بين العلماء أن معنى لا إله إلا الله أن الإله هو المألوه الذي تألهه القلوب أي: تعبده محبة وتذللا وخوفا ورجاء ورغبا ورهبا وتوكلا عليه واطراحا بين يديه واستعانة به والتجاء إليه وافتقارا إليه. وذلك لا ينبغي إلا لله عز وجل خالق كل شيء ومصوره ومصرفه ومدبره, مبدى الخلق ومعيده, ومحييه ومبيده, الفعال لما يريد, الذي هو على كل شيء شهيد, الذي لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه, ولا حول ولا قوة إلا بالله: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده}. والعبد إن أريد به المعبد أي: المذلل المسخر, دخل فيه جميع المخلوقات من جميع العالم العلوي والسفلي من عاقل وغيره ومن رطب ويابس ومتحرك وساكن وظاهر وكامن ومؤمن وكافر وبر وفاجر وغير ذلك, الكل مخلوق لله -عز وجل- مسخر بتسخيره مدبر بتدبيره, ولكل منها رسم يقف عليه وحد ينتهي إليه: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار} [يس: 40] كل يجري لأجل مسمى لا يتجاوزه مثقال ذرة, ذلك تقدير العليم وتدبير العدل الحكيم. وإن أريد به العابد خص ذلك بالمؤمنين وإن كان أكثر المشركين يعبدون الله -عز وجل- ويتقربون إليه بكثير من العبادات, لكن لما عبدوا مع الله غيره وأشركوه معه في إلهيته كانت أعمالهم هباء منثورا، فخالفوا أمر الله وتولوا أعداءه وكذبوا رسله وأنبياءه وحاربوا حزبه وأولياءه, وأرادوا تشييد الكفر وإعلاءه ورد الحق وإباءه؛ فأبى الله عز وجل إلا أن يتم نوره ويظهر دينه ويعلي كلمته وينصر أولياءه ويحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين, ويجعل حزبه -هم- الغالبين.