وهذه بكائية أحد المعاصرين وهو الدكتور غازي القصيبي يقول :
خمسٌ وستُونَ.. في أجفان إعصارِ *** أما سئمتَ ارتحالاً أيّها الساري؟
أما مللتَ من الأسفارِ.. ما هدأت *** إلا وألقتك في وعثاءِ أسفار؟
أما تَعِبتَ من الأعداءِ.. مَا برحوا *** يحاورونكَ بالكبريتِ والنارِ
والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هل بَقِيَتْ *** سوى ثُمالةِ أيامٍ.. وتذكارِ
بلى! اكتفيتُ..وأضناني السرى! وشكا *** قلبي العناءَ!... ولكن تلك أقداري
أيا رفيقةَ دربي!.. لو لديّ سوى *** عمري.. لقلتُ: فدى عينيكِ أعماري
أحببتني.. وشبابي في فتوّتهِ *** وما تغيّرتِ.. والأوجاعُ سُمّاري
منحتني من كنوز الحُبّ.. أَنفَسها *** وكنتُ لولا نداكِ الجائعَ العاري
ماذا أقولُ؟ وددتُ البحرَ قافيتي *** والغيم محبرتي.. والأفقَ أشعاري
إنْ ساءلوكِ فقولي: كان يعشقني *** بكلِّ ما فيهِ من عُنفٍ.. وإصرار
وكان يأوي إلى قلبي.. ويسكنه *** وكان يحمل في أضلاعهِ داري
وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكنْ بَطَلاً *** لكنه لم يقبّل جبهةَ العارِ
وأنتِ!.. يا بنت فجرٍ في تنفّسه *** ما في الأنوثة.. من سحرٍ وأسرارِ
ماذا تريدين مني؟! إنَّني شَبَحٌ *** يهيمُ ما بين أغلالٍ.. وأسوارِ
هذي حديقة عمري في الغروب.. كما *** رأيتِ... مرعى خريفٍ جائعٍ ضارِ
الطيرُ هَاجَرَ.. والأغصانُ شاحبةٌ *** والوردُ أطرقَ يبكي عهد آذارِ
لا تتبعيني! دعيني!.. واقرئي كتبي *** فبين أوراقِها تلقاكِ أخباري
وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكن بطلاً *** وكان يمزجُ أطواراً بأطوارِ
ويا بلاداً نذرت العمر.. زَهرتَه *** لعزّها!... دُمتِ!... إني حان إبحاري
تركتُ بين رمال البيد أغنيتي *** وعند شاطئكِ المسحورِ.. أسماري
إن ساءلوكِ فقولي: لم أبعْ قلمي *** ولم أدنّس بسوق الزيف أفكاري
وإن مضيتُ.. فقولي: لم يكن بَطَلاً *** وكان طفلي.. ومحبوبي.. وقيثاري
يا عالم الغيبِ! ذنبي أنتَ تعرفُه *** وأنت تعلمُ إعلاني.. وإسراري
وأنتَ أدرى بإيمانٍ مننتَ به *** علي.. ما خدشته كل أوزاري
أحببتُ لقياكَ.. حسن الظن يشفع لي *** أيرتُجَى العفو إلاّ عند غفَّارِ؟