العودة   منتدى بريدة > المنــــــــــــــــاسبات > منتدى رمضان

الملاحظات

منتدى رمضان منتدى خاص بشهر رمضان وكل مايتعلق بهذا الشهر من مواضيع

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 16-08-10, 06:08 pm   رقم المشاركة : 16
الافق
عضو قدير
 
الصورة الرمزية الافق






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : الافق غير متواجد حالياً

[align=center]مشاء الله تبارك الله ..نفحــات إيمانيــة مفيـدة ومعبرة
وشكراً جزيلاً للدكتــور/علي سليمان الحامد
والشكر موصـول لك أخي أبو صـالح
وبارك الله في جهودكم

تحياتي[/align]







رد مع اقتباس
قديم 16-08-10, 06:10 pm   رقم المشاركة : 17
M Z A G E Y ●
، أإركـد فديتك ،






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : M Z A G E Y ● غير متواجد حالياً

[align=center]جـزآكـ الله ألف خير
وشـآكركـ على جـهودكـ
[/align]







رد مع اقتباس
قديم 16-08-10, 11:17 pm   رقم المشاركة : 18
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

شكرا للجميع على حظورهم هنا







رد مع اقتباس
قديم 16-08-10, 11:18 pm   رقم المشاركة : 19
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة السادسة : التسمية الخالدة :
قال تعالى : {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (36) سورة آل عمران .
عشت لحظاتٍ من التأمل حول هذه الآية الكريمة التي بينت لنا بجلاء قيمة المرأة منذ قديم الزمان , وأن لها عند الله تعالى أعلى المراتب , وتعجبت من حال مجتمعنا الذي يغمط المرأة حقها في كثير من الأحيان , وأكثر ما يغمطها اسمها الذي هو أخص خصائصها .
فوقفت متأملاً قوله تعالى : " وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ " فوجدتُ فيه رفعة لشأن المرأة من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : أن الله قص علينا هذه القصة في سياق المدح والثناء , لأنه أثنى في بداية الكلام على آل عمران : " {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (33) سورة آل عمران .
فأيُّ حَدَثٍ في هذه القصة إنما من قبيل القصص الحسن الذي يقتدى به , والذي ينزل بأعلى المراتب شرفاً لذكره في كتاب الله تعالى .
الوجه الثاني : أن الْمُسَمِّي هنا امرأة , وهي امرأة عمران , فالذي قام بتسمية المولود ليس والدها , وإنما أمها رحمها الله : {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ,فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} سورة آل عمران .
وحينئذ فأي شرف وأي رفعة للمرأة أن يقص الله علينا هذه الحادثة مبيناً أن المرأة هي من يسمي وليدها .
تأملت هذا وأنا أرى بعض بني قومي يأنفون أن تسمي نساؤهم أطفالها , أو بعض أطفالها , وإن حصل أن سمت الأم طفلها باسمٍ تختاره , فإن الأب يكتم هذا أشد الكتمان عن أقاربه وذويه , ويتظاهر أمامهم أن الاسم من اختياره وقناعته , وكأن تسمية الأم لوليدها عيبٌ يوجب التستر منه !!
الوجه الثالث : أن امرأة عمران أعلنتها صريحة مدوية بأن اسم طفلتها ( مريم ) ليعلم الناس كلهم باسم هذه الأنثى الصغيرة , في موقف يضرب العادات البالية عند بني قومي بالصميم ؛ إذ يرون اسم البنت عيباً لا يصح كشفُه , مكتفين بالتورية عنها في أي محفل : الوالدة , كريمتنا , أم فلان , البنت , الولية , المعزبة ... الخ من ألفاظ التعمية عن اسم المرأة وكأنه عار وشنار .
( مريم ) اسم عظيم خالد لامرأة عظيمة جاء ذكرها في القرآن في مواضيع كثيرة , وكانت أماً لرسول الله عيسى عليه السلام خامس أولى العزم عليهم السلام .
( مريم ) اسم بارز لامرأة صرّحتْ أمها بتسميتها , وجاء القرآن ليخبرنا قصة هذه التسمية دون عيب أو خجل , وهو ما فعله المصطفى صلى الله عليه وسلم حين مارس ذلك في حياته فعلاً : " عَلى رَسْلِكُما إِنِّها صَفِيَّة " " أحب الناس إليّ عائشة " " لو أن فاطمة بنت محمد ... " .
فهل بعد هذا ثَمَّ حُجَّةٌ لِمُتَحَجِّجٍ بِأنَّ اسمَ المرأةِ عَيبٌ عِندَ الأصْدقاءِ والخِلان ؟؟

6/ 9 / 1431هـ







رد مع اقتباس
قديم 17-08-10, 06:24 pm   رقم المشاركة : 20
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة السابعة : تنوع الانتصارات .
قال الله تعالى : {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ , وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (140_141) سورة آل عمران
الآيتان الكريمتان جاءتا في سياق الحديث عن غزوة أحد التي أصيب فيها المسلمون , وقتل منهم الشهداء , وابتلي المؤمنون ابتلاء عظيماً .
وعند التأمل في هاتين الآيتين نجد أن الله تعالى يبين لنا أسباب تدوال الناس الانتصارات , فتارة ينتصر هذا المعسكر , وتارة ينتصر الآخر , حسب سنة الله تعالى .
بدأت الآية الأولى بحرف الشرط ( إنْ ) الدال على عدم تأكيد الشرط في الغالب , بخلاف ( إذا ) الدالة على تأكيد وقوع الشرط , فإذا قلتَ : ( إن زرتني أكرمتك ) فإن الزيارة غير مؤكدة , وإذا قلت : ( إذا زرتني أكرمتُك ) فالزيارة مؤكدة .
فإن يمسسكم قرح : فالبداءة بإن دليل على أن هذا المسّ الذي أصابكم أيها المؤمنون خلاف ما وعد الله به نفسه من نصرته لكم , ولكنه أتى به لحكمة يريدها بينها في آخر الآية .
والقَرح : أَلَمُ الجِراح , ويجوز ضم القاف : القُرْح . وقد نَسَبَ المسّ إلى القَرْح جريا على السنة القرآنية في نسبة المصائب إلى غير الله , وإن كانت من عند الله قطعاً , ولكن من باب التأدب مع الخالق جل جلاله وتربية لعباده بتنزيه الله عن الشرور كما قال تعالى : " {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} (10) سورة هود ( فنسب النعماء إليه , ونسب المس إلى الضراء ) , وقال تعالى : " {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} (36) سورة الروم ( فنسب الرحمة إليه سبحانه , ونسب الإصابة إلى السيئة ) , وقال تعالى : { وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ} (48) سورة الشورى , وهذه مثل تلك . والأمثلة على ذلك من القرآن كثيرة .
ثم بيّن سبحانه أنه إن كان مسكم قرحٌ فقد مسّ القومَ الآخرين وهم كفار قريش قرح مثله , وذلك في غزوة بدر الكبرى , ثم جاءت القاعدة العظيمة : (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) والمراد بالأيام هنا المعارك والحروب , وهذا معنى خاص , ومنه أيام العرب , والمعنى العام : هو الانتصارات بشتى الميادين .
وهذه سنة الله تعالى حيث جعل الناس يتداولون القوى العظمى على هذه الأرض , ولا تكون لأمة وحدها تسيطر على الناس , لئلا تفسد الأرض , ولهذا جعل سبحانه على مدار التأريخ مناوئين ومحاربين لكل أمة مسيطرة , لئلا تفسد الأرض بسيطرة أمة واحدة , حتى ولو كانت هذه الأمة صالحة , لأن عدم المنازعة يجعلها تركن للدعة والضعف والخور , وهذا تفسير لقوله تعالى : " { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (251) سورة البقرة.
ثم بيّن سبحانه الحكمة من مداولة الانتصارات بين المسلمين وغيرهم , وحَصَرها في الأمور التالية :
1. لكي يعلم الله المؤمنين إيماناً حقيقياً , فلا يرتدون على أدبارهم بسبب هزيمتهم في معركة واحدة , بل يثبتون على دينهم , أما المنافقون وضعيفو الإيمان فهم الناكصون على أدبارهم والشاكّون بوعد الله تعالى وأنه حق , قال تعالى : " وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ " أي آمنوا إيماناً حقيقاً بالله تعالى ووعده الحق بالنصرة , حتى وإن اعترى طريقَ الحق بعض الانكسارات , فوعد الله آتٍ , ومثله قوله تعالى في نفس السياق والسورة : {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ , وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ } (166_167) سورة آل عمران , وهاتان الآيتان واضحتان في الدلالة على ما ذكرنا . وفي سورة الأحزاب توكيد آخر لموقف المؤمنين والمنافقين , وأن مواقف الشدة تكشف حقيقة الإيمان من عدمه .
2. أن الله تعالى أراد أن يكرم بعض عباده بالشهادة العظيمة في سبيله , وأي درجة ورفعة أعظم من الشهادة في سبيل الله " وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء " , وذكر الزمخشري معنى آخر للشهادة هنا لا أراه بعيداً حيث قال : " وليتخذ منكم من يصلح للشهادة على الأمم يوم القيامة بما يبتلي به صبركم من الشدائد من قوله تعالى " { لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ } " الكشاف : 1 / 420 . ثم قال تعالى : " وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ " وهذه الجملة اعتراض بين بعض التعليل وبعض , ومعناه : والله لا يحب من ليس من هؤلاء الثابتين على الإيمان المستحقين للشهادة , لأنهم قد ظلموا أنفسهم بالشك بوعد الله تعالى . انظر كلام الزمخشري 1 / 420 .
3. أراد سبحانه أن يطهر عباده المؤمنين من ذنوبهم بما يصيبهم من البلاء , وهذا تمحيص لهم " وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ " والتمحيص : التطهير .
4. العلة الرابعة من مداولة الانتصارات أن يمحق الكافرين , وهذه لها معنيان عند أهل التفسير , إما أن يمنحهم الانتصار فيغتروا بأنفسهم ويكون ذلك سببا لمحقهم وزيادة عذابهم بما يفعلونه من كوارث وطغيان ( تفسير ابن كثير ) , وإما أن الله تعالى يجعل الدولة للمؤمنين فيمحق الكافرين ويستأصل شأفتهم بأي المؤمنين ( تفسير الزمخشري ) , ولعل القولين مقصودان , فلا مضادة بينهما , فإن كانت الدولة للمؤمنين كان المحق حقيقيا في الدنيا , وإن كانت الدولة للكافرين كان المحق معنوياً في الدنيا تمهيداً لعذاب الآخرة . والله تعالى أعلم







رد مع اقتباس
قديم 18-08-10, 06:33 pm   رقم المشاركة : 21
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة الثامنة : حفظ جناب الأعراض :
قال الله تعالى : {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } (15) سورة النساء .
تتحدث الآية عن أحكام النساء الزواني , ومصيرهن في شرع الله , وللعلماء كلام طويل في هذه الآية , وهل هي منسوخة في آية النور أم لا ؟ يراجعُ في مظانِّه من كتب التفسير والأحكام , وقصدي هنا أن أستنبط بعض الفوائد والدلالات .
الآية افتُتِحَتْ باسم الموصول ( اللاتي ) وهو دالٌّ على جمعٍ مؤنَّث , ومُفْرَدُه ( التي ) , ومثله : ( اللائي ) كما قال تعالى : {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ } (4) سورة الطلاق . ويجوز أن يُنْطَقا بحذفِ الياء ( اللاتِ واللاءِ ) , والاسم الموصول في أصل وضعه يدل على العموم .
( يأتين الفاحشة ) فعل مضارع ونون النسوة فاعله , والفاحشة مفعوله , والفاحشة هنا يقصد بها الزنا قطعاً , والجملة صلة الموصول , وفيها دلالتان :
الدلالة الأولى : أن النساء هُنَّ اللاتي تَعَمَّدْنَ فِعْلَ الفَاحِشَة , ولم يُكْرَهْنَ عليها .
الدلالة الثانية : أن فيها شبه إثبات لعملية الفاحشة , بمعنى أن النساء قد وقعن فيها فعلاً , فما العمل ؟
جاء الجواب بما بعده : " فاستشهدوا عليهن أربعة منهن "
أي فاطلبوا الشهادة والبينة على إثبات وقوع الحادثة بأربعةٍ من الشهود الرجال , والدليل أنهم رجال قوله : " منكم " فالضمير المذكر يدل على تذكير الشهود , ويدل أيضاً على إن الشهود مسلمون ؛ إذ لا يؤخذ بقول شهادة كافرٍ على مسلم في مثل هذا { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (141) سورة النساء .
فهذا السياق يدلنا على حرص الشريعة على حفظ جَنَابِ عِرْضِ المسلم , وخاصة النساء اللاتي قد يقعن في الفاحشة , ولكن لا يمكن معاقبتهن إلا ببينة مغلظة قوامها أربعة شُهَداء .
فنلحظ أنه في أول الآية أنه استخدم الاسم الموصول الدال على إثبات الحدث , ولكنه ليس إثباتاً قطعياً ؛ لأن الاسم الموصول فيه نسبة تعليق كالشرط , ولكنه ليس شرطاً , فالتعبير بالموصول ليدل على نسبة وتناسب في إثبات الحدث من عدمه , ولو كان التعبير بلفظ الشرط ك ( إنْ ) أو ( مَنْ ) لكان التعليق قطعياً .
ثم قال سبحانه : ( فإنْ شَهِدوا ) صدّرَ الشرط بلفظ ( إنْ ) , وهو لا يدل على الجزم بوقوع الشرط , بل يدل على الاحتمال , بخلاف ( إذا ) الدالة على الجزم , وفي هذا دلالة على أن الشهود قد يشهدون فعلاً على وقوع الحادثة وقد لا يشهدون , وعدم شهادتهم أقرب للواقع كما هو معروف عند أهل العلم .
ثم بين سبحانه وتعالى عقوبة النساء الزواني بعد أن تثبت عليهم البينة , وهي الحبس في البيوت ( فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ) , وفي هذا دلالة على أن المرأة لا تحبس في بيتها دائما , بل يسوغ لها الخروج لأغراضها وشؤونها , ولا تُحبسُ إلا لعقوبة أخلاقية كما في هنا .
فأين مَنْ يحبسون نساءهم في دورهن غير إخراج ؟ , ظنا منهم أنهم يطبقون قوله تعالى : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } (33) سورة الأحزاب , ناسين أن ( قَرْنَ ) أمر بالقرار الدائم الذي يجلب الطمأنينة النفسية لها , وليس الحبس وعدم الخروج , فالقَرار في البيت لا ينافي الخروج للحاجة , هذا على القول بعموم الآية الأخيرة وأنه ليس مقصوراً على نساء الرسول صلى الله عليه وسلم .
فإن سأل سائل عن معنى : يتوفاهن الموت , والوفاة والموت شيء واحد ؟ فقد أجاب الزمخشري – رحمه الله على ذلك بقوله : " يجوز أن يرادَ حتى يتوفاهن ملائكة الموت كقوله : " الذين تتوفاهم الملائكة " " قل يتوفاكم ملك الموت " , أو حتى يأخُذَهُنَّ الموتُ ويستوفي أرواحهنّ " [ الكشاف : 1 / 487 ] .
( أو يجعل الله لهن سبيلاً ) إما بالزواج , وإما ببيان الحد عليهن الذي نزل بعد ذلك في سورة النور .
من خلال هذا العرض السريع للآية تبيّن لنا كيف حرصت الشريعة على حفظ جناب الأعراض , وأنه لا يصح أن نأخذ النساء بالظِنة والشك , ولا يكفي غلبة الظن والقرائن , بل يجب أن يكون هناك بينة قاطعة , , لأن الحدود تدرأ بالشبهات .
والله أعلم .

الأربعاء 8 / 9 / 1431 هـ







رد مع اقتباس
قديم 19-08-10, 04:24 pm   رقم المشاركة : 22
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة التاسعة : التهرب عن مواجهة الحقيقة الذاتية .
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} سورة النساء سورة النساء .
تتحدث الآيات الكريمة حول الهجرة في سبيل الله , وحكم الإقامة بين ظهراني المشركين , والمعذور في ذلك وغير المعذور , وقد أفاض المفسرون في أحكام هذه الآيات الكريمة بما لا مزيد على كلامهم .
ولكني سأتحدث عن جانب واحد فقط تأملتُه هنا , فوجدته جديراً بالتوقف , حيثُ نرى القرآن الكريم يرسخ مفهوم تربوياً عظيماً طالما ردده التربويون المعاصرون , وهو مسألة الاعتراف بتقصير الذات ومواجهة النفس , وعدم التهرب من أخطائها .
ذلك أن الله تعالى حكى لنا عن طائفتين من المؤمنين : الطائفة الأولى تركت الهجرة متعللة بأنهم مستضعفون في الأرض , والطائفة الثانية تركت الهجرة لأنهم مستضعفون في الأرض حقيقة وليس ادعاء , فالطائفة الأولى معاقبة , والطائفة الثانية معذورة .
فالطائفة الأولى عندما سألتهم الملائكة سؤال تقريع وتوبيخ : فيم كنتم ؟ يعني على أي شيء كنتم في دينكم وأنتم بين المشركين ؟
فكان جوابهم : نحن معذورون لأننا مستضعفون , ولأن جوابهم كان تهرباً عن مواجهة الحقيقة , فقد كانوا يستطيعون الخروج لأرض الله الواسعة , جاء العقاب الشديد " فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا " .
أما الطائفة الأخرى فقد كانوا مستضعفين فِعْلاً وليس ادعاءً , فجاء العذر لهم من السماء بأنهم لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً , وأنهم يستحقون العفو من الله تعالى , وهذا من عظيم كرم الله تعالى , وأنه لا يُكَلِّف نفساً إلا وسعها , وهؤلاءِ فعلوا ما بطاقتهم واستطاعتهم امتثالاً لأمر الله تعالى : " فاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُم " .
أما حين يتعلل المسلم بأمر يخالف واقِعَه , ويُخَالِفُ ما في قَرارَةِ نفسه فإن هذا يعد من الخذلان وهزيمة النفس , ولن ينفعَه ذلك إن هو فَرّطَ في جنب الله , فالله تعالى وصف الطائفة الأولى بأنهم ظالمون لأنفسهم , ولم يظلمهم أحد , لأنهم قادرون على تغيير ما هم فيه , وقادرون على الهجرة , ولَم يُقِرَّهم على ادعاء الاستضعاف , بل جاء التقريع العظيم الدال على قدرتهم الحقيقية على الهجرة : " أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا " .
وفي ظني أن الطائفة الأولى لم تستحق العذاب الشديد بترك الهجرة فحسب , وإنما استحقت العذاب لأنهم كذبوا بادعائهم الاستضعاف , ثم تركوا الواجب ( وهو الهجرة ) بناء على هذه الأكذوبة .
فإن قال قائل : كيف علمتَ أنهم قد كذبوا ؟
فالجواب : أنهم قالوا عن أنفسهم : كنا مستضعفين في الأرض , ثم بعد ذلك جاء العذر من الله للمستضعفين , ولو كان هؤلاء كما يدعون لكانوا معذورين , ولكنهم ظلموا أنفسهم مرتين : بالكذب ثم ترك الهجرة , { وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} , ولو أنهم اعترفوا بالذنب والتقصير لربما تاب الله عليهم كما قال تعالى : {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (102) سورة التوبة . والله تعالى أعلم .







رد مع اقتباس
قديم 20-08-10, 03:13 am   رقم المشاركة : 23
عـبدالله بـريدة
اشهب المنتدى





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عـبدالله بـريدة غير متواجد حالياً

جزااك الله خير






رد مع اقتباس
قديم 20-08-10, 02:28 pm   رقم المشاركة : 24
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

اقتباس:
 مشاهدة المشاركةالمشاركة الأصلية كتبت بواسطة عـبدالله بـريدة 
  
جزااك الله خير

الله اما امين وياك اخوي






رد مع اقتباس
قديم 20-08-10, 02:32 pm   رقم المشاركة : 25
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة العاشرة : اكتمال الدين .
قال الله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا }
(3) سورة المائدة
قال أهل العلم : إن هذه آخر ما نزل من القرآن , ولم ينزل بعدها حلال ولا حرام [ انظر تفسير ابن كثير 2 / 20 ]
وقد نزلت هذه الآية في عرفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوادع يوم الجمعة كما في صحيح البخاري وغيره من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
قال ابن كثير - رحمه الله - حول هذه الآية : " هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة , حيث أكمل تعالى لهم دينهم , فلا يحتاجون إلى دين غيره , ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه , ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء , وبعَثَهُ إلى الإنس والجن ... فلما أكمل لهم الدين , تمّت عليهم النعمة , ولهذا قال سبحانه : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } أي , فارْضوه أنتمْ لأنفِسِكُمْ , فإنه الدين الذي أحبه الله ورضيه , وبعثَ به أفضل الرسل الكرام , وأنزل به أشرف كتبه .." تفسير ابن كثير 2 / 19 .
ولي معي هذه الآية وقفات :
الوقفة الأولى :
أنها نزلت في يوم عرفة في حجة الوداع , وهي الموقف العظيم الذي وقفه النبي صلى الله عليه وسلم , ووقف معه المسلمون في مشهد مهيب , خطب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة عظيمة بين فيها معالم الدين , ووضع الأسس العامة والخاصة , ولم يترك شيئاً إلا بينه عليه الصلاة والسلام بأبلغِ قول , وأفصح لسان .
فجاءت هذه الآية تتويجا لذلك الموقف العظيم , وأن الدين قد كَمُل في يوم اكتملت فيه بلاغة محمد صلى الله عليه وسلم , واكتمل فيه حضور المسلمين , واكتمل فيه تعلق قلوبهم لله تعالى على صعيد عرفات .
فهو يوم الكمال في السموات , ويوم الكمال في الأرض , فيه كمل الدين , وفيه كمل القرآن , وفيه كملت النعمة فلله العظمة وحده , ولله الشكر وحده ,سبحانه تبارك وتعالى .
الوقفة الثانية :
قوله : ( اليوم ) قال أهل النحو : إن ( أل ) في كلمة اليوم هنا , للعهد الحضوري , أي هذا اليوم الحاضر , ولعل التعريف هنا يعطي تعظيما وهيبة لقداسة هذا اليوم وعظمته , وهو ما صرح به أحد اليهود حين قال لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ! قال: أيَّةُ آية ؟ قال) : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًاً .( قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة ، يوم جمعة) رواه البخاري ومسلم .
الوقفة الثالثة
: قوله : أكملتُ لكم دينكم .
فقوله أكملتُ ):فعل ماضٍ دال مسندٌ إلى الضمير العائد إلى الله تعالى , لبيان عظمة هذا الكمال , وأنه صادر من عند الله تعالى , وما أكْمَلَهُ الله فلن يتعرض له نقصان , وما أكمله الله فلن يحتاج إلى زيادة .
ثم قال : ( لكم ) وهذا خطاب للمسلمين جميعاً , أي أن هذا الكمال لكم أيها المسلمون , وليس لغيركم , فهل تبتغون كمالا من عند غير الله ؟
ثم قال : ( دينكم ) هذه الكلمة أتت لتبين موضع الكمال , وأنه في الدين , والدين يشمل القرآن والعبادات والأخلاق والفرائض والمعاملات وكل ما جاء من عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو من الدين .
وقد وصل إلى مرحلة الكمال الرباني الذي لا يعتريه نقص , ولا يفتقر إلى الزيادة .
وإضافة الدين إلى المخاطبين لكي يصبوا اهتمامهم له , وأن هذا الأمر إنما هو دينهم , وليس دين الله فقط .
وأي شرف وأي منزلة حين يكمل الله لك اعتقادك ودينك , ويعطيك الختم الإلهي الرباني الأبدي بأن دينك كامل غير منقوص فلا تضيعه .

الوقفة الرابعة
: قوله " وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى "
فعطف على الكمال بلفظ الإتمام , والإكمال يكون للشيء الواحد حين يبلغ نهايته وغايته فيكون قد كمل , فأطلقه على الدين لأن الدين واحد ( إن الدين عند الله الإسلام )
وأما الإتمام فيكون للشيء المتعدد حين تكتمل جميع أنواعه فيكون إتماماً , ونعم الله تعالى لا تعد ولا تحصى , فجاء لفظ الإتمام .
وقال : عليكم , ولم يقل ( لكم ) لثلاثة أمور :
الأمر الأول : ليخالف اللفظ الأول , فلا يكون هناك تكرار بلفظ ( لكم ) لأنه قال أولها : أكملت لكم دينكم .
الأمر الثاني : أن إتمام النعمة من الله تعني العلو والمنة , فهناك فوقية من المنعِمِ سبحانه على المنعَمِ عليه , فناسب لفظ ( عليكم ) .
الأمر الثالث : أن النعم تحتاج إلى شكر , والشكر تكليف على العبد , فناسب لفظ ( عليكم ) .
والمخاطبون بقوله : عليكم , هم المسلمون , وكفى لهم شرفاً أن يمتن الله عليهم بنعمه .
وقوله : ( نعمتي ) المفرد حين يضاف إلى الضمير فإنه يفيد العموم غالبا , ونعم الله متعددة , وقد أضيفت إلى الضمير , فتشمل جميع نعم الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى .
وقد أضاف النعم إليه سبحانه , لأنه هو الـمُنعِمُ وحده جل جلاله {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ } (53) سورة النحل .
وقد يكون أراد بالنعمة هنا نعمة إكمال الدين , وهي من أعظم النعم , وكل نعمة تحصل في الدنيا للمسلمين إنما هي متفرعة من هذه النعمة العظيمة .
ونلاحظ الفرق بين التعبيرين في الجملتين :
فالدين نسبه إلى المسلمين ؛ ليتحملوا الأمانة العظيمة , وأما النعمة فنسبها إليه سبحانه لا شريك له , لأن النعم منه وحده لا شريك له .
الوقفة الخامسة : قوله تعالى : " وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًاً "
لما بين سبحانه أنه أكمل الدين , وأتم النعمة , بين سبحانه ما هو الدين الذي كمله ؟
فبين هنا أنه الإسلام , ونسب الرضا إليه سبحانه , فإذا كان الله تعالى قد رضي لنا هذا الدين فأولى بالمسلمين أن يرضوه لأنفسهم , لأنه اختيار من لدن حكيم خبير أعلم بمصالحهم ومنافعهم .
وأي شرف للمسلم حين يعلن إسلامه , ويعتز به بأنه دين رضيه الله له , واختاره له ليتقرب به إليه , فهو الدين الأوحد عند الله تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } (19) سورة آل عمران , ولا يقبل الله من أحد دينا سواه {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (85) سورة آل عمران .
وما دام أن الله تعالى قد رضيه لنا دينا , فهو أفضل دين وأعظمه كما قال تعالى : {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (125) سورة النساء
وأتى بالجار والمجرور ( لكم ) ليبين أن هذا الدين مصلحة لكم , وفيه نفعكم في الدارين
وأصل التعبير : ورضيت الإسلام دينا لكم , فقدم الجار والمجرور لإرادة الاختصاص , أي لكم أيتها الأمة المحمدية , وليس لغيركم .
أو أن التقديم أفاد الاهتمام بالمخاطبين , ورفع مستوى التنبيه إلى أهمية هذا المرضي الذي سيأتي ذكره , وهو الإسلام .
فكأنه لما قال : ورضيت لكم .. تشرئب الأعناق لمعرفة ماذا رضي لنا ربنا ؟
فيأتي الجواب : الإسلام دينا .
فأي معانٍ سامية عظيمة حملتها هذه الجمل الثلاث التي نزلت يوم عرفة لتختم للمسلمين دينهم , ولتبين لهم أنه كامل إلى يوم القيامة فلا ابتداع , ولا نقصان .
فمن ابتدع ما ليس من الدين فقد استدرك على ربه سبحانه , ومن أنقص من الدين فقد اجترأ على دين الله , والموفق من اتبع ما أُنْزِلَ إليه من ربه دون زيغ أو ضلالة .

والله تعالى أعلم , وصلى الله وسلم على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين .
10 / 9 / 1431 هـ







رد مع اقتباس
قديم 21-08-10, 04:32 pm   رقم المشاركة : 26
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة الحادية عشرة : العدل فوق كل اعتبار :
قال الله تعالى : {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (42) سورة المائدة .
تتحدث الآية عن اليهود الذين آتاهم الله التوراة , وعن بعض صفاتهم السيئة , وقد صدرت الآية بصيغتي مبالغة : سَمّاعُون , وأكَّالُون , والآية أتت في سياق ذمهم وقبح أفعالهم , وقد سبق هذه الآية قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (41) سورة المائدة .
وهذه الآية تعطينا دلالة أكيدة على شنيع أوصاف اليهود مع ما آتاهم الله من علم الكتاب وهو التوراة , فحرفوا الكلم عن مواضعه , وكانوا سماعين للكذب ( مكررة مرتين ) , وهم الذين قالوا : يد الله مغلولة , وقالوا : إن الله فقير ونحن أغنياء , وقالوا : عزيزٌ ابنُ الله , وقتلوا الأنبياء , وآذوا موسى عليه السلام , ومع كل هذه الجرائم العظيمة في حق الله تعالى وحق عباده وأوليائه إلا أن الله تعالى يأمر نبيه بأمر عظيم , وشأن خطير , يدل على القيمة السماوية التي جاء بها هذا الدين ليكون مهيمناً على الأديان كلها , ذلكم أن الله تعالى أمر نبيه بالعدل معهم " وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ " , فلا مجال للظلم هنا , فالعدل فوق كل اعتبار , ولا صوت يعلو فوق صوت العدل مهما يكن الخصم , ولا صوت يعلو فوق صوت حق الإنسان حينما يكون له حق , حتى ولو كان في الخسة والنذالة بمنزلة اليهود , فحين تحكم يا محمد بينهم فإياك والظلم لأن الله تعالى لا يحب الظالمين , بل الزم العدل والقسط معهم لأن الله تعالى يحب المقسطين العادلين .
أي دينٍ هذا ؟
وأي كتابٍ هذا ؟
وأي دستور هذا الذي يأمر بالعدل حتى مع أشد الأعداء ؟
إنه الإسلام .
إنه القرآن .

إنه الشريعة السماوية المحمدية التي ختم الله بها رسالته , وجعلها مهيمنة على الدين كله .
لقد كَفَلَ الله حقوقَ الإنسان – أي إنسان – وأنزل ذلك في كتابه وجعله شرعة ومنهاجاً للمسلمين , وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه , ذلكم حكم الله تعالى , ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون الظالمون الفاسقون .
إن تحكيم شرع الله تعالى , والبعد عن الأهواء النفسية والسياسية والعِرقية والطائفية , وإقامة العدل بين الناس هو دستور هذه الأمة وشعارها التي جاء بها هذا الدين الحنيف {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } (48) سورة المائدة .
أين المنظمات العالمية التي تنادي بحقوق الإنسان لترى كيف كفل الله حقوق الإنسان كإنسان , وأمر بالعدل معه دون اعتبار لمصلحة أو عداوة { وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ } (58) سورة النساء . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (8) سورة المائدة .
إن الإعراض عن هذا الدستور العظيم ( الحكم بشرع الله تعالى والعدل ) يؤدي إلى شريعة الغاب , وتفشي الظلم , والعودة إلى الحياة الجاهلية الأولى : {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (50) سورة المائدة .
لقد أرسى الله تعالى قواعدَ العدلِ في كتابه , وبين أن أبرز ما يؤثر في العدل إما مرضاة أو عداوة , وجاء التركيز على هذين الأمرين في القرآن العظيم , فأمر بالعدل حال العداوة كما مر معنا في أكثر من آية في المائدة , وأمر بالعدل في حال المحبة والرضا كما في قوله تعالى : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } (152) سورة الأنعام , فأمرَ الله تعالى بالعدلِ ولو كان هناك ما يُنقصه , وهو القرابة , وهذه الآية من الوصايا العشر الواردة في سورة الأنعام التي تحث على العقيدة والخلق القويم .
وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (135) سورة النساء
فانظروا كيف أمر الله بالعدل والقسط , ولو على الأنفس والوالدين والأقربين , وبيّن سبحانه أنّ عدم إقامة العدل مع هذه الطائفة إنما هو من اتباع الهوى ( فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ) أي فلا تتبعوا الهوى بأن لا تعدلوا , ومن أعرض عن العدل فإن الله تعالى خبير بعمله , وهو سبحانه قادر على أخذ الحق منه .
فهل نحكم كتاب الله تعالى ونلزم العدل فيما نأتي ونذر , وفيما نحب ونكره , كي نكسب محبة الله تعالى ونبتعد عن غضبه ومقته ؟
والله تعالى أعلم .
11 / 9 / 1431 هـ







رد مع اقتباس
قديم 22-08-10, 08:41 pm   رقم المشاركة : 27
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة الثانية عشرة : أتباع الأنبياء وأتباع محمد صلى الله عليه وسلم .

قال الله تعالى : {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112) قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} سورة المائدة .
قرأتُ هذه الآيات الكريمة وتعجبت من جرأة الحواريين الذين طلبوا من نبي الله عيسى عليه السلام طلباً غريباً لدرجة أن عيسى عليه السلام أمرهم بالتقوى , وذكرهم بإيمانهم .
ما هذا الطلب العجيب ؟
إنه مائدة من السماء ينزلها الله عليهم مملوءة طعاماً .
لماذا ؟
لأربعة أسباب :
1. ليأكلوا منها .
2. لتطمئن قلوبهم بأن الله أرسل عيسى إليهم , أو لأن الله قد اختارهم لدعوته , أو تطمئن بأن الله قد أجاب دعاءنا ... [ تفسير القرطبي : 6/236 ] .
3. أن يعلموا أن عيسى صادق بادعاء الرسالة .
4. أن يكونوا شهداء لله بالوحدانية , ولعيسى بالرسالة , وقيل : نشهد بها لك عند مَنْ لم يَرَها إذا رجعنا إليهم .
هذه أربعة أسباب دعت الحواريين لطلب المائدة , والحواريون هم أتباع عيسى المخلصون له , وهم الذين نصروه وآووه وأخلصوا بالإيمان ({فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (52) سورة آل عمران
فقوم بهذه المنزلة عند نبي الله عيسى عليه السلام يطلبون منه هذا الطلب الغريب ؟
بل زادوا بذلك طريقة السؤال العجيبة :
1. مناداة نبي الله باسمه دون لقبه : يا عيسى بن مريم ..
2. الاستفهام بقدرة الله تعالى : هل يَستطيعُ ربُّك ؟ وهذا فيه سوء أدب مع الله تعالى , وقد حاول بعض المفسرين أن يعتذر لهم بأنهم قصدوا : هل يطيعُك ربُّك , لأن يستطيع بمعنى يطيع , كما صارت : استجاب بمعنى : أجاب .
وهذا القول فيه نظر : لأنه لو كانت بهذا المعنى لكان اللفظ : هل يستطيعُكَ ربُّك .
على أن بعض المفسرين قد اعتذر للحواريين أيضاً بأن طلبهم هذا كان في أول إيمانهم , وقبل أن يستحكم الإيمان في قلوبهم , وهذا قول له وجه , ولكنه يظل افتراضياً .
ولم يكن من نبي الله تعالى الرحيم بأمته إلا أن يستجيب لطلب قومه فيدعو الله تعالى بأن ينزل عليهم مائدة من السماء تكون لهم عيداً يفرحون فيها كلهم صغيرهم وكبيرهم وأولهم وآخرهم , وآية منه وحجة على قومه , خاتماً دعاءه بلغة النبي العارف بربه سبحانه : وارزقنا وأنت خير الرازقين .
ولأن الطلب عظيم , والله تعالى لا يعجزه شيء , فقد استجاب دعاء نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم مبيناً سبحانه أن من لم يؤمن بعد هذه الحجة القاطعة , والدليل الصريح فإن الله سوف يعذبه عذاباً لم يسبق ولن يسبق أن وقع على أحد من الناس .
أقرأ هذا العرض السريع لأخلص أتباع عيسى عليه السلام وأكثرهم طاعة وإيماناً فأتذكر مواقف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اصطفاهم لصحبة خاتم النبيين , حيث كانوا يسلمون أمرهم إليه , ولا يمكن أن يدرج الشك إلى قلوبهم حتى في أحلك الظروف وأقساها , بل كانوا مصدقين مذعنين استحقوا قول الله تعالى فيهم :
{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (22) سورة الأحزاب , واستحقوا قول الله تعالى فيهم : {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (51) سورة النــور .
واستحقوا قول الله تعالى فيهم : {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
(100) سورة التوبة .
والآيات في فضل صحابة محمد صلى الله عليه وسلم وطاعتهم له وإذعانهم لقوله كثيرة عند المتأمل , وربك يخلق ما يشاء ويختار .
مواقف لغوية سريعة :
يستطيع ربُّكَ : قرأ الجمهور ( يستطيعُ ربُّك ) بالياء والرب فاعل , وقرأ الكسائي : تستطيعُ ربَّك , بالتاء خطاباً لعيسى , ورب مفعول به , والمعنى : هل تستطيع أن تسأل ربك , أي هل تفعل ذلك لنا كما تقول للرجل : هل تستطيع أن تكلمني وأنت تعرف أنه يستطيع لأنك تريد : هل تفعل ذلك . [ الكشف عن وجوه القراءات السبع : 1 / 422 ] .
المائدة : الْخُِوان ( بكسر الخاء وضمها ) الذي عليه الطعام , قال قطرب : لا تكون المائدة مائدةً حتى يكون عليها طعام , وإلا فهي خُِوان , وأصلها من الميد وهي الإعطاء والميرة والإطعام [ لسان العرب ( ميد ) 3 / 411 ]
ومائِدَة فاعلة , وسميت بذلك لأنها تُطْعِم الآكلين منها , ويسمى الطعام مائدةً تجوزاً كما يسمى المطر سماء . [ تفسير القرطبي : 6 / 237 ] .
( نريد أن نأكل منها ) المصدر المؤول من ( أن والفعل في محل نصب على المفعولية ) والتقدير : نريد الأكل منها , والفعل : نأكل منصوب بأن , وقد عطفت عليه الأفعال بعده فأصبحت منصوبة : " وتطمئنّ , ونعلمَ , ونكونَ " .
وقوله : ونعلم أن قد صدقتنا ( أنْ ) هنا : مخففة من الثقيلة , وهي مصدرية وأصلها : ونعلم أنك قد صدقتنا , والمعنى :ونعلم صدقك , لأن المصدر المؤول في محل نصب سد مسد مفعولي عَلِمَ , ولعلنا نلحظ أن الحواريين لم يصلوا لدرجة العلم واليقين إلا بعد أن رأوا المائدة , بخلاف الصحابة الكرام الذين آمنوا برسول الله وصدقوا كلامه دون أن يطلبوا منه مثل هذا الطلب .
قوله : اللهم ربنا , هذان نداءان : أصلهما : يا ألله , ويا ربنا .
فأما الأولى فحذفت ياء النداء مع لفظ الجلالة وعوض عنها ميم في الآخر ( اللهُمَّ ) , وهو منادى مبني على الضم لأنه مفرد علم , وربنا : منادى آخر ( عند سيبويه ) منصوب على الفتح لأنه مضاف .
تكون لنا عيداً : ( لنا ) حال من كلمة عيداً , وأصلها نعت له , ولما قدمت عليه صارت حالاً , ولأولنا وآخرنا : بدل من ( لنا ) , وكأنه تفصيل للعموم , فلما قال : لنا , كان الضمير جمعاً مطلقاً , فجاء بالتفصيل بعده .
( فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه )
لدينا فعلان متكرران في اللفظ لكنهما مختلفان في المعنى : أعذبه , فهو في الأول يعود على من يأكل ولم يؤمن , والضمير يكون مفعولاً به منصوباً , وفي الثاني يعود الضمير على العذاب : أي لا أعذب هذا العذاب أحداً , ويكون الضمير نائباً عن المصدر ( وينصب على المفعول المطلق ) , وجملة لا أعذبه نعت لكلمة ( عذاباً ) أي أن هذا العذاب لن يحل بقوم آخرين , كما تقول : سأضربك ضربا لم أضربه أحداً من قبل .
والله تعالى أعلم وأحكم .
12 / 9 / 1431 هـ







رد مع اقتباس
قديم 23-08-10, 06:40 pm   رقم المشاركة : 28
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة الثالثة عشرة : اقتداء الفاضل بالمفضول :

قال الله تعالى : {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}
(90) سورة الأنعام .
تتحدث هذه الآية عن أنبياء الله تعالى الوارد ذكرهم في سورة الأنعام , وأن الله هداهم وأمر نبيهم بالاقتداء بهم .
فاسم الإشارة : أولئك يعود على أنبياء الله تعالى المذكورين قبل هذه الآية , وذلك في لآيات التالية :
{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ , وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ , وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ , وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}
(83-86) سورة الأنعام .
وهؤلاء الأنبياء عليهم السلام هم صفوة خلقه , منذ بدء الخليقة إلى نهايتها , وأفضلهم وأكرمهم وأشرفهم هو خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم , ومع ذلك فإن الله تعالى يأمر هذا النبي العظيم بالاقتداء بمن سبقه من الأنبياء , ولو كانوا أقل منه منزلة , لأن الحق أحقُّ أن يُتَّبَع .
والسورة الكريمة ( سورة الأنعام ) مليئة بإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بالأنبياء قبله , والاتعاظ بسيرتهم , لأنهم واجهوا في ذات الله من العَنَتِ والضيق من قومهم مثل ما واجهه صلى الله عليه وسلم فصبروا واحتسبوا , فليكن في ذلك قدوة لك يا محمد على صبرك واحتسابك .
{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} (10) سورة الأنعام , {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ }
(34) سورة الأنعام .
وإن قصص الأنبياء عليهم السلام تثبيت لمقام خاتم المرسلين , لأن له فيهم أسوة حسنة , {
وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}
(120) سورة هود .
نعود للآية في أول الوقفة .
الآية مبدوءة باسم الإشارة ( أولئك ) وهو مكون من ( أولاء ) وكاف الخطاب , وهو جمع لاسم الإشارة : ذا , وقد يبدأ بهاء التنبيه فيقال : هؤلاء , ولكن حين تأتي كاف الخطاب في آخرها فإن الهاء في أولها تحذف لئلا تجتمع الزوائد على اسم الإشارة , فلا يقول : هؤلائك .
واسم الإشارة هنا يعود على الأنبياء , فَتَمَّ جَمْعُه , والمخاطب به واحد وهو محمد صلى الله عليه وسلم , فتم إفراد حرف الخطاب وهو الكاف , ولو كان المخاطب جماعة ذكور أو جماعة إناث لأتى الضمير مطابقاً لحال المخاطبين كما قال تعالى : {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ} (43) سورة القمر .
والبدء باسم الإشارة هنا دال على تعظيم المشار إليه كما قال تعالى : {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} (2) سورة البقرة , {ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } (88) سورة الأنعام .
ثم أتى بعد اسم الإشارة اسم الموصول : الذين , وهو اسم مبهم لا يفهم إلا بصلته , وأتت الصلة بأعظم وصف وأشرفه , فقال : الذين هَدَى الله , أي هداهم الله , فأتى بالفعل مجرداً عن ضمير المفعول , ومتصلاً بالفاعل , ربما لعظم اتصال الهداية بالله تعالى , ولأن المهديين ( وهم الرسل ) معروفون بما سبق من الآيات , فلم يُحْتَجْ إلى إعادة الضمير , إضافة إلى أن الضمير مكني عنه قبلاً باسم الإشارة الدال على التعظيم .
ثم قال سبحانه : فَبهداهم اقتدِه , الفاء سببية تدل على أن ما بعدها مُسَبَّبٌّ عما قبلها , أي أن هداية الله سبب للأمر بالاقتداء , والجار والمجرور ( بهداهم ) متعلق بالفعل بعده ( اقتدِ ) وقُدِّمَ الجار والمجرور لإرادة الحصر , أي لا تقتدِ إلا بِهُداهم , كما قال تعالى : { وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (122) سورة آل عمران .
ونسبة الهُدى إلى الأنبياء بعد نسبته إلى الله فيه إضافة تشريف لأنبيائه عليهم السلام .
ثم ( اقْتَدِ ) أمرٌ من الله لنبيه بأن يقتديَ بهؤلاءِ القوم العظماء .
والهاء هنا للسكت , وهو ما يسمى بالوقف , كما قال تعالى : { لَمْ يَتَسَنَّهْ } (259) سورة البقرة .
وكأن الله تعالى أراد أن يبين أن الصلة بين محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء تنتهي بالاقتداء , ونِعمَ القدوة والمقتدِي والمقْتَدى به .


ومن خلال هذا العرض الموجز للآية يتبين لنا كيف أن الله تعالى يأمر نبيّه أ يقتدي بمن دونه في الفضل ؛ لأنهم على الحق والهدى , ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة , فَحَقٌّ على المسلم أن يَقْبَلَ الحقَّ مهما كان , وأن يقتدِيَ بِمَن يحمل الحق ولو كان أقل منه فضلاً أو علماً .


13 / 9 / 1431 هـ







رد مع اقتباس
قديم 24-08-10, 03:23 pm   رقم المشاركة : 29
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة الرابعة عشرة : الإحسان للوالدين.

قال تعالى : {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ , وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ }
(152) سورة الأنعام
هذه الآية بداية الوصايا العشر التي بين الله لعباده فيها المحرمات والواجبات , وقد تكلم المفسرون على تفسير الآيات بما لا مزيد عليهم , ولكني أقف هنا وقفة يسيرة حول قوله تعالى :" وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " .
وحين نتأمل الآية كاملة نجد أنها اشتملت على عدة محرمات عظيمة جاء التعبير بالنهي عنها صراحة :
( لا تشركوا , ولا تقتلوا أولادكم , ولا تقربوا الفواحش , ولا تقتلوا النفس , ولا تقربوا مال اليتيم ) خمس نواهٍ متتالية لبيان هذه المحرمات التي أمر ربنا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتلوها علينا , ولكن بين هذه النواهي انسَلَّتْ جملة عظيمة لا تفيد النهي , وإنما تفيد الأمر المؤكد , وهي قوله تعالى : " وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " .
والمعنى والله أعلم : وأحْسِنُوا بالوالدين إحساناً , فالجار والمجرور ( بالوالدين ) متعلق بفعل محذوف دلّ عليه المصدر بعده , والتقدير : وأحسِنُوا , والمصدر ( إحسانا ) مفعول مطلق يفيد التوكيد .
فنلحظ أن هذه الجملة تفيد أمراً بين منهيات :
لا تشركوا > نهي
وبالوالدين إحسانا > أمر
ولا تقتلوا أولادكم > نهي
ولا تقربوا الفواحش > نهي
ولا تقتلوا النفس > نهي
ولا تقربوا مال اليتيم > نهي

السؤال المطروح هنا : ما الحكمة من وضع هذه الجملة هنا ؟ ولماذا جاءت بهذه الصيغة ؟ ولماذا أتت بعد النهي عن الشرك ؟
الجواب والله أعلم :
أن الجملة هذه وضعت هنا لبيان عظيم شأن الوالدين , وعظيم حقهما , وأن الله تعالى يحث على برهما والإحسان إليهما , واختلف التعبير من النهي إلى الأمر لِشَدّ الانتباه لشيء عظيم , كما قال تعالى :
{لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا}
(162) سورة النساء , فاختلف التعبير بلفظ : ( المقيمين الصلاة ) فجاء منصوباً بين مرفوعات لِشَدِّ الانتباه إلى هذه الشعيرة العظيمة .
وجاء التعبير بهذه الصيغة صيغة الأمر , ولم يأت بالنهي , فلم يقل : ولا تهينوا والديكم مثلاً , لبيان أن الأصل في الإنسان إكرام والديه , ولكن المطلوب هنا شيء أكثر من مجرد الإكرام والاحترام , المطلوب هنا هو درجة الإحسان التام , إلى درجة مراعاة الكلمة الصغيرة التي تؤذيهما , فلا تخرج من فيك أيها الولد كما قال تعالى :
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}
(23) سورة الإسراء .
وأتى الأمر بالإحسان إلى الوالدين بعد النهي عن الشرك , لبيان عظيم حق الوالدين , وأنه يأتي بعد حق الله تعالى , فالله تعالى هو المنعِمُ والمربي سبحانه , والوالدان لهما الفضل بعد الله تعالى بالإنعام عليك وتربيتك , فليس أحد أحق بالإحسان له وطاعته بعد الله تعالى من الوالدين .
وقد قرن الله تعالى حق الوالدين بحقه وتوحيده في أكثر من آية كما قال تعالى :
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } (83) سورة البقرة , وقال سبحانه : {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } (36) سورة النساء , وقال تعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } (23) سورة الإسراء , وقال تعالى : { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}
(14) سورة لقمان .
ونلحظ هنا إطلاق التعبير بالوالدين دون أي وصف آخر , فيكفي أن يكونا والديك لتحسنَ إليهما , من غير شرط لدينهما أو صلاحهما أو استقامتهما .

قد يقول قائل : أليس حق النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته مقدمة على حق الوالدين وطاعتهما ؟ فلماذا قرن الله حق الوالدين بحقه , ولم يقرن حق رسوله بحقه ؟

فالجواب :
أن حق الرسول صلى الله عليه وسلم داخل في حق الله تعالى , فقوله : " لا تشركوا به شيئاً " تعني التوحيد وإخلاص العبادة لله , وهذا التوحيد من أين سنأخذه ونعرفه ؟ إنما هو من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه من الكتاب والحكمة , ولأن إرضاء الله تعالى وطاعته إرضاء لرسوله صلى الله عليه وسلم وطاعة له كما قال تعالى : { وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} (62) سورة التوبة , وقرن الله طاعة رسوله بطاعة الله تعالى : {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ } (80) سورة النساء .
والأدلة على ذلك كثيرة متظافرة .

والله تعالى أعلم , وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين .
14 / 9 / 1431 هـ







رد مع اقتباس
قديم 25-08-10, 07:07 pm   رقم المشاركة : 30
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة الخامسة عشرة : حينما يكون التطهر مَثْلَباً ( قوم لوط أنموذجاً ) .
قال الله تعالى : {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ(82) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}
(84) سورة الأعراف .
تتحدث الآيات عن قوم لوط وتكذيبهم لنبي الله تعالى لوطٍ عليه السلام , والقصة معروفة واردةٌ في كتاب الله في أكثر من موضع وأكثر من سياق .
وأقف هنا وقفة يسيرة مع قوله تعالى :
" أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ "
حكاية عن جواب قوم لوط لنبيهم الكريم .
فهؤلاء القوم لم يجدوا عيباً في هذا النبي الكريم وأهله إلا أنهم قوم يَتَطَهَّرُون ! يتطهرون بالارتفاع عن معاشرة الرجل للرجل – عياذاً بالله - , ويتطهرون بانتهاج الفطرة السليمة بالزواج الشرعي الصحيح بين الرجل والمرأة .
فالطهارة واجتناب الخبائث في عُرْفِ هؤلاء القوم الذين انتكست فطرتهم من الأمور الموجبة للطرد من ديارهم , وإخراج كل من اتصف بها , لئلا يشوه قذارتهم بطهارته .
هؤلاء قوم اشتهروا بفعل الفاحشة الشاذة جهاراً نهاراً
{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ }
(29) سورة العنكبوت .
وحينئذٍ فأولئك أمة احترفت النجس والقذر , ولم يعد لديهم طاقة بمصاحبة أهل الطهر والصيانة والعفاف !
أي أمةٍ هذه التي تستحق المسخ من الوجود ؟
أيُّ أمة تلك التي قلبت الأخلاق عاليها سافلها ؟
فجاء عقابهم الشديد بمثل ما أفرزته أخلاقهم الخبيثة
{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ}
(82) سورة هود .
وكلُّ الأمم على مر التاريخ لا تقيم للطهارة والنقاء وزنا لا تستحق أن تكون أمة صالحة , فحينما تنتشر الفواحش بأنواعها من بِغَاءٍ وشُذوذ في مجتمعٍ ما فإنه ليس للصالحين والمتطهرين مكانٌ فيه , ذلكم أن الطهارة والنقاء لا تجتمع مع ضدها ونقيضها .
وحينما نتأمل ديننا الإسلامي الحنيف نجد أنه عني بجانب الطهارة والنقاء من جميع جوانبها , فطهارة النكاح , وطهارة العبادة , وطهارة الملبس , وطهارة المكان , وطهارة البدن , كلها معتبرة شرعاً .
فطهارة المنكح : أباح الله تعالى النكاح , وحرم السفاح , وحتى الوطء بين الزوجين لم يجعله الله تعالى إلا طاهراً نظيفاً : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}
(222) سورة البقرة .
وطهارة العبادة : شرع الله الطهارة والوضوء للصلاة ناصاً سبحانه على أنها طهارة عظيمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
(6) سورة المائدة .
وطهارة الملبس : يبينها قوله تعالى : {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}
(31) سورة الأعراف .
وطهارة البدن يبينها قوله تعالى : " وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ "
.
وطهارة البقعة والمكان يبينها قوله تعالى : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}
(125) سورة البقرة .
والأدلة على هذا الموضوع أكثر من أن نحصرها في مثل هذا الموضوع المقتضب , فلله الحمد والمنة على الدين الحق الذي جاء بالطهر والنقاء , وحرم كل ما يلوث هذه المنقبة الإسلامية العظيمة التي سار عليها الأنبياء المكرمون عليهم السلام .

مواقف لغوية حول آيات لوط السابقة :

قوله تعالى : ( ولوطاً ) : مفعول به لفعلٍ محذوف تقديره : وأرسلنا لوطاً .
قوله : ( أتأتونَ ) استفهام داخل على فعلٍ مضارع , والتعبير هنا بالفعل المضارع دال على التجدد والاستمرار بالعمل القبيح , فهم يأتون الرجال مكررين عملهم ومستمرين عليه .
قوله : ( ما سبقكم بها من أحدٍ من العالمين ) : هذه الجملة دلت بأسلوبها على أن عمل قوم لوط لم يحصل في تاريخ الإنسانية جمعاء قبل هؤلاء القوم الأنجاس , فكلمة : ( أحد ) نكرة تفيد العموم بلفظها , وتفيد العموم بدخول ( مِنْ ) عليها , وتفيد العموم لأنها نكرة في سياق النفي .ثم جاء العموم الآخر بختام الآية ( من العالمين ) , وليس بعد هذا العموم والتأكيد شيء .
قوله : ( مسرفون ) اسم فاعل ناسب ما قبله , لأنه لما قال : ( ما سبقكم بها من أحدٍ من العالمين ) ناسَبَ أن يصفهم بالإسراف وتعدي الحدّ , لأن من يعمل عملاً سيئاً لم يُسبق إليه يكون عادة بسبب السَّرَف الذي يصيبه إلى أن يتجاوز المحدود والمعقول .
وأيُّ مجاوزة للمحدود والمعقول أعظم مما يفعله قوم لوط ؟ إذن فهو الإسْرَاف بعينه .
ونلحظ هنا أيضاً أنه قال ( مسرفون ) فعبر بالاسم , ولم يقل : تسرفون كما قال : تأتون ؟ والعلة في ذلك والله أعلم أن الإسرَافَ – غالباً - طبعٌ في النفس لا يتغير , والاسم يدل على الثبات دائماً .
قوله : ( وما كان جواب قومه إلا أن .. ) أسلوب تعجبي كريم لبيان أن ردهم لكلام لوط عليه السلام أمر عجيب , فهؤلاء قومٌ بلغت فيهم الخسة والقذارة مبلغاً أنهم لم يجدوا جواباً جميلاً مقنعاً يجيبون به هذا النبي الكريم إلا أن أمروا بإخراجه وأهله ؟؟
وقد تكرر هذا الأسلوب في القرآن الكريم أربع مرات , ثلاث منها في قصة لوط وقومه :
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (56) سورة النمل , {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } (29) سورة العنكبوت , وموضعٌ واحد في قصة إبراهيم وقومه {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }
(24) سورة العنكبوت .
وهي أجوبة ظاهرة لكل متأمل أنها تدل على خسة في الطباع , وعدم مقارعة الحجة بالحجة , فيأتي التعجب القرآن بأن هؤلاء لم يجدوا جواباً إلا هذا ؟! .
قوله : يتطهرون : جاء التعبير بالمضارع هنا لبيان التجدد والاستمرار في الحدث وهو التطهر , مضاداً لنجاستهم السابقة ( تأتون الرجال ) .
قوله : ( أهله ) يطلق الأهل ويراد بهم الزوجة كما قال تعالى : {
قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
(25) سورة يوسف .
ويطلق ويراد بهم ذوو الرجل وأبناؤهم وعشيرته كما في هذه الآية وآيات كثيرة .
وقوله : ( الغابرين ) الغابر : من الأضداد يطلق على الماضي : غبر الشيء إذا مضى , ويطلق على الباقي , يقال : غبرتُ في المكان أي أقمت فيه , والغابرين هنا : الباقين [ الأضداد لابن الأنباري : 129 ] .
قوله ( مطراً ) المطر في القرآن لم يرد إلا في العذاب , وهو كثير , وقد أشار إلى ذلك الجاحظ في كتابه البيان والتبيين : 1 / 20 , والتنكير هنا ( مطراً ) لعله يراد به التهويل والتخويف , بأنه مطر عظيم شديد البأس .
قوله : فانظر كيف .... هنا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل من يقرأ القرآن بالنظر في مصير هؤلاء القوم , إما بالنظر المعنوي , وهو نظر الاعتبار والتفكر , وإما النظر الحسي في قرية سدوم غربي الأردن في مكانها المعروف حالياً .
وانتهت الآيات بلفظ ( المجرمين ) الدال على أنهم اتصفوا بهذا الوصف الشنيع , فكذبوا رسول الله , واستمروا على فعل الفاحشة المنكرة ( إتيان الرجال ) , وحاولوا طرد نبي الله تعالى عليه السلام , وأي إجرام أشد من هذا ؟ .

هذا ما لدي هنا والله أسأل أن يرزقنا فهمَ كتابِه العزيز , والتأمل في آياته , والله أعلم وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين .
15 / 9 / 1431 هـ







رد مع اقتباس
إضافة رد
مواقع النشر
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع
:: برعاية حياة هوست ::
sitemap
الساعة الآن 08:44 pm.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Alpha 1
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
موقع بريدة

المشاركات المنشورة لاتمثل رأي إدارة المنتدى ولايتحمل المنتدى أي مسؤلية حيالها

 

كلمات البحث : منتدى بريدة | بريده | بريدة | موقع بريدة