“هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال ويسبح الرعد بحمده والملائكة
من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال”
(الرعد: 12-13)،
فيخبر الله سبحانه وتعالى انه هو الذي سخر البرق وهو ما يرى من النور اللامع ساطعا من خلال السحاب، يخاف المسافر أذاه وشقته، وطمعا يرجو بركته ومنفعته ويطمع في رزق الله وينشئ السحاب الثقال بالماء، ويسبح الرعد بحمده، أي يظهر قدرته تعالى وجبروته وتسخيره لجميع ظواهر هذا الكون كقوله تعالى:
“وإن من شيء إلا يسبح بحمده”.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال: “اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك”، وعن أبي هريرة انه كان إذا سمع الرعد قال: “سبحان من يسبح الرعد بحمده”، وعن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال:
“سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، إن هذا الوعيد شديد لأهل الأرض”.
مشاهد مؤثرة
والرعد والبرق والسحاب مشاهد معروفة، وكذلك الصواعق التي تصاحبها في بعض الأحيان،
وهي بذاتها مشاهد ذات اثر في النفس حتى اليوم وعند الذين يعرفون الكثير عن طبيعتها،
والسورة تذكر هذه الظواهر متتابعة، وتضيف إليها الملائكة والتسبيح والسجود والخوف لتصوير
سلطان الله المتفرد بالقهر والنفع والضر، وقد سميت السورة ب”الرعد” لقوله سبحانه وتعالى:
“ويسبح الرعد بحمده”،
والرعد ذلك الصوت المدوي وهو أثر من آثار الناموس الكوني الذي صنعه الله أيا كانت طبيعته وأسبابه،
فهو رجع صنع الله في هذا الكون، وهو يحمد ويسبح بلسان الحال، للقدرة التي صاغت هذا النظام،
كما أن كل مصنوع جميل متقن يسبح ويعلن عن حمد الصانع والثناء عليه بما يحمله من جمال وإتقان.
وقد اختار الله سبحانه وتعالى أن يجعل صوت الرعد تسبيحا للحمد، اتباعا لمنهج التصوير القرآني
في مثل هذا السياق وخلق سمات الحياة وحركاتها على مشاهد الكون الصامتة لتشارك في المشهد كله،
وقد انضم إلى تسبيح الرعد بحمد الله تسبيح الملائكة من خوفه وتعظيمه، وفي آية أخرى يقول:
“والملائكة يسبحون بحمد ربهم”.
وقد وردت الإشارة إلى تسبيح الرعد في القرآن مرة واحدة في الآيتين 12 و13 من سورة الرعد،
وهاتان الآيتان الكريمتان تشيران إلى ترابط الظواهر الكونية الواردة فيهما من الرعد والبرق والسحاب
الثقال والصواعق ببعضها بعضاً، وهو ما أثبته العلم الحديث، وتشيران إلى أن الرعد يسبح لله تعالى
ويخاف من عقابه تسبيحا يشبه تسبيح الملائكة وصالحي الإنس والجن وبقية الخلق.
والسياق القرآني في الآيتين يحشد تلك الظواهر الجوية العابدة لله، المسبحة بحمده، ويضيف إليها
الملائكة في مشهد إيماني يظهر الخضوع لأوامره وخوفا ورهبة من غضبه وعقابه واعترافا لجلاله.
ويذكر أهل العلوم الكونية أن كلا من ظاهرتي البرق والعواصف الرعدية تنشآن عن تصادم شحنات كهربائية متعاكسة في السحب، وعندما تتعاظم تلك الشحنات يحدث تفريغ كهربائي على هيئة البرق،
ويؤدي الشرر الناتج عن البرق إلى الارتفاع المفاجئ في درجة حرارة الهواء داخل السحب مما يؤدي
إلى تمدده بأصوات انفجارية شديدة تسمى بالرعد، ونحن نرى البرق بمجرد حدوث الوميض ثم نسمع الرعد، ويقدر حدوث العواصف الرعدية في بعض مناطق العالم بحوالي 45 ألف عاصفة يوميا،
وتعتبر من اعظم الظواهر الجوية المعروفة لنا.