هذا هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجه
انه يوم الحج الاكبر .. انه الشاهد والمشهود
الذي اقسم الله به في القران
هذا افضل يوم في السنه ... يوم العتق من النيران
اشرأبت قلوب الشباب وعقولهم لهذا اليوم ..
امتزج في كيانهم الخوف والحب والرجاء
الخوف من هذا اليوم .. لان يوم عرفه من اصعب ايام
الحج ... لصعوبة الوصول اليها والخروج منها ووجود مكان
مناسب للمكوث فيها
يسأل كثير من الشباب .. يوم عرفه هل هو صعب ؟.. ربما
اضيع في هذا اليوم بسبب الزحام .. دورات المياه هل هي
متوفره ... وماذا عن الطعام ... وماذا عن الزحام ؟؟
اسئله كثيره في ذهن الشاب ... قبل الخروج لهذا اليوم
لقد قيل له ان ما بعد عرفه اهون من عرفه .. ويوم عرفه
هو اول ركن يفعله الحاج من حجه
اربعة ملايين حاج يجتمعون في مساحه لا تتجاوز ( 7 كلم في 7 كلم)
يتساوي الناس بلباس واحد وشعار واحد ورب واحد وقبلة واحده
ويبعث كل شعب مندوبين له في هذا المشهد العظيم .. يجتمع
سكان اكثر من ثلاثمائه دوله ... وما يقارب من عشرة الالاف مجتمع
بشري فيهم الغني والفقير والامير والمأمور والشريف والوضيع
خرجنا في الحافلات المهيئة لنا ... اخذنا الرايه حتى لا يضيع
بعضنا عن بعضنا عند تدافع الناس واختلاط بعضهم ببعض ..
والرايه هي علم طويل يرفع لكي يراه الحاج فيعرف المسير في عرفه
حتى لا يضيع الرفقه بسبب تزاحم الحجاج والسيارات
كان الوجوم يعم الحافله .. لاكلام ولا تعليق .. الكل ينتظر
ما سمع عنه كثيرا وخاف منه كثيرا واحبه كثرا (( عرفه ))
الطريق مغلق من كل مكان .. اجبرنا المرور على سلوك الطريق
الدائري مما صعب المهمه في الوصول الى المخيم المخصص
لم نصل الى المخيم الا في حدود الساعه الواحده ظهرا
خمس ساعات حتى وصلنا الى عرفه
موقف طريف
رأيت طفل صغير اوربي لبس البنطال وفوقه الاحرام .. ورأيت
برادات توزع العصير والمشروبات والمثلجات ... ورأيت امم الارض
تسعي وتطوف ... رائحه عوادم السيارات تتزاحم مع ارجل الحجاج
تأتي الناس افواج افواج .. جماعات بشريه تسير تحت رايه واحده
كل واحد منهم يخشي ان يضيع عن الرفقه فيمسك بزمام من
امامه وبهذا يحدث التدافع بين الحجاج
سرنا والرايه امامنا مسافة ثلاث كليو مشي على الاقدام
وصلنا الى المكان المخصص وكان ضيقا جدا لا تكاد تجد فيه
موضع قدم ... دورات المياة مؤقته وقليلة ... والناس فيه متزاحمون
برنامج عرفه
قام احد طلبة العلم ووعظ موعظه بكيت منها العيون ووجلت
لها القلوب لقد ذكر الحجاج برحمة الله واحسانه ... ثم صلينا الظهر والعصر قصرا وجمعا
قام كل حاج بعد الصلاة واستقبل القبله واخذ بالدعاء .. بعض
طلاب العلم بقيا رافعا يديه من الظهر الى المغرب ..
وبعضهم يبكي واخر يقراء القران وثالث نائم ورابع يتكلم مع
جاره .. ولكل وجهة هو موليها
هاهي شمس مغيب عرفه اذنت بالمغيب ... واشتد الحجاج
بالدعاء واللجاء الى الله ...
كانت من قناعات الحجاج ان يوم مزدلفه يوم انشراح الصدر
ونشاط النفس .. لانهم يعتقدون ان الله غفر للحجاج في يوم
عرفه حتى ان الشيطان يحثو التراب على رأسه من كثرة
مغفره الله لذنوب عبادة ورحمته بهم
كانت القلوب منكسره والافئده خاشعه ...
مواقف طريفه في مخيم عرفه
رأيت صبينا صغيرا
لايتجاوز عمره الخمس سنوات يطوف على الحجاج بالتمر
وعليه ابتسامه مشرقه ووجه صبوح ...
وصل الى احد المشايخ واعطاه التمر ... نظر اليه الشيخ
فقبله واعطاه بعض المال فرفضه بأدب وكأن الطفل يقول اريد ما
عند الله ولا اريد المال
ومن المواقف العجيبه
دخل احد الشحاذين للمخيم وكان شابا ملي الجسم قوي
البدن سعودي الجنسيه
وقال يا معشر الحجاج لقد ضاعت نفقتي وفقدت اهلي واطلب
منكم المساعده ... من يريد الاجر في هذا اليوم ..
بادر الحجاج بأعطائه المال ... هذا خمسين وهذا مائه وهذا
خمسة ريالات ... بجانبي احد الشباب اعطاه المقسوم ..
لم ارتح لهذا الشحاذ .. لمست في وجهه النصب .. وفي عينه
الخديعه والمكر ...
قال احد الحجاج
لماذا لا يطرد هذا المتسول الكذاب ؟؟
قيل له (( حج يا حاج )) وهذه عباره تقال للحاج لكي يصون
حجه عن اللغو والرفث .. يأخي لا تقل كذاب اعطه المقسوم او اسكت ...
قال لقد طرد من المخيم الذي بجانبا والله انكم عاطفيون
قلت له ولماذا تقول اننا عاطفيون ؟؟؟
قال اما رأيت الكيس الكبير الذي يستره بردائه
دققت النظر واذا كيس ابيض مخيوط من القماش قد علقه
بكتفه وستره بردائه الابيض .. واقسم ان الكيس ملي بالمال
الى رأسه بل اكاد اجزم انه يذرف بالمال
مر المتسول بجانبي واعطاني ظهره ووقف عند رجل يعطيه
المال ... كشفت الرداء بدون علمه وخرج الكيس الملي بالاموال
هكذا جاء لملي كيسة بالنقود ...
قال صاحبي حين رأي الكيس
لقد نصب علينا هذا النصاب ... ليتني لم اعطه المال
قلت له لو اشتريت به هديه لاخوانك الصغار لكان اجره اعظم
مر المتسول من جانبي وقرأت في عينه اعطني شي من المال ...
قلت له ... الا تعطيني من هذا الكيس لكي نتقاسمه سويا
نظر الى بغضب وقال
هل تريد بسكويت ... قالها مستهترا
قلت له اتق الله تتسول وتجمع الاموال الطائله في افضل
بقعه من افضل الناس ضيوف الرحمن وحجاج بيت الله الحرام
خرج الشحاذ مسرعا من المخيم
ولايزال سيناريو الشحاذه مستمرا
دخل شحاذ اخر معه نفس الكيس وجمع من المال ماشاء الله
ان يجمع الا ان صحابي لم يعطه المال
قال لي ... لقد ادبني الشحاذ الاول ... انه اغني مني ..
دخلت امرأة عجوز تشحذ
وترفع صوتها وتقول يا معشر المسلمين عندي بنت مصابه
بالفشل الكلوي وانا ارمله وفقيره من يريد الاجر من الله فيتصدق
هم صاحبي باعطائها من المال
قلت له انها نصابه مثل صاحب الكيس الاول
قال لي هذه امرأه والمره ضعيفه واجري على الله
كانت المرأه تجتمع المال من الناس في يديها
وكانت كفها مليئه بالاموال وفجأه وضعت هذه الاموال بعدما كثرت
في كيس داخل عبائتها
انه الكيس ذاته .. والشحاذ ذاته ... ولكنه من جنس اخر
اناس تبتهل الى الله ... واناس تشحذ
خرجنا من المخيم عند غروب الشمس ... سرنا في الطريق واختلطت
الانفاس وماج الناس واختلط بعضهم ببعض .. اكياس من الطعام تمشي عليها
واكوم من الزبائل والنعال وجماعات من الجالسين والمفترشين للطرق تمر بهم ...
المكان ضيق والناس كثر والاطعمه في كل مكان ... وبداءت الانفاس تشتد
انه الخروج من عرفه .. وما ادراك ما الخروج من عرفه ..
من اصعب الاشياء ... وكثير من الحجاج يضيع في عرفه
وقد قلنا للشباب ... اذا ضعت عنا فأذهب الى مزدلفه ثم الى المخيم في مني ..
وصل الجميع الى الباصات المعده وانطلقنا الى مزدلفه
وللحديث بقيه