3 -دور العلماء في تجديد الفكر الديني
سيدي، ذكرت قبل المداخلات أن جزء من الخلل العباسي في روح الوصاية هو أن العلماء أصبحوا الموقعين عن رب العالمين، سؤال الأخ الحسن في البداية وسؤال الأخ تركي ألا يمكن اعتبار العلماء هم الرديف، على اعتبار إنه عانينا من ظلم سياسي، عانينا من سوء تطبيق من قِبَل النخبة السياسية الحاكمة؟ ألم يكن إعطاء العلماء هذه المكانة من جانب آخر، قد يكون من زاوية فكرية هو معيق، لكن من زاوية سياسية صرفة،أومن زاوية اجتماعية أخرى ألم يكونوا الرديف الذي كان بإمكانه أن يعادل الإجحاف الذي كان يقع على يد الحكام؟
د. عبد الله الحامد: كان من الممكن، لكن النموذج التربوي أو اهتمام العالم ظل يتناقص شيئاً فشيئاً، يعني لماذا لانجد في تاريخ الأمة إلا أعداد محدودة مثل العز بن عبد السلام تتصدى لقضية الظلم الاجتماعي؟ العلماء في هذا الجانب أهملوا إهمالاً كبيراً، لأن الإخلال بالعدالة الاجتماعية وبقيم المجتمع المدني هو سبب سقوط الدول، كما ذكر ابن خلدون في علاقة الظلم بالفساد، وكما ذكر بن تيمية عندما قال كلمة: "إن الله ينصر الدولة الكافرة إذا كانت عادلة على الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة" الخلل الذي وقع فيه الفكر الديني أنه لم يعطي مبدأ العدالة الاجتماعية والتضحية في سبيلها ما تستحقه.
ماهر عبد الله: عبارة تنم عن وعي حضاري كالذي نطالب به، يعني لم يكن مشغولاً فقط بما اشتهر عنه من قضية الطلاق والزواج التي سجن بسببها.
د. عبد الله الحامد: نعم، هذا بن تيمية له كتاب "السياسة الشرعية" لكن هذه الكلمات التي نسمعها لمثل بن تيمية أو للغساني طبعاً قال الغساني أيضاً كلمة مثلها، وابن تيمية وابن خلدون بنى على ذلك في مقدمته، لكن بن خلدون للأسف لم يُنظر إليه بصفته مفكراً أو عالماً دينياً، لو كان هناك وعي ديني لدى المهتمين بتطبيق البرنامج التربوي الديني لوضعت المقدمة في أساسيات الدروس، لأنها هي الربط بين الدين بمعنى الصلاة والدين بمعنى قيم المجتمع المدني، والرسول –صلى الله عليه وسلم- قال: "أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون منه الصلاة"، يعني الناس سيصلون وسيزكون وسيحجون حتى في ظل دولة كافرة، لكن إذا لم يتحقق العدل الاجتماعي ولم يوجد صناعة ولم يوجد قوة معرفية فستسقط الدولة، سقوط بغداد لم يكن بسبب قلة المؤلفين ولا بقلة المحققين، ولا بقلة المصلين والصائمين، لكن بسبب الإخلال بالقيم المدنية، الإخلال بالعدل، انتشار.. فشو الظلم، سقطت.. سقط البنيان الداخلي.
ماهر عبد الله: طيب لو انتقلنا لسؤال.. أحد أسئلة الأخت أم محمد كونك ذكرت المجتمع المدني في جوابك الأخير، وذكرت قبل المكالمات الديمقراطية، الأخت أم محمد تعتقد أن كل ما تقوم به الدكتور عبد الله الحامد هو محاولة للتوفيق -إذا سمحت لي الأخت أم محمد بإعادة صياغة- تلفيق بين الفكر الإسلامي كما تراه، وبين ما هو مطروح في الساحة اليوم لمسايرة إبداعات العصر ومستحدثاته ليقال أننا عصريين.
د. عبد الله الحامد: قد يبدو هذا لها، وهذا من حقها أن تراه وأن تعبر عنه باللغة التي تراها مناسبة، لكن تبقى الحقيقة قد تكون لها جوانب عديدة، فحصيلة قراءة التاريخ أن الأمم تسقط أو ترتفع بقيم هي أركان الحضارة، فأركان الحضارة هذه لابد من تحقيقها وتحققها سواءً في.. في الصين أو في البلدان العربية أو في الغرب، وبالتالي هل الإسلام يمنع من القيم الحضارية؟ لا يمنع، الإسلام عندما أمر مثلاً بالزكاة، أليست الزكاة لا تنتج إلا عن غنى، أليس الغنى لا ينتج إلا عن صناعة أو زراعة أو تجارة؟ إذن يصبح الاقتصاد مأموراً به في الشريعة، وهكذا، الدفاع عن الأمة، أليست تدافع الأمة بجنس السلاح التي تُضرب به؟ إذن إذا جاءت أمم تغالب الأمة بالتقنية، بالاختراعات، بالصناعات هل نركب هذه المعدات ونحج إلى بيت الله الحرام ونقول (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) أم نسابقهم؟ هل يظل مفهوم الصالحين هو أنهم هم المتعبدون فقط الذي قدم له النووي في كتابه هذا "رياض الصالحين"، "إن لله عباداً فطناء طلقوا الدنيا وخافوا الفتن" طلقنا الدنيا، تزوجها الغربيون، أنتجت لهم أشبال القوة المعرفية والتقنية وغزونا بها الآن، فهذه نتيجة الفك بين إقامة الصلاة وإقامة الحضارة، ثم الديمقراطية هي.. هي الشورى لكن نحن لو قلنا كلمة الشورى لصارت مصطلح مائع الآن، لأن الفقهاء موعوه عندما قالوا هل هي واجبة؟ وهل معلمة أو ملزمة؟ صارت غير مصطلح دقيق، لكن الديمقراطية تحدد معناها، والمودودي نفسه استخدم عبارة الديمقراطية الإسلامية، فهي عندما توصف بالإسلامية ينتهي الجدال، أما أن نتصور أن الدين صلاة وصوماً وحجاً فقط هذه أركان خاصة، لكن للدين أركان عامة التي لا يقوم المجتمع ولا تقوم الدولة ولا تقوم الحضارة إلا بها، فتشجيع العلوم والاختراعات هذا.. فريضة إسلامية، ولذلك محمد رشيد رضا اعتبر القيم المدنية من فرائض الدين، وليست واجبة بالتبعية كما يتصور بعض الفقهاء، بل هي واجبة بالأصالة، لأنه لا يمكن أن توجد أمة قوية بدون قيم مدنية، فبالتالي لماذا نحن نريد نخرج هذه الأشياء من الإسلام؟ الله سبحانه وتعالى يقول: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض) والله –سبحانه وتعالى- يقول (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) من الذي يرث الأرض الآن؟ هم الصالحون لعمارتها، هذا قانون وضعه الله –سبحانه وتعالى- على أساس أن الآخرة هي جزاء.. هي دار الجزاء لمن كفر ولمن آمن، أما الدنيا فهي فيها جزاء من ظلم بسطوته ومن عدل باستمراره سواءً صلى أو لم يصلي، فالله –سبحانه وتعالى- ذكر في الذكر الحكيم أنه لا يعاقب الأمم إذا صلحت، (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) فبناء صلاح الدول وعمرانها في الحياة الدنيا هو العدل الاجتماعي، أي دولة تخل بالعدل الاجتماعي ستسقط، فبالتالي ينبغي أن نفرق أن أركان الإسلام فيها ما يحقق مصالح الدنيا، وفيها ما يحقق مصالح الآخرة، فهذا معنى سعادة الدنيا والآخرة و(ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة).
ماهر عبد الله لم يبق معي إلا دقيقتين بس نعطي الدكتور فرصة للإجابة، مشكور جداً على هذا، عندك دقيقتين فقط، الأخ أنور البدوي يقول -أو مجمل الكلام لو عدنا إلى كلام الأخت أم محمد أيضاً- ثمة مغالطات فيما تفضلت به من كلام، العصر العباسي كان عصر متميز -بكلام الأخ أنور- أنه أين كانت أوروبا والعالم في.. في ذلك الوقت؟ الأخت أم محمد تقول: منذ متى والتاريخ هو.. هو الحكم يعني حادثة تاريخية انتهى أوانها، الأخ الجار الله قال: العصر العباسي انتهى، ما بقي هو منهج، منهج السلف الصالح، فكيف تدافع عن نفسك أم أن هناك مغالطة استشهاد بتاريخ انتهى ولم يعد قائماً؟
د. عبد الله الحامد: هناك قوانين في الاجتماع الإنساني .. الله –سبحانه و تعالى- له سننه الاجتماعية مطردة على جميع الأمم والشعوب، فبالتالي من أخذ بقوانين النشوء والقوة قوي، ومن أخذ بقوانين الضعف ضعف، فبالتالي لماذا ينكر الناس فائدة التاريخ؟ أعتقد إن هذه مسألة الكلام فيها سيطول إذا جلسنا سنقنع فيها، الذي أريد أن أؤكد عليه في ختام الكلام طبعاً أنا أعتقد أن فيما قلته شيء كثير من الغرابة وغير المألوف، ولاشك إنه الصدمة الأولى لأي فكرة غير مألوفة تبدو رفضية، لكن الشيء اللي أطالب فيه أنا هو الرجوع إلى منهج السلف الصالح، لا إلى متون السلف الصالح، يعني إلى كتب الحديث، إلى القرآن الكريم من أجل رؤية ما هي مقاصد الشريعة، ومن أجل صياغة العقيدة الإسلامية صياغة شاملة تجمع بين أركان الإسلام الخاصة التي تخصنا نحن المسلمين وأركان الإسلام العامة التي لابد منها لإقامة أي مجتمع قوي.
للجميع فائق تحيّاتي...