القائلين بالاستحباب هم جمهور العلماء من السلف والخلف , وكما ذكرتُ لك من قبل أخي العزيز إننا وإن اختلفنا معهم إلا أنه ينبغي علينا أن نتساءل : لماذا قالوا بهذا الرأي ؟؟!
ولهذا نحن نتدارس الأمر هنا .
إذ نحن هنا لسنا بصدد أن يعطي أحدنا رأيه للآخر في هذه المسألة أو تلك , بقدر ما نحن هنا نتحاور ليرى كل واحد منا لماذا قال الآخرون رأيهم المخالف لرأيه ( خصوصاً وأنهم كثيرون ) ؟؟
وقد قام بعض علماء الخلف بمحاولة معرفة سبب قول علماء السلف بالاستحباب وفهم سبب " اضطراب " آرائهم حول فهمهم لأوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم , فتوصل العلماء المتأخرون - اجتهاداً - إلى أن السلف يرون أن أحاديث الآداب يكون الأمر فيها للاستحباب وليس للوجوب , ومنها هذا الحديث .
هكذا فهموا منهج أولئك العلماء من خلال سبر أقوالهم . وأنا أتفق معهم في هذا الرأي لأنه يتوافق مع مقاصد الشريعة ( والتي أرى أنه ينبغي الاعتناء بها ووضعها في الاعتبار عند قراءة النصوص )
لكن الأمر الذي توقفتُ عنده هو :
لماذا قالوا بوجوب إعفاء اللحية ولم يعتبروها هي أيضاً من الآداب فيقولوا بالاستحباب وليس بالوجوب ؟؟!!
وهل قال علماء السلف بوجوب إعفاء اللحية أم فقط العلماء المتأخرون منهم ؟؟!!
وبعد بحث وتأمل وجدتُ أن من عادة العرب قبل الإسلام وبعده ترك شعر اللحية وعدم حلقها تماماً , ولهذا لما جاء الأمر النبوي بإعفاء اللحية , أكد سلوكهم وشرعنه وجعله من الدين .
ومع ذلك :
لم يثبت عن أحد من الصحابة أو التابعين أنه قال ( بوجوب ) إعفاء اللحية وعدم مسها مطلقاً .
صحيح أنه لم يـُعرف عن أحد منهم أنه حلق لحيته تماماً , ولكن هذا - برأيي - من أسبابه العرف السائد آنذاك كما ذكرتُ .
والغريب في الأمر أنه ورد عن بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا يأخذون من لحاهم أو على الأقل لا يرون بأساً في الأخذ من اللحية وخصوصاً في النسك ( ومجرد الأخذ من اللحية يتعارض حسب فهمي مع معنى الإعفاء ) .
ومن الصحابة الذين ورد عنهم أنهم كانوا يأخذون من لحاهم أو لا يرون بأساً في الأخذ منها : عبدالله بن عمر وهذا مشهور عنه , وكذلك ورد عن أبي هريرة وجابر ابن عبدالله روايات ضعفها بعض أهل العلم وصححها آخرون .
وعن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى : (( ثم ليقضوا تفثهم )) قال : " التفث حلق الرأس وأخذ من الشاربين ونتف الإبط وحلق العانة وقص الأظفار والأخذ من العارضين ورمي الجمار والموقف بعرفة والمزدلفة "
وفي لفظ : " التفث الرمي والذبح والحلق والتقصير والأخذ من الشارب والأظفار واللحية " أخرجه ابن جرير واللفظ الثاني ابن أبي شيبة .
كما ثبت عن عطاء ابن أبي رباح ( وهو تابعي ) أنه قال : " كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة " رواه ابن أبي شيبة .
والمقصود بـ " كانوا " أي الصحابة فيما يظهر .
كذلك ثبت عن بعض التابعين أنهم كانوا لا يرون بأساً في الأخذ من اللحية وخصوصاً في النسك كإبراهيم النخعي ومجاهد وغيرهما .
أما من جاء بعدهم من العلماء , فهناك من فهم الأمر بإعفاء اللحية وقص الشارب على أنه أمر للاستحباب وليس للوجوب كالإمام الخطابي المتوفى سنة 388 هـ
كل هذه الأمور جعلتني أعتقد أن الأمر بإعفاء اللحية هو من أوامر الآداب والتي الأصل فيها الاستحباب عند علماء السلف .
والله أعلم .
أرى أني أطلتُ ولذلك أرجو أن تعذرني من إكمال التعليق على بقية مداخلتك الآن , وسأعود لاحقاً إن شاء الله لأعلق على ما لم يتم التعليق عليه . ( مع أني أخشى أن يتشعب الموضوع ويطول فنـَملّ ونـُملّ
)
ولك تحياتي ,,