العقل البشري يعكس ماتلقاه صاحب العقل من علوم ومعارف والعكس صحيح من تصرفات وأفكار سواء راقية أو هابطة ,
لو تساءلنا : من أين تأتي قابلية عقولنا للسقوط في مستنقع الخرافة والتخلف العقلي ؟ لوجدنا أننا تجاه حالة لا تخلو من الغموض ؛ لكن يبدو لي أن مصدر ذلك يعود إلى أمرين جوهريين :
الأول : هو جهلنا بمعظم ما يقع في الوجود من أحداث ؛ فإذا قلنا : إنه يقع على الكرة الأرضية في الدقيقة مئة مليون حدث ، فإن الواحد منا قد لا يشاهد منها سوى خمسة أو عشرة ؛ والباقي يقع بعيداً عن النظر ، أضف إلى هذا أن خبرتنا بما حدث في الماضي أيضاً محدودة جداً . ولدى الناس إحساس بأن هناك عوالم لا تغطيها حواسنا ؛ ونحن المسلمين مثلاً نعتقد بوجود عالميِ الجن والملائكة ؛ فإذا ما حُدِّثنا عن حصول بعض الأمور الخارقة أو غير المألوفة ، فإن عقولنا كثيراً ما تتقبلها على أنها تنتمي إلى عالم من العوالم التي لا يراها الإنسان ، أو تتصل بالأحداث التي لم يشاهدها ، وتكون تلك الأمور من الخيال أو من الكذب المحض .
الثاني : هو أن عقولنا تتقبل الأخبار التي نسمعها ما دامت تقع في دائرة المعقول ، وترفضها إذا خرجت عن تلك الدائرة ؛ فإذا ما قيل لنا : إن الناس في البلد الفلاني رأوا شخصاً يحمل عشرة قناطير على ظهره ، فإننا نرفض ذلك ، ونعده من قبيل الخرافة ؛ لأنه يقع خارج دائرة المعقول بالنسبة إلينا ؛ لكن المشكلة هنا أن الذي يرسم دوائر المعقول وغير المعقول في غالب الأمر ليس العقل ، وإنما الثقافة والخبرة ؛ فإذا ما قال لك شخص : أعطني ألف ريال لأتاجر لك به ، وستربح مائة ألف في آخر السنة فإن القناعة بذلك وعدم القناعة به لا يقودان إلى العقل وإنما إلى الخبرة والمعرفة بالتجارة ؛ ولهذا فطالما انقسمنا تجاه بعض الأخبار والأحداث إلى فريقين : فريق يقول :
هذا معقول ، وفريق يقول : هذا غير معقول .
وهكذا فقد ظُلم العقل مرتين مرة من قِبَل المشعوذين والمخرِّفين الذين ألغوا دور العقل ، ومرة من قِبَل الذين حرموا نعمة الهداية بأنوار الوحي ، فألهوا العقل ، وطلبوا منه أموراً ليس من شأنه الاشتغال بها .دمت بخير راشد