بسم الله الرحمن الرحيم
خرجت من صالة السينما في الساعة ال 9:30 من ليل الجمعة الجميل والذي إزداد جمالاً بكونه بداية عطلة نهاية الأسبوع (الويك إند).
افترقت أنا وزميلي عند البوابة ... وبعدها أشرت لأحد سائقي الأجرة فاقترب بسيارته نحوي وأنا متحمسٌ كعادتي لبدأ رحلة من النقاش الممتع الشيق, مع هؤولاء..
فهنا في كندا أصحاب تلك الشغلة ليسوا من الطبقة السُفلى أو السطحيين. بل تجدهم وفي أحيان كثيرة مهندسين أو مبرمجين رمى بهم قانون التقاعد المبكر إلى ظلمة الوحدة والملل والروتين وذلك الذي يحدهم لإختيار مهنة تجتمع فيها معاني الإثارة والتجدد..!!
عندما هممت بالركوب سألته ممازحاً وقلت: أتنتظر أحداً؟
قال: لا. أنا أنتظر أي أحد.
فقلت: إذاً أنا أي أحد..
فضحك وقال: لا . أنت لست أي أحد فيبدو عليك أنك شاب ذكي!
قلت: أشكرك على هذا الإطراء ولكني أتصور أنه بدون ضرائب .. وبالتأكيد إنك لاتنتظر مؤخراً لذلك الكلام... وبالتأكيد أيضاً أنك لن تتضايق من كلامي لإنك لو تضايقت ... فإنك منافق!..
فقال: لا... فكما تعلم نحن الكنديون لطيفين وودودين ... مهما ازداد سوئنا فنحن لا نصل للنفاق والذي أتصور أنه أسوأ الصفات..
قلت: بالتأكيد.
وبينما نحن نسير .. قال لي: أتدرس بجامعتنا العريقة هنا؟
قلت : نعم.
قال: جميل... ولكن بما أنك شابٌ حسن المظهر كما أرى وتملك منطقاً حسناً وتستطيع أن تحصل على شابة كندية جميلة !!
وكما تعلم ففي مدينتنا هنا تستطيع أن ترى أننا نمتلك الفتيات الأجمل في كندا أتعلم لماذا؟.. لإنهن من دم كندي خالص لم تخالطه قذارة الشعوب المهاجرة( هنود, حبشيين وأفريقيين ومن دول الأسيان).
فلماذا لا تحاول الحصول على (girl friend)
قلت: أرى أنك علمت مسبقاً أنني لم أحاول ... إذاً ألم يخبرك حدسك بأنني لن أحاول!!)
قال: لا أعلم.. ولكن يجدر بك المحاولة... لإنك تستطيع الحصول على الأفضل ولكن إن أردت المحاولة فخذ نصيحةً مني ...
فكما تعلم.. فالمرأة والرجل هنا متساويان في كل شيء 50% لكل منهما...
-فالمرأة تستطيع العمل, والقيادة والتصويت... وحتى في العلاقة الزوجية البحتة فلا تتصور أنك ستكون المحكم فلربما كان دورك التنفيذ على الأقل تحت القانون الكندي!!
وبما أنهما متساويان في كل شيء فهذا يفرض الإحترام بينهما... والدليل على حرية المرأة الكندية في القرن الواحد والعشرين أنها تستطيع هجرك ولمجرد الملل وحب التغيير!!؟
قلت: أعلم مدى الحرية المسموح بها وفي كل الدول الغربية... ولكن هذا لا يجعل الأمر ناجحاً حتى (وإن كانت قرارات الحكومات ناجخة بالمقارنة مع الدول الأخرى)...
فأنا أرى أن الإحترام لا يأتي بالطريقة التي قلتها... فهل من المعقول أن تكون نتيجة الإحترام هجران لمجرد الملل وحب التغيير؟؟؟
فالحكومة على سبيل المثال وشعبها ... هل ترى أنهم متكافئان في الصلاحيات؟؟
بالطبع لا ... وحتى لو نظرنا في مراتب الحكومة وتصنيفاتها لوجدنا التفاوت المنطقي وكذلك في تصنيف المحكومين وهم عامة الشعب..
ولكن مع ذلك نجد الإحترام موجود.. لإنه هناك أسس وضوابط وقوانين يحترمها الكل وبذلك يكون الإحترام لتلك القوانين هو شذرة الإحترام لذات الأشخاص حتى مع وجود التفاوت في كل شيء!
فمن المعروف أنه من المستحيل أن يكون هناك رئيسين لدولة... وقاضيين في محكمة وحكمين في مباراة كرة قدم!!
وكذلك الأمر في المنزل...
ولذلك ففي ديننا ... أعطي الرجل القوامة على المرأة لإنها تتناسب مع صفاته ومع ذلك ومع علو الرجل إلا أن العلاقة تستمر لإن الأصل هو الإحترام للمبادئ التي قام بها هذا الرباط المقدس مع وجود التفاوت في السلطة..
.....................
قال: ولكن أتعلم أن مدى الحرية الذي أعطي للمرأة في القرن الواحد والعشرين.. جاء منطقياً في عيون الكثيرين وأنا منهم..
فعلى سبيل المثال.. إذا أردت أن تخرج مع فتاة كندية فلا تتوقع أن تواجهها بالسيناريو المعروف.. ألا وهو الحديث ثم الإتفاق على العشاء ثم بقية القصة الرومانسية الساذجة.. !
فتأكد أنك حين تفعل ذلك فإنك سوف تجد نفسك وحيداً على طاولة العشاء العامرة!
الفتاة هنا .. تكفيها نظراتك الحادة لتبادلك النظرات ولتأتي إليك هي بنفسها وتتفق معك على كل شي فالأمر ليس عيباً إن قلنا إنها مساوية لك!!
(فالفتاة الآن هنا قد تخلت عن النمط التقليدي الرتيب الفقير الساذج والذي صور الفتاة على أنها كتلة من الأحاسيس... !!
لإن تلك الفكرة أتت بها رياح الماضي المظلمة لتقيد وتحبس الفتاة وسط أحاسيس خادعة لتبدأ بعد ذلك بتمثيل الدور بإتقان وعن عدم إقتناع.. ولكنها ولحسن الحظ إصطدمت تلك الرياح المظلمة برياح التغيير القوية والمليئة بنور المستقبل المشرق..)
قلت له: أجد لك عذراً بإطلاق ذلك الحديث لإنك جاهلٌ نسبياً أو كلياً بكيمياء الدماغ البشري والهرمونات البشرية وتقييمها التي تتحكم في كل شيء... ألم تسمع بهرمون الأنوثة(الأستروجين) أو هرمون الذكورة(التستيستيرون) ومشتقاتها؟
لنأخذ هرمون الأنوثة بما أنه محورنا.. ألم تسمع بأن معدله ينخقض ويزادا في حالات معينه ... فإذا حملت المرأة طفلها بين يديها إزداد وإذا أرضعته كذلك ؟؟
فبماذا تفسر ذلك!!؟
أتعلم من الأفضل أن تذهب لأحد المختبرات العلمية وتأخذ منهم بعضاً من الهرمونات الأنثوية لترى شاعريتك الرقيقة بعدها ولترى حجم تحسسك!!؟
أتعلم ما فهمته من كلامك؟
أنك صورت أن الزاوج هنا وفي الغرب يكون بين رجلين يحملان بناء تشريحياً مختلفاً !!
قال: لا لا.. ولكن يبدو أنني أخفقت بإيصال فكرتي!!
ولكن أتعلم أنا في الثامنة والخمسين وكذلك أنا سعيدٌ بحياتي مع زوجتي والتي تتمتع بأعلى سقف من الحرية..!؟
قلت: سوف أجاوبك على سبيل القياس فقط .. فأنا لن أكون سعيداً بقيادة سيارة أجرة وبإقتناء كلبين ليسدا فراغ الأبناء ولربما ألحقتهما بثالث إذا ما فكرت زوجتي هجري!!
(وأردفت قائلاً: المعذرة فأنا لم أقصد الإساءة بل قصدت أن لكل قلب وعقل إختيارات خاصة .. يرضى بها ويقتنع حتى لو كان مؤقتاً!!)
قال: أتعلم لقد آلمت دماغي ... وها نحن وصلنا للمكان المقصود.. فهل من الممكن أن تنزل.. ولاتنسى أن تفكر في كلامي ... فنحن هنا نملك أجمل النساء و أذكاهن وبالتأكيد أنك لاحظت ذلك فلا تنسى أن تستثمر فرصتك... فأنا أقول لك من واقع تجربة ... فأبنائي عانو الأمرين ولم يفلحوا في إقتناص الأفضل لإنهم دميمي الوجه كوالدهم(قالها مازحاً) .. ولكن أنت تمتلك المؤهلات .. فلا تضع الفرصة!!
قلت: إيلام الدماغ دليلٌ على أرهاق خلايا الدماغ والذي لن يأتي إلا بإمعان التفكير وذلك الإمعان لن يأتي إلا من التقبل المبدأي للموضوعية أو لسوء الفكرة التي قوبل فيها الرأي الآخر!!
............
............
............
قال: لحظة!! أأنت سعيد بأن يتم تنظيم الزواج لك وهو المتاعرف عليه في المجتمعات الشرقية!!؟؟ (تعجبت من إطلاعة)
وأردف قائلاً: أليس من الغريب أن تتزوج من لاتعرف ومن لاتختار إلا بطريقة عشوائية
أليس من الظلم لها أن تختار من إختارها لمجرد الإختيار.. فأنا دائما ما أسمعكم تقولون أن الشكل غير مهم بقدر الأخلاق!!
ألا ترى أن طريقتنا أكثر موضوعية... بحيث يتم الإعجاب بطريقة منطقية طبيعية ... وبعد ذلك تأتي عملية التحليل من الطرفين لتنتهي تلك العملية إما بالإيجاب أو القبول..!
قلت: بلا إنه أكثر منطقية ... ولكن نحن ننظر للواقعية والتي تعكسها لغة الأرقام.. فحينما بلغت نسبة الطلاق هنا في كندا 60% فإنه في بلادنا فإن النسبة تقل وبكثير!!
ولذلك نرى أننا أكثر واقعية!!
(فالمرأة لدينا أصورها بأنها تسكن في حرية محدده رغم الهجمات التي تريد أن تحبسها في عذاب الحرية الغربية)
........
قال: لا يهمني ذلك ولكني أرى أننا أسعد منكم في كل شي..!!
قلت: إذا كانت المسألة مسألة رأي فقط فأنا أقول أنني أسعد من أي كندي على وجه الأرض!!
تبسم وقال: لا أعلم ولكن فكر في كلامي ولربما ظفرت بكندية أصيلة تعلمك مبدأ (الديموقراطية) ولكن لاتفكر بأن تعود معك إلى بلادك!!
قلت: وما يدريك ... فلربما تذوقت طعم الأنوثة الحقيقية .. والتي حبستها أنوار الحرية الغبية المظلمة!! ... فقررت أن تبقى بعيداً عن سجن الحرية الكبير..
وعموماً فتلك الفكرة بعيدة عن دماغي .... فأنا أسير وفق مبادئ وقيم يحدده الدين والذي يفرض أسس ونظام كل شيء ويجعلني أسير خلفه مغمض العينين ... ويجعلني كذلك أعتبر حديثنا الماضي ثرثرةً فقط !!
ضحك وقال: أعطني رقم هاتفك..
فأصبح الأمر صداقةً جميلة رغم فارق العمر الكبير والذي تخطى الثلاثة عقود لمصلحته بالطبع
وأتمنى أن ينتهي الأمرٌ إلى خير..
..................
ملاحظة ( ربما إن الحادثة لم تكن على ظهر سيارة أجرة وربما لم تكن مع سائق سيارة أجرة وربما كانت مع نفسي الغيبية وربما لم تكن فأنا نعسان ولذلك تخالطت الذاكرة!!)
..............
يمكنكم الحديث والتعليق على الموضوع إجمالاً ويمكنكم إختيار نقاط محدده ويمكنكم كذلك إبداء الرأي..
فأنا أعايش الحرية ولربما إستمتعت بأجزاء منها ولكن بكوني رجل...!!
ولكن هذا لا يجعلني أرفضها ولا يجعلني كذلك أتقبلها ليبقى السؤال الأزلي قائماً!!؟؟؟
وبالمناسبة فالعنوان يعكس حالةً من حالات التشتت التي أعيشها!!!؟
.........
اعذروني على الإطالة ... ولكني اشتقت إليكم ..... وتصبحون على خير