشاؤمية التي تجمع بينهما.. وهنا يتمثل التغير في خلق عالم منفصل ومستقل بذاته لكل طرف على حده مع اختلاف مصادر السعادة والرضا والتواصل مع الآخر، تأسيسا عليه نستطيع أن نقول، التغير سمة جوهرية للإنسان وأنه في حالة من التغير المستمر الذي لا يتوقف، بيد أن هذا التغير قد يكون سلبا أو إيجابا، ولاسيما بعد خبرة الزواج والتقاء الأنا بالآخر المغاير لها تماما.
وتؤكد الدكتورة غادة الخولي استشاري الطب النفسي أن الفتاة في المجتمع العربي ليس عندها الفكرة الواضحة عن ملامح شخصيتها قبل الزواج، ولم تصل بها إلى الدرجة من التفاعل بين التفكير والسلوك فجاءت صورتها عن نفسها كمرآة تعكس ما يراه من حولها عنها، مقتبسة منهم منهج تفكيرها وسلوكها، ولم تتعلم أن يقودها تفكيرها لما ترغبه وليس لما هو مفروض عليها، الأمر الذي يعني أن شخصيتها نفسها شخصية غير واضحة أمامها إلى جانب قصور الأسر العربية في دعم الشخصية فقد ينعتها البعض بالضعف، أو القوة، أو أنها مهزوزة، على الرغم من أن الشخصية ليست كيانا ولا يوجد في الطب النفسي ما يشير مجرد إشارة إلى وجود مثل هذه المسميات للشخصية عامة، ولكن هناك ما يسمى بسمات الشخصية والتي تتنوع بين الإيجابي والسلبي، فإذا ما اجتمعت أكثر من صفة ضارة اضطربت الشخصية، ماعدا ذلك فكلنا أسوياء نعاني بعض المشاكل المختلفة والدليل أن أقصى السمات المرضية عند الشخص الطبيعي لا يشخصها الطبيب النفسي.. وتسترسل د. الخولي.. موضحة أن مفهوم الشخصية مهزوز في العالم العربي وأن الحكم عليها ركيك، مما حمل الزوج والزواج في المجتمعات العربية أكثر مما يحتمل، تجاهلا لحقيقة الواقع الذي يؤكد أن هذه التغيرات الشخصية موجودة وتظهر سواء بوجود الزواج أو بدونه. وهذا التغير يقتضي الحديث عن الاختيار باعتباره أولى مراحل الزواج فالمرأة عندما تختار تفكر في كل الحيثيات البعيدة عن العلاقة، حيث تشغل كل تفكيرها بجوانب شخصية الرجل واستعداده للتغير على المدى البعيد وتسيطر عليها فكرة خاطئة تفيد أنني والطرف الآخر مختلفان، في الوقت الذي يجب فعلا أن يكون هناك اختلافا، إدراكا للقاعدة العلمية المؤكدة بأن الأقطاب المختلفة تتجاذب والمتشابهة تتنافر.
والرجل الشرقي للأسف مبرمج على أن علاقته بالمرأة علاقة أسرية وأنها مجرد واجهة اجتماعية أو علاقة خاصة، وقليل منهم من يبحث في العلاقة الإنسانية، وتسيطر الفكرة على اختياره للزوجة بالشكل الذي يجعله مصرا على الوحدة والصراع ما بين المرأة العادية والمرأة الذكية التي يخافها، وعلى الجانب الآخر المرأة مدركة بالفطرة أنه اختارها لغبائها وقلة تجاربها في الحياة، فتحرص أشد الحرص على هذا العيب حتى تحرص على الرجل، وتخشى التغير للأفضل، في الوقت الذي يبدأ فيه الرجل الدخول في مرحلة الشهوة العقلية بعد أن تطول مدة ارتباطه بهذا النموذج النسائي فيشعر وكأن المرأة تغيرت أو أنها غير مناسبة... وتضيف: كما أن مجتمعاتنا تعاني مشكلة أطلق عليها "مأساة التربية الزواجية"، فالأسر العربية اليوم لا تحرص على تربية البنت التربية التي تساعدها على تكوين أسرة وتحمل مسؤولياتها، ولا يقدمون لها التجربة التي تحتاجها ولا ينقلون لها الخبرة التي اكتسبوها فتدخل إلى بيت زوجها دون أن تحمل خبرات عصرها أو عصر أمهاتها وجداتها. وتخلص د. الخولي: إذا نظرنا للمسألة من منظور علمي فلابد أن تكون الإجابة بنعم.. نعم تتغير شخصية المرأة بعد الزواج كنتيجة حتمية لاندماجها مع شخص أو كيان آخر، واتحاد سيكولوجيتين مختلفتين.. والإنسان السليم الإيجابي هو من يتغير للأفضل تغيرا نوعيا لطيفا يسمح بالانتماء للأسرة وليس للنفس، كنتيجة للتفاعلات خلال الحياة و ليس للأمر.
من جانبه يرى الدكتور إيهاب العشري متخصص التنمية البشرية والأسرية، أنه لابد من تغير شخصية المرأة بعد الزواج.. فهي كائن بشري ينتقل من وضع إلى وضع، تنتقل من وضع الحرية والاستقلالية إلى وضع المسؤولية والالتزام الذي يتحرك وفقا لظروف الزوج وعمله، تترك مرحلة الرأي الواحد لتدخل في مرحلة الرأي والرأي الآخر، فقد تكون امرأة عاشت جو الحرية والديمقراطية الذي سمح لها به- في ظل الكيان الأسري- بمقدار أوفر من النقاش والامبالاة أو الاتكالية والاعتمادية، تلك الصفات التي يجب عليها التخلي عنها في ظل متطلبات الحياة الزوجية والأسرية، ويضيف: تظهر الأزمة في حالة الزوج الذي لا يقبل الرأي الآخر ولا يتحمل الحوار ويلقي بظلال الدكتاتورية على الأسرة ككل.. فلابد من أن يحدث التغيير، للأسوأ أو للأفضل، هذا يتوقف على نوعية العلاقة التي تعيشها مع الزوج، وإلى أي مدى اتفاق الزوجين أو اختلافهم حول القضايا، وهل يتبنى كلاهما وجهة نظر أو مشروع واحد للأسرة بعيدا عن الجو الأسري كالأنشطة الإجتماعية بأنواعها، هذا كله من شأنه أن يحدد مسار العلاقة الزوجية في المستقبل، وبقدر الاتفاق على هذه الأمور بقدر ما يكون الاختلاف بين الزوجين ضعيفا، ويكون تغير الزوجة طفيفا وغير ملحوظ، وبقدر ما يكون الاختلاف فيها بقدر ما يزداد التباعد بينهما ويظهر التغير في شخصية المرأة بعد الزواج قويا. ويسترسل خبير التنمية البشرية مؤكدا أن الحب والتفاهم بين الزوجين هو ما يتيح للمرونة الفرصة كي تتواجد وبأقصى درجة، فنجد نوعا من التقدير والمراعاة من كلا الطرفين لدور الآخر وهذا ما يظهر واضحا بين الأزواج من أصحاب المهن الواحدة تحديدا.. وينوه خبير التنمية البشرية.. كما تظهر فائدة هذه المرونة وقيمتها عندما ندرك أن للبيئة المحيطة بالزوجين عظيم الأثر في التغيرات التي قد تطرأ على شخصية الزوجة، وبقدر ما تكون الزوجة مرنة بقدر ما تتمكن من كسب الجولة أمام ما يكدر عليها صفو حياتها سواء في بيئة الأسرة أو العمل والأصدقاء وغيرها.. خاصة تلك الزوجة الذي شاء القدر أن يلعب دوره معها في وجود الخلاف الأزلي بين الزوجة وأم الزوج، فعليها أن تدرك جيدا أنه لا يصح إلا الصحيح وألا تضع نفسها في موضع الاختيار، وأن تصدر مرونتها للتحكم في تصرفاتها وفقا للأصل الذي يدعوها إلى أن الزوجة يجب أن تدفع الزوج إلى كل ما هو إيجابي.
وخلص استشاري الطب النفسي إلى أن التغير الطبيعي لشخصية المرأة بعد الزواج يجب أن يكون في اتجاه أنها أصبحت اثنين وليس شخصا واحدا وامتزاج شخصيتها مع شخصية الطرف الآخر وهذا يمنحها قوة في مواجهة مشاكل الحياة بأنانية أقل وتسامح أكبر ورضا أعمق