[align=center]دار الملاحظة الاجتماعية أو دار الأحداث كما يحلو للبعض تسميته...
كنت أتمنى دائما أن أعرف ما بداخل هذه الدار..
وحضرت ذات يوم بحكم عملي لتغطية مناسبة..
كانت المناسبة غريبة نوعا ما علي..
انتابني نوعا من الخوف عندي دخولي إلى هذا المقر..
وذلك لتوقعي أنني سأقابل أعتى المجرمين والمنحرفين.
وأثناء دخولي استقبلني أحد المشرفين في الدار..
وبدأ الحفل بعرض رياضي..
أمعنت النظر في الذين يقدمون تلك العروض..
وبدأت أشاهدهم واحدا واحدا..
وقعت عيناي على مجموعة من صغار السن..
توقفت قليلا عند أصغرهم سنا وجسما..
بدأت أتساءل..
ترى ما هو الجرم الذي اقترفه هذا الصبي ودخل على إثره الدار؟..
هل من الممكن أن يكون مجرما؟..
هل يستطيع ذلك الجسم النحيف الهزيل أن يقوم بالإجرام؟..
دفعني فضولي الصحفي أن أتساءل عن هذا الصبي..
التفت إلى أحد المشرفين الاجتماعيين الجالس بجانبي..
وسألته..
ما لذي أتى بهذا الصبي؟..
أجاب: هذا الصبي قاتل!
صعقت من هذه الكلمات..
وبدأ ذهني يشرد بعيدا من هول ما سمعت..
وصممت على أن أخوض غمار التجربة وأفتش في خبايا هذه الدار...
وخرجت بقصص تُسيل المآقي وتخترق الفؤاد.. اليكم القصص
:
أبن الحادية عشر يقتل أباه
:
:
فهد (م- س) هذا الطفل الذي إن رأيته لا تتوقع منه أن يكون مجرما فما بالك إن كان قاتلا! لا تتخيل وأنت تشاهد هذه البراءة وهذا الجسم الهزيل أن يستطيع في يوم من الأيام أن يحمل سلاحا فلك أن تتصور أن فهد هذا حمل البندقية وقتل, ولكنه لم يقتل إنسان غريب بل قتل أباه!.
يروي فهد تفاصيل هذه القصة المؤلمة ويقول" كانت أمي على خلاف دائم مع أبي, وكان أبي يتعدى على أمي بالضرب المبرح لأدنى سبب, وكان دائما يهددها بالطلاق والانتقام, وأحيانا بالقتل, كما كنت دائما أعيش في خوف وترقب وسط هذه المشاكل التي لا تنتهي, وأملي دائما أن أعيش حياة سعيدة كباقي الأطفال".
وذات يوم خرجت أمي من البيت لتجتمع مع جاراتها, وجاء أبي إلى المنزل ولم يجد أمي وكان معه عدد من أصدقائه الذين دعاهم للعشاء, وكان يريد أن تحضر أمي له العشاء, وأنتظرها حتى جاءت إلى المنزل وبعد حضورها أخذ يوبخها بشدة, وطال الحديث بينهما إلى أن بادر بضربها ضربا مبرحا".
وأضاف فهد" أبي متزوج من ثلاث نساء وكانت دائما تدور مناوشات ساخنة بين أمي وزوجات أبي الأخريات, وفي نفس الليلة التي ضربت أمي فيها حدثت مشادة بينها وزوجة أبي الثانية, ولم يتمالك أبي نفسه وضربها للمرة الثانية وهددها بالقتل, - تنهمر دمعات من عيني فهد ويبكي بحرقة- يكمل فهد القصة" ذهبت إلى أمي لأواسيها وأخفف عنها, وقالت لي هل تحبني يا فهد, فأجبت نعم يا أمي, فقالت لي والدك يريد أن يقتلني فاقتله قبل أن يتمكن مني, ولم أدر ما أفعل وقتها, واستجبت لما سمعته وأحضرت أمي لي البندقية وقالت خذها واقتله الآن, وذهبت إلى أبي لأرى مايفعل ووجدته يصلي في أحد غرف المنزل وأطلقت الرصاص عليه من الخلف, واستلقى أرضا والدماء تسيل منه وأخذ يردد الشهادتين وأسرعت من الخوف باتجاه أمي وأخبرتها أني قتلته, وذهبت لتتأكد ووجدته ملقا على الأرض غارقا في دمائه وما تزال الروح فيه, ويجهر بصوته ويردد الشهادتين, وقالت لي أطلق عليه ثانية قبل أن يرتفع صوته أكثر ويسمع الجيران, وأخذت السلاح للمرة الثانية وأطلقت عليه عدة طلقات باتجاه صدره حتى فارق الحياة".
يسكت فهد وينكس رأسه قليلا ليتمالك عبراته ويعود" أنا الآن أمكث في الدار منذ نحو ثمانية أشهر وأمي في سجن الحاير والتحقيقات ما تزال جارية, وأنا نادم على فعلي, ولكن ليس لي ذنب, كما أتمنى أن أخرج من الدار لأعود إلى أمي لأني أحبها كثيرا ولا أدري ما حالها الآن".
أب يفعل الفاحشة في أبنه والأبن..!
:
يروي مشرف النشاط التربوي في دار الملاحظة الاجتماعية, أنه قبل عدة اعوام أتى للدار أحد الأطفال في سن الثالثة عشرة, مشيرا إلى أن قصته تعود إلى أن أباه كان دائما يشرب الخمور ويسهر خارج البيت, وأنه تعود حال رجوعه إلى البيت أن يستدعي أبنه الأكبر ويقفل عليه الباب في أحد غرف المنزل ويفعل به الفاحشة غصبا, مبينا أن الأبن تعود على هذا الحال فترة طويلة من الزمن وأن هذه القصة أثرت على مجرى حياته.
وأضاف الأبن بدأ في طريق الانحراف بعد دخول والده السجن بتهمة المخدرات, كما أنه سلك طريقه في الانحراف وأخذ يتعاطى الخمور وأنواع أخرى من المخدرات, مبينا أن الأبن كان لديه أختين صغار في السن, وأنه في ذات يوم عاد إلى البيت تحت تأثير المسكر, وتوجه إلى أخواته الصغار وفعل بهن الفاحشة, وبادرت أمه في الصراخ لتستنجد بالجيران حتى جاءوا إلى المنزل وأخذوه معهم إلى دار الملاحظة الاجتماعية بعد أن فعل فعلته الشنيعة, ومكث في الدار عدة سنوات وخرج بعدها ولم يعرف مصيره حتى الآن
:
:
أب يتبرأ من أبنه.. ويتبناه شخص ليسرقه!
:
يحكي طلال (ف- م) هذا الأبن ذو البشرة السمراء الذي لم يتجاوز عمره الخامسة عشرة, إنه كان ضحية ظلم والديه وأنه يتمنى الموت, كما أنه حاول أكثر من مره الانتحار ولم يستطع, ويوضح" خرجت إلى الحياة كأي طفل صغير يتمنى حنان الأبوان له, ولكني كنت أعيش لفترات طويلة مشاكل أبي مع أمي, وكان أبي دائما ما يكرهني ولا يعتبرني أحد أبناءه! والسبب أني أسمر, وكان دائما مايتهم أمي بالزنا وأنه أتت بي بطريقة غير مشروعة".
وزاد" كان أبي يضرب أمي بشكل دائم, وذات يوم مع زيادة المشاكل, قرر أبي أن يطلق أمي وبالفعل انفصلا عن بعض, وأخرجني أبي من البيت, وذهبت إلى منزل أمي وأخرجتني من المنزل, وقالت لي أنا لست أمك, وعشت باقي عمري في دار رعاية الأيتام, وخرجت من هذه الدار ليتبناني أحد فاعلي الخير, وبالفعل عشت معه فترة من الزمن حتى استلم مبلغ 50 ألف ريال من وزارة الشؤون الاجتماعية, وبعد أن استلم الأموال أخرجني من البيت وقال لي لا أريدك أن تعيش معي وأنا لست أباك, وأذهب لتبحث عن أهلك".
وأضاف" خرجت بعدها تائها في الشوارع, لأنضم بعدها إلى عدد من رفقاء السوء الذين أجبروني على سرقة الأموال لتأمين المخدرات, ودار الزمن حتى قبض علينا ونحن نسرق أحد السيارات, وأحضروني بعدها إلى الدار".
يقول طلال بعد أن أجهش في البكاء " ما ذنبي إن كان أبي وأمي تبرءا مني, ولم أجد المأوى الذي يحميني من الانزلاق في مهاوي الرذيلة, ثم كيف استرد حقوقي من الرجل الذي غمرتني السعادة عند معرفتي أنه سيتبناني عوضا عن أبي الحقيقي, وبعد ذلك يتضح لي أنه يريد أن يسرق مني الأموال التي هي مقابل تربيته لي ويتبرأ مني بعد ذلك كما فعل أبي.. أتمنى الموت.. أتمنى الموت..
:
:
:
خمر ورصاص ودماء
:
يبدو فائز (16) عاما أكبر بكثير من عمره الحقيقي, كما أن مظاهر الثراء والحياة الرغدة تبدو واضحة على محياه, سألته: ليه جيت هنا يافائز؟
بخجل وانكسار .. قتل.
أنت صغير .. كيف دارت الأمور؟
كنت مع صديقاي في مخيم عائلتنا في الثمامة, ومعنا بندقية صيد, وكنا نشرب الخمر, وحدث خلاف بينهما ونحن الثلاثة في حالة سكر شديد, حاولت الإصلاح لكني فشلت وأخذ الأول السلاح, وهدد بفعل الفاحشة بنا وقتلنا, فأخذت منه البندقية بقوة وقتلته.
ثم ماذا ..
بس .. أنا نادم وأشعر بأنني لا أستحق الحياة, لعن الله الخمر هي السبب, أضاعت حياتي.
:
:
:
طلاق وحرمان
يقول جابر (16 عاما) النزيل في الدار أن طلاق أمه أثر على حياته و أنه عاش بعيدا عن حنان الأم منذ أن كان عمره ثلاث سنوات, وأن والده تزوج من أمرأة أخرى كانت تضربه وتضطهده وتخرجه من المنزل وتحرض والده عليه.
وقال جابر: كنت دائما أخرج من المنزل وأذهب إلى العيش عند عدد من أصدقائي, وتعرفت بعد ذلك على رفقاء السوء الذين أوقعوني في شراك المخدرات, وكنت أذهب إلى البيت بعد غياب طويل وكان أبي يربطني بسلاسل من حديد كي لا أخرج من المنزل.
وأشار إلى أن والده أحضره إلى الدار ثلاث مرات, مبينا أنه في كل مرة يقطع عهدا لأبيه بأن لا يعود إلى فعله السابق ويخرج من الدار, وأن المرة الأخيرة أخبره والده أنه سيمضي باقي حياته في دار الملاحظة الاجتماعية.
ويتابع جابر بمرارة: أبي لا يحبني ويمنعني أنا وأخوتي الصغار أن نرى والدتي, وأتمنى أن نعيش إلى جانب أبي وأمي, وفي كل مرة تأتي أمي إلى الدار لتزورني تجهش بالبكاء حتى انتهاء الزيارة.
:
:
سبع سنوات خلف القضبان
في الجانب البعيد من السور العالي الذي يحيط بدار الملاحظة الاجتماعية, كان سالم ذو الملامح القاسية, يفترش الأرض ويحلق بخياله بعيدا, كأنما يرسم عالمه الخاص خلف أسوار الدار.
- قطعت صوره الذهنية, السلام عليكم ..
ينظر باستغراب .. ويرد بخجل: أهلا ..
- أنا صحافي وأسمي ....
- (قبل أن أكمل) شفتك مع المشرف..
- ممكن نسولف ..
- بتردد .. ممكن ..
- كم صار لك في الدار؟
- كثير ..
- متى بتطلع ..
- أنا محكوم بسبع سنين مضى منها عامين ..
- ليه ..
- قضية ..
- شلون صارت
-.. اغتصاب ..
- ...
- خطفت طفلا عمره 14 سنة أنا ورفقاء السوء وفعلنا به الفاحشة ..
هل استفدت من وجودك في الدار؟
- نعم ..
- كيف؟
- أنا ما كنت أعرف الصلاة .. وهنا صرت أصلي .. صح أول ما جيت كنت أصلي بس عشان المشرفين بس الحين أصلي لله, وأنا الحين أصوم الإثنين والخميس وكلي ندم وأتمنى أن يسامحني الله. تتساقط الحروف من شفتيه دون ترتيب .. يستعيد قواه: لعن الله الشييطان ورفقاء السوء, سأكفر عن ماضيي بعد السنوات السبع وسأكون داعية يحذر الأبناء والشباب من أصدقاء السوء والشيطان.
من ارشيفي[/align]