,
من خلال تجاربي السابقة ,
اعتدتُ ان اكسب قلوب طالباتي بـ عَرض انصاتي ومسامعي لكل مايتسبب بمضايقتهن ,
فعلى الرحب والسعة دائماً ..
قابلت العديد من الطالبات الملتجآت فالكل منهن لا تتعدى مشاكلهن اسوار عقولهن بحجم اعمارهن ,
احاول قدر المُستطاع ان انزل قليلاً لتلك الأسوار .. فلا غرابة ان كان الحوار بيني وبينهن يكتسي بالبساطة والسطحية ,
فَلِـ غَضاضة خيالاتهن الحق بهذا النزول من قِبلي ,
الى ذلك اليوم الذي رَفَعْتُ به رأسي من زمرة ملفات العَمل على صوت تلك الطالبة التي مازالت تحاول ان ترتعش لـ تنفض بقايا الطفولة من جسدها ,
وتقتلع آثارها بكحل ازرق تخطه على جفن عينيها السفلي كناية عن (أنا .. كبرت)
اجلستها على مكتبي لأسمع منها ما حضرت لأجله ,
اعطيتها اشارة البدء وانا اتوقع بأنها كسابقاتها , لن تتعدّى شكواها ان فلانة سرقت دفتري , وتلك اخذت قلمي بلا استئذان .
ولكن توقعاتي لم تصيب لحظتها , فهذه المرّة ليست ككـل مرّة !
وجدت امامي طفلة , لكنها تتفوق على الكبار بحديثها ! يتعبيرها عن زوايا المُشكلة (وان كانت تافهة) فهذا لا يهم بقدر مايهم طريقة ايصالها لي وتوضيحها , طريقة الحوار والأخذ والعطاء ! الإثباتات .. الأدلة .. الفرضيات !
اصبحت مشدوهة أمام هذا الكم الهائل من اساسيات الحوار التي مازلنا نفتقدها نحن الكبار فكيف بالأطفال ؟
تذكرت حينها أنها (مصرية الجنسية) فأختفت معالم شداهتي رويداً ,
ومنذ ان ودّعتها وخَرجت من باب مكتبي خرجت معها تساؤلاتي , ومفارقاتي
وما السبب بهذا الاختلاف بين اطفالنا واطفالهم ؟
متى سنُهدي أطفالنا مساحات أكبر للحوار ,
ومتى نتبرأ من سياسة القمع والكبت وتكميم الأفواه حتى ينشأ الفرد في بيئة صحية (حوارياً) .. بيئة عميقة غير سطحية ؟
هنا وأثناء كتابتي لهذا المُتصفح اعادتني الذاكرة الى الخلف قليلاً فتذّكّرت تلك الاستاذة المصرية في مراحل دراستي الاخيرة حينما كانت تَقطع الدرس من اجل ان تُجيب على سؤال طفلتها الصغيرة ثم تُعاود اكمال الدرس , في وقت اصبح فيها الآباء يَتفننون بتصميت اطفالهم , وسكب الشتائم المُلوِّثة لنموهم الصحي , هنا قَبضت على مربط الفرس بيدي وتيقنت انه ينقصنا الكثير من اجل ان نصل لهذه البيئة النظيفة حوارياً بيننا وبين اطفالنا , وان نعقد حبال الوصل بيننا وبينهم بلا قَطع او حتى تمزيق !
,