[align=right]أهلا وتحية ..
وصباح / مساء مُتخم بمذكرات مريرة ..
..[ مدخل ] ..
أحيانا يود الإنسان أن يكتب رسائل لتصل ..
وإن كانت مريرة ..
أنا هنا سأكتب مرارتي التي مازالت عالقة في فمي مرارة من أربع وعشرون سنة .. ولم أستطيع أن أتخلص منها ..
لم أكن أخاف الظلام ..كنت أندس في ثناياه ..متقدمة العتمة الشديدة ومتحرشة بالمجهول الذي يختبئ فيه ..!!
هل لأني لم أكن ناضجة ..!!
وهل النضج معناه الخوف من كل شيء ..!! متى تعلمت أن أخاف ..!!
متى كانت أول لحظة غُرست فيها هذه النبتة في داخلي ..!!
في أول يوم ذهبت فيه إلى المدرسة ..!!
كان عمري خمس سنوات , وكنت أبكي باستمرار في حضن [جدتي] رحمها الله وأسألها بلا انقطاع :
لماذا لا أذهب للمدرسة مثل أختي [ عذاري ] ..
جدتي كانت تحبني كثيراً وتلبي كل طلباتي , قالت لأمي : اذهبي غداً إلى المدرسة ولا تعودي حتى تسجليها هناك ..جلست على الكرسي في الرواق أمام غرفة المديرة بثوبي القصير وبساقي النحليتين ..
[أمي] رحمها الله تقف بعباءتها السوداء أمام مكتب المديرة تحاول بخجل إقناعها أن تقبلني لديهم ..
والمديرة ترفض قائلة : بنتك مازالت صغيرة ..
وبعد إلحاح تقبلني كمستمعة ..!!
كنت طفلة عندما تعلمت لأول مره معنى العقاب ,
الحكمة من أن تفهم أنك لا شيء إطلاقا , عندما تكون أنت والجدار كلاً واحداً لا يتجزأ , التصق ظهري به بأمر من المعلمة التي جعلتني أرى وأدرك حجم ضخامتها الهائل وتسيدها المطلق , ومدى ضآلتي التي تخيفني من الوجود ..
هناك تعلمت [ ألف باء الخوف] , عندما صُفع خدي وارتجف جسدي النحيل وكنت على وشك الإغماء ,
رأيت شكله الكريه والمسطرة التي تهوي على يدي الطريتين . تتأتأت في أعماقي لغة التعبير عن الذات , حتى أصيبت بالبكم التام . من أنا..!!
لا أحد .
دخلت المدرسة لأكتشف أني لا أحد , لا معنى لي على الإطلاق , ووجدت بعد ذلك أن ميدان الخوف قد اتسع .
وفي السنة التي بعدها سجلت المدرسة مُجبرة , وكان تسجيلي في مدرسة مُغايرة عن مدرستي المُخيفة ..
اعتدتنا من معلمة القرآن أن يكون التسميع بشكل يومي ..
وفي البيت كانت [أمي رحمها الله] وبيديها المصحف وتحفظني سورة قُريش .
ذهبت أنا الطفلة المتحمسة رغم بقعة الخوف المتلطخة من أي شخص يُدعى [ أبلا , معلمة , أستاذة]..
بدأ التسميع و كل صديقاتي لم يخطئن بأي حرف في التسميع والتي لا تخطئ تكون في قطار الشاطرين
وجاء دوري فسمعت :
لإيلاف قريش , إيلافهم رحلة الصيف والشتاء
<<<عكست الشتاء والصيف
وما كان منها إلا أن رمتني بالطبشورة فارتبكت ,
قالت : أعيدي السورة
لم أستطيع , فطفلة صغيرة مثلي تتأتت لغة التعبير لديها , وبصرخة مرعبة بوجهي يا[ ريم ] على قطار الكسلانين .
جاء وقت تحرك القطار المشابه للسلسال بداية بالشاطرين , وهي معهم
يبدأ من فصلنا المزحوم مرورا بالفصول والتعريف عليهن والقول لهن أنهن [ شاطرات ] ..
إلى غرفة المعلمات والمديرة ,
أما أنا فقد كنت في الفصل ومحكم علي الإقفال إلى أن يعودوا ,
جاء دوري الطفلة الوحيدة بقطار الكسلانين , ولا أذكر أن هناك قطار مبتور إلا قطاري المسكين ,
مسكت بي المعلمة مع كتفي وأخذتني بجولة للفصول وتقول لهم هذه الـ [ريم كسلانة] وهذا القطار قطار الكسلانين , إلى غرفة المعلمات والمديرة , وكانت الشفقة تنبع من عيني البعض منهن ويقولون لي : بكرا إن شاءا لله تجين حافظة وتصرين مع الشاطرين هه
بعدها زادت بقعة الخوف والسواد تجاه المدرسة ,
وكانت النتائج .. فشل في الدراسة , تأخرت أربع سنوات من عمري بين السقوط والتأجيل ...
إلى أن عرضتني أمي رحمها الله على طبيب نفسي وعالجني من هذا الذي يُدعى [ فوبيا المدارس ] ..
انتهت قصتي ..
لكن لن انتهي من تذوق طعم مذكراتي النتنة ,
ومازال في مذكراتي الكثير والكثير لعلها تعم الفائدة أكثر من أي شي ,
دمتم بحلاوة لا مرارة ..[/align]