سُئل الشيخ : هل يجوز تقصير اللحية خصوصاً ما زاد على القبضة فقد سمعنا أنه يجوز؟
فأجاب فضيلته بقوله : جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " خالفوا المشركين ووفروا اللحى وأحفوا الشوارب " . هذا لفظ البخاري ، ولفظ مسلم : " خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى " وفي لفظ : " أعفوا " وله من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جزوا الشوارب وأرخو ا اللحى خالفوا المجوس " . وله من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عشرٌ من الفطرة : قص الشارب وإعفاء اللحية " وذكر بقية الحديث .
وهذه الأحاديث تدل على وجوب ترك اللحية على ما هي عليه وافية موفرة عافية مستوفية ، وأن في ذلك فائدتين عظيمتين .:
إحداهما : مخالفة المشركين حيث كانوا يقصونها أو يحلقونها ، ومخالفة المشركين فيما هو من خصائصهم أمر واجب ، ليظهر التباين بين المؤمنين والكافرين في الظاهر كما هو حاصل في الباطن ، فإن الموافقة في الظاهر ربما تجر إلى محبتهم وتعظيمهم والشعور بأنه لا فرق بينهم وبين المؤمنين ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من تشبه بقوم فهو منهم " قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " أقل أحوال هذا الحديث التحريم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم " .
ثم إن في موافقة الكفار تعزيزاً لما هم عليه ، ووسيلة لافتخارهم وعلوهم على المسلمين حيث يرون المسلمين أتباعاً لهم ، مقلدين لهم ، ولهذا كان من المتقرر عند أهل الخبرة في التاريخ أن الأضعف دائماً يقلد الأقوى .
الفائدة الثانية : أن في إعفاء اللحية موافقة للفطرة التي فطر الله الخلق على حسنها وقبح مخالفتها ، إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته . وبهذا علم أنه ليست العلة من إعفاء اللحية مخالفة المشركين فقط بل هناك علة أخرى وهي موافقة الفطرة .
ومن فوائد إعفاء اللحية : موافقة عباد الله الصالحين من المرسلين وأتباعهم كما ذكر الله تعالى عن هارون أنه قال لموسى صلى الله عليهما وسلم : ﴿ يا ابن أمّ لا تأخذ بلحيتي وولا برأسي ﴾ . وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : وكان كثير شعر اللحية .
أما ما سمعتم من بعض الناس أنه يجوز تقصير اللحية خصوصاً ما زاد على القبضة ، فقد ذهب إليه بعض أهل العلم فيما زاد على القبضة ، وقالوا : إنه يجوز أخذ ما زاد على القبضة استناداً إلى ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أنه كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما زاد أخذه . ولكن الأولى الأخذ بما دل عليه العموم في الأحاديث السابقة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن حالاً من حال ...