تحقيق - نوال الراشد
في احدى القرى الصغيرة التي تبعد عن منطقة القصيم ب 150كيلو متراً تقع مجموعة من مضارب البدو المهتمين بالخيول وتربية والابل وبيع المواشي فغرسوا في ابنائهم حب الهوايات العربية وعلموا ابناءهم فنون الفروسية فلم تقتصر هذه الهويات على الشباب انما كان للفتيات نصيب من اكتساب هذه المهارات تحت تدريب آبائهن فأجواء البادية اتاحت لهن المجال في تعلم فنون القنص والرماية والفروسية وفي هذا الموضوع التقت الرياض ببدرية مضحي الحربي احدى الفتيات اللاتي تدربن على هذه المهارات لنتعرف على تجربتها في هذه الهوايات:
الفارسة العربية
في اول سؤال طرحته عليها كان ماهي اسباب اهتمام اهل البادية بهذه الهوايات؟ وهل لطبيعة البادية دور في ممارستها والمحافظة عليها؟
- تقول بدرية انها من اسرة تحب الفروسية وتعشق الهجن وتهوى القنص والرماية فهذه الهوايات لم تأت من فراغ انما انتماؤنا الطبيعي الى البادية جعلنا نعشق الصحراء فأهلي وخاصة عمي كان حريصاً في تعلمنا هذه الهوايات العربية والتي تعتبر لاهل المدن رياضة او هوايات جديدة واما بالنسبة لاهل البادية فهو شيء طبيعي في حياتهم فلا يزالون يتعايشونة ويمارسونة ويحبونة لابنائهم وبناتهم والنجيب منهم هو من يحاول اجادتة كما اجادوه ولاننسى ايضاً ان المرأة او الفارسة العربية في الماضي كان لها تاريخ مجيد في عصر الفتوحات الاسلامية واثناء الجهاد ومساعدة الجيوش في المعارك والقتال فليس مستغرباً ان يكون للمرأة الان جذور قوية تربطها بالماضي الاسلامي المشرق.
بين المدينة والصحراء
وسألتها عن كيف تجيد المرأة البدوية مثل هذه الهوايات؟
- فقالت المرأة البدوية تتكيف مع بيئتها وسريعة التأقلم في كافة الظروف والاجواء وتنعكس تربيتها وسط هذه البئية فمثلاً عندما تنشأ الفتاة في بيت يجيد تربية وبيع "الحلال" المواشي فانها بسرعة تتعلم هذه المهنة حتى تجيدها ومن ثم يعتمد اهلها عليها في بيع الحلال وتكون من مسؤوليتها وهكذا فأنا لقد عشت وتربيت في اسرة تحب الفروسية وتعشق الهجن وتهوى القنص والرماية بالرغم من انني ولدت في الرياض وعشت فيها وانتقلت الى بيت عمي في سن صغيرة فاسكنت الخيام التي يحدها النفود من كل جانب فلم يكن من السهل الانتقال من المدينة والعيش في الصحراء ومن التطور الى البساطة ولكن لفتاة البادية مسؤوليات لابد ان تتعلم واجباتها المنزلية وتكون مسؤولة عنها وتحاسب عليها اذا قصرت فيها لذلك اكسبني اعتماد عمي علي في جميع اموره ان اكون محط ثقة ممازاد في مسؤليتي وجعلني اتعلم كافة الاعمال التي يقوم بها من اشغال تخص الماشية فكان عمي يملك في اطراف الصحراء مجموعة من الخيول والجمال جعله يشجيعني ان اكون يده اليمنى في تفقد الحلال وتربية الابل فكان يعلمني ويدربني في جميع رحلاته واتعلم منه ما قد يخفى على من امور حتى استطعت ان اجيد الفروسية والهجن اتقن الرماية وفنون القنص فعالم البادية دائماً مليء بالاثارة والمغامرة.
تدريب على الفروسية
وحول كيفية اتقانها لفنون الفروسية؟ وما هي الطرق المتبعة للتدريب؟
- تقول بدرية لقد كان حب وشغف عمي بالخيل وتربيتها وركوبها كما قلت دافعاً فلقد تعلمت ركوبها خلال شهر واحد فقط فالخيول الاصيلة سهل تربيتها لانها وفية ومطيعة ومن مواصفاتها الطيبة والعطف فهي (توالف راعيها) ويوجد هناك خيول صعبة في طباعها يقال لها (العزوف او العيوف) او يكون أساسها غير عربي خالص فهي لاتقبل التدريب عليها بسهولة فمن الممكن ان تخدعك اثناء ركضها ترميك وراء ظهرها وتوقعك بسهولة لاسمح الله والسقوط من الخيل دائما مؤلم وقد يؤدي الى الاعاقة في اصعب حالاته فحوافرها قد تجرح الرأس او تشجه، لذلك كان عمي يبدأ تدريبي من بعد صلاة الفجر الى غروب الشمس بشكل متواصل طوال النهار حتى اتقن ركوبها وحتى يبدأ الجسم بالتعود على الحركات التدريب وبعدها اخذت 6اشهر اتعلم على قفز الحواجز والذي كان بالفعل هو اصعب ماتعلمته لانه من اصعب انواع التدريب فلابد من توافر اللياقة البدنية العالية في توازن الجسم على ظهر الفرس وان يتعلم المتدرب القدرة عن الثبات اثناء القفزة في بداية تعلمي كنت اتدرب على القفز على (القشع) اي الشجر البري حتى استطعت اتقان القفز بارتفاعاته المتفاوتة.
مدة التدريب
وعن مدة للتدريب الكافية والتي يستطيع فيها المتدرب اتقان ركوب الخيل؟
- تؤكد بدرية انها تختلف من امرأة الى اخرى كل حسب قدراته البدنية ففي البداية يشعر المتدرب بالتعب البدني في العضلات والمفاصل نتيجة كثرة الحركة وبعد مدة يتعود ويصبح الامر طبيعياً ويفضل التدريب في اوقات الصباح الباكر الى قبل الظهيرة ويمكن استكمال التدريب بعد العصر ويكون المتدرب قد اخذ قسطاً من الراحة، ويفضل تدريب الفتاة على ركوب الخيل في سن صغيرة حتى يسهل تعلمها والاهم من ذلك يجب تكون خفيفة الوزن وهذا مطلب اساسي في التدريب.
التدريب في الصحراء
وماذا بعد اتقانك للفروسية؟
- بعد ان اتقنت الفروسية بدات طلبات التدريب تأتي من قريباتي وفتيات البادية التي اعيش فيها بعدها قررت ان اقوم بتدريبهن بموافقة اهلهن الذين شجعوني ان اقوم بتدريب بناتهم فقمت باختيار المكان المناسب لهن في النفوذ وحتى استطيع ان يكون التدريب سليماً ويحمل لهن الخصوصية في الوقت والمكان.
المواقف المحرجة
ولكن ماذا عن المواقف المحرجة التي مرت بك؟
- قالت بالنسبة للمواقف كثيرة ولكن ابرزها موقف كان لاحدى الفتيات بالبادية والتي كانت مصرة على التدريب وهي غير مؤهلة له وبعد ان فشلت كل محاولاتي لاقناعها استسلمت لطلبها فأحضرت لها فرسي وقت لها امسكي بخطامة وابدئي بالعدو بالتدريج فابتعدت عنها قليلاً فانطلق الفرس وركض بها بقوة فسقطت ارضاً وسحبها مسافة كيلومتر حتى اصيبت اثناء سقوطها من الفرس وتأثرت وبعدها قررت الا تتعلم او تتدرب مرة اخرى.
مسابقات البنات في البادية
لنرجع مرة اخرى لحياة البادية واسألك عن مسابقات الفتيات؟
- تقول بدرية ان حياة البادية لها طابع اخر فدائماً يوجد لدينا منافسات حية وشيقة ونجتمع كل يومين نحن الفتيات وبعد ان ننتهي من اشغالنا في رعي (الحلال) واجبات المطبخ والبيت نحضر معنا (فلتنا) من الشاي والقهوة والزهورات ونتجة الى احد الرجوم القريبة من منازلنا في الصحراء ونتبادل الأحاديث وأبيات الشعر حيث يوجد لدينا شاعرات مثل منيرة بدر، والدهيمية، ونجلس نتغنى بقصائدهن ونتسامر بها وقت التعاليل، وأحياناً نقوم بعمل مسباقات فروسية فيما بيننا والأخيرة في السباق هي التي تطبخ العشاء أو تعطي الفائزة الأولى ألف ريال أو كسوة عيد أو على الأقل تغسل الصحون.
تجربة التدريب في الامارات
قبل بداية لقائي بك حدثتني عن تجربة التدريب في الامارات كيف كانت هذه التجربة؟.
- تقول لقد سافر عمي لدولة الامارات العربية للتجارة واخذني معه فوجدتها فرصة لزيارة أندية الفروسية في مدينة دبي ومع طول فترة اقامتي التي استمرت 6أشهر عرض عليّ تدريب عدد من الفتيات من دول عربية واصبحت أدربهن هناك وبعدها عرضت علي إحدى الشخصيات النسائية المعروفة في دبي العمل هناك وتوفير كافة الامكانات التدريبية ولكني رفضت نظرا لصعوبة اقامتي هناك.
الهجن والهجانة
ولننتقل إلى مرحلة التدريب على الهجن كيف كانت وهل كانت مثل تجربة الخيل؟
- فقالت ان مراحل تدربي كما ذكرت والتي كانت على الفروسية والهجن والقنص والرماية انها تمت خلال عام كامل اكتسبت فيها جميع المهارات اكتسبت فيها أسس التدريب واللياقة وحتى اتقنتها جميعا فالرغبة في التعلم هي الدافع وراء اتقاني لها جميعا وفي هذه المدة.
والإبل هي أقرب ما تكون لحياة البادية ولقد كان لعمي وقت مجئي للبادية حوالي 300ناقة اعتني بها يوميا وأشرف على بيعها بنفسي فالبدو يعتبرونها ثروتهم الحقيقية حيث تهتم نساؤهم بها ويتنافسن في تجميلها "بالسفايف، والمجند، والشداد" وهي من أدوات الزينة التي تجمل بها والتدريب على الهجن يعتبر أسهل من الخيل بكثير ولا تقارن فالإبل بطبعها سريعة الانقياد لصاحبها ويسهل تدريبها ولا تأخذ وقتاً لتعلم عليها.
مواقف مع الهجن
وماذا عن مواقف الهجن؟
- تذكر بدرية من المواقف التي مرت بها مع الهجن وتقول لقد ربيت لي جملا طيبا واسميته راكان ولقد نزل حولنا ضيوف "شرّائين للإبل" فعرضنا عليهم 200ناقة من المغاتير الطيبة وكان معهم الجمل راكان ونحن في سلومنا النوق ما تمشي إلا مع فحلها، وهي تعتبر مثل ما تمشي المرأة مع رجّالها وبعدها تم شراء النوق مع الجمل راكان وانطلق به المشترون إلى مكان آخر وفي احدى الليالي وبينما نحن نائمون وإذا بي اسمع صوته مع اصوات النوق وراء الخيمة لقد عادت إلى المكان الذي تعودت عليه بعدها أرجعنا النوق وابقيت على راكان الذي له معزة كبيرة لدي وهذه تعتبر من أهم المواقف.
الرماية وعشق الأسلحة
بالنسبة للرماية كيف يمكن للمرأة أن تتقن التعامل بالسلاح؟
- تقول بدرية ان للرماية وقعاً خاصاً لدي وهي من الهوايات الخطرة وليس كل شخص يستطيع ان يجيدها بسهولة وأنا تعلمتها كهواية للدفاع عن النفس وقت الحاجة وأثناء الرعي فتعلمت على الرشاش وعلى مسدسات الربع، والصفر والبندق أبو 5طلقات، والرماية للمرأة قد تفشل بسبب انه ليس كل النساء يستطعن إجادة الرماية فلابد أن يكون الرامي يتمتع بالثبات في النظر والتركيز والثقة وأن يكون قادراً على مسك السلاح بشكل صحيح حتى لا يخطىء وقد تصيب من بقربها أثناء الرماية وأنا لا أحب ان أمارس الرماية سوى مع والدي أو عمي فاكتسب منهم المهارة فن الرماية فنقوم باختيار المكان المناسب في النفود ونضع علامات واشارات التصويب ونبدأ من اليمين واحدا تلو الآخر وهكذا ومن يجيد التصويب على الهدف هو الافضل.
ولكن لماذا تتخوفين من تعامل المرأة في الرماية؟
- تقول بدرية بصراحة أنه سبق ان صوبتني إحدى البناات بسلاحها وكادت ان تقتلني بالخطأ فالرماية والتعامل مع السلاح ليس بالشيء السهل فلابد للمتدرب أن يكون لديه توازن نفسي مع السلاح ولا يخاف ويعرف ان يتعامل معه بشكل سليم فأي خطأ قد يحدث اصابة لغيرة من جراء ذلك وأنا لا استخدم السلاح إلا وقت الرعي وذلك لدفاع عن النفس أو الحلال - المواشي - فمناطق النفود والصحراء الواسعة يحتاج المتنقل فيها أن يؤمن نفسه لأي طارىء قد يتعرض له.
المقناص ولغة الحوار مع الصقور
وماذا عن المقناص وكيف يمارس أهل البادية هذه الهواية؟.
- من المعروف ان المقناص هواية عربية أصيلة ويعتمد العرب وأهل البادية على هذه الهواية على الطيور الحرة من الصقور والشياهين والباز وفي الماضي كان أهل البادية يتبعون مناطق القنص فيسافرون في طول البلاد وعرضها واما الآن ومع وجود المحميات فنظام الصيد سيبدأ مع فتح المجال في المحميات حتى يستطيعون الصيد في الأماكن التي يكثر فيها طيور الحبارى أو الجرابيع أو غيرها.
البوصلة البرية
وفي سؤال أخير حول معرفة أهل البادية لتضاريس الصحراء أثناء التنقل والمقناص؟.
- فقالت ان لأهل البادية طبيعة اكتساب المكان والتعود عليه فللأرض التي يعيشون فيها مواري ظاهرة على سطح الأرض لا يعرفها سوى من يعيش فيها ويفهمها فقد تكون بالنسبة لأهل المدن انها شيء طبيعي وغير ملفت للنظر ولكن للجبال والأشجار وللأعشاب ونوعية التربة كلها علامات ودلالات لمعرفة الأرض وموقعه واتجاهاته وهكذا ترين ان تنقل أهل البادية من مكان إلى آخر ولا يخطئون مكانهم الذي زاروه أو عاشوا فيه.
:4:
العرض العادي
