د . حمود أبو طالب
لم أكن أفضل أن يخرج علينا مدير عام الخطوط الجوية السعودية بمقابلته التلفزيونية الترويجية في هذه الأيام بالذات التي تشهد معاناة الآلاف من ركابها، دون مبالغة أو تحامل. وحين كان المهندس خالد الملحم يقارن الخطوط السعودية بغيرها من الشركات العالمية، كان يدري أو لا يدري أن النجاح والفشل لا يعودان بالضرورة، وبالدرجة الأولى للإمكانات الضخمة وإنما للعنصر البشري الذي جعلهم ناجحين وجعلنا في أسوأ حال.
كنت أتمنى عليه أن يزور مطار الملك عبدالعزيز في جدة هذه الأيام قبل تلك المقابلة ليرى ويعلم علم اليقين أن ما يجري فيه يمثل أقبح نموذج للمسؤولية والالتزام والأمانة واحترام الآخرين، وبصفتي مسافراً دائماً فإن هذا النموذج ليس مفاجئاً لي حين تجسده نسبة غير بسيطة من موظفي الخطوط على مدار العام، ولكنه كان فظاً أكثر من أي مرة ماضية حين شاهدته مساء الاثنين 16/7/2007، على كاونتر إحدى الرحلات الدولية (نحتفظ باسمها كما تقول الصحف). ركاب لديهم حجوزات مؤكدة جاؤوا في الموعد المحدد وانتظموا في الطابور، وبعد أقل من نصف ساعة غادر الموظف موقعه فجأة وتركهم ينتظرون وقتاً طويلاً قبل أن يأتي موظف آخر ويختار كاونتراً مختلفاً ويأمر الركاب بالانتقال إليه ليختلط الحابل بالنابل، ويعود إلى مؤخرة الطابور من كان في المقدمة. ولأن مشاكل المنزل واحتياجاته تتطلب وقتاً واهتماماً فقد انشغل بهاتفه الجوال قرابة عشر دقائق في كلام سخيف وبصوت عال، غير عابئ بأحد، ليبدأ بعد ذلك، استلام التذاكر، ولكن من أين؟ من أيدي زملائه الذين يقفون خلفه وحوله في أقصى درجة من الاستخفاف بمشاعر الركاب، وبعد أن فرغ منهم أخذ بضع تذاكر من ركاب جاؤوا مخترقين للطابور الجديد تحفهم عناية موظفين آخرين، لينتهي الفصل الأول بإعلان من الموظف أن على بقية الركاب التوجه إلى كاونتر آخر لركاب الانتظار وسط احتجاجاتهم الصاخبة لأنهم يحملون حجوزات مؤكدة.. وفي هذا الكاونتر كان المشهد أسوأ كثيراً إذ إنه أمام عيون الركاب الذين تحولوا إلى شحاذين ومتسولين كانت بطاقات الصعود تتوزع يميناً وشمالاً في أيدي زملاء جدد، واستجابة لطلبات جهاز اللاسلكي الذي لم يأبه أحد بخفض صوته تفاديا لمزيد من الفضائح..
صحيح أن المهزلة انتهت بإعطاء بطاقات لأولئك الركاب على رحلة اليوم التالي، ولكن هل ما حدث يمثل أدنى درجات المسؤولية، وبهذا الشكل العلني..؟ أحد الموظفين حاول أن يكون صادقا حين قال اسألوا المسؤولين (اللي فوق) لأن الخطوط أصبحت تعطي حجوزاً مؤكدة أكثر من الطاقة الاستيعابية للطائرة. ونحن لا نريد أن نسأل، بل نريد أن نقول إن أزمة الخطوط هي أزمة تعامل.
بعد هذا المقال تم ايقاف د . حمود أبو طالب عن الكتابة في جريدة الوطن السعودية