
( المـرأة الأرمـلة )
شاب وسيم شاهد فتاة جميلة من نافذة ( السيارة ) التي تسير بها في أحدى شوارع المدينة , فجذبت أنتباهه بشدة , وتمنى لو أتاحت له الأقدار أن يتعرف عليها , ثم بات ليلته وصورة وجهها الجميل في خياله , وبعد أيام دخل ألى أحدى المطاعم ففوجئ بالسيدة ذات الجميل الحزين تجلس وحيدة ألى المائدة المجاورة له , فحياها بجرأة وقال لها : أنه راها في الشارع منذ عدة أيام , ففوجئ بها يحمر وجهها وترتبك وتلتفت حولها في قلق , ثم ترجوه أن يخفض من صوته حتى لا يسمعه أحد ! وتعجب الشاب لأرتباكها , لكنه سعد بها بمادلتها له الحديث .. وقدم لها نفسها .. أنا فلان .. وأبدى له رغبته أن يزورها في بيتها , فأعطته عنوانها وموعدا في اليوم التالي . وفي الموعد المحدد كان يطرق باب بيتها , فخرجت أليه الخادمة وأبلغته أن سيدتها قد غادرت البيت منذ دقائق ! وأحس الشاب بضيق شديد .. وكتب أليها رسالة يرجوها فيها أن تحدد له موعدا جديدا , وأنتظر الرد , فمضت ايام قبل أن تصل الى بيته رسالة تحدد له موعد الزيارة , وذهب أليه واستقبلته في صالون بيتها بترحاب .. وتكررت زياراته لها .. وفي كل مره يزداد أفتتاننا بها . وقد عرف من ظروفها أنها أرملة منذ سنوات , ولم تنجب , وميسوررة الحال , وأعترف لنفسه أنها يحبها بجنون , ويريد أن يتزوجها .. وكل الظروف تأهله لذلك , فهو ايضا ثري ولا يواجه مشاكل مادية .. وشخصية هذة الأرملة جذابة .. وجمالها لافت للأنظار , لكن شيئا واحدا فيها يثير في نفسه الشكوك , هو غموضها الغريب , فهي تتكلم معه دائما بصوت خافت , كأنما لا تريد أن يسمعها أحد , وتتلفت حولها بقلق كأنما تخشى شئ شخصا مجهولا يمكن يفاجأها في أي لحظة , وهي رغم أنها تعيش وحيدة فقد طلبت منه الأ يتصل بها مباشرة , وأنما عن طريق صديقة لها تعمل في أحدى المكتبات العامة ..
وبالغ في شكوكه وتصور أنها خاضعة لسيطرة شخص مجهول لا تريده أن يعلم بأمره , ولا يعلم الشاب به , وزاد هذا الغموض رغبة أن يعرف كل شيئا عنها قبل أن يرتبط بها ..
وفي أحدى الأام كان يمشي في أحدى شوارع الأحياء القديمة متوجها الى دعوة غداء .. ففوجئ برؤية الأرملة الجميلة تمشي في الشارع وهي تغطي وجهها بأيشارب أسود .. ودهش لرؤيتها في هذا الحي الفقير ودهش أكثر لهيئتها المضطربة وه تسرع في خطواتها وتتلفت حولها بمن حولها قبل أن تدخل بيتا متواضعا في نهاية الشارع .. وقف ذاهلا في مكانه وضربات قلبه تتزايد .. أذن هذا هو السر التي تخفيه عنه .. ربما رجل تأتي الى لقاءه في هذا البيت القديم ..! فلماذا أذن رحبت بالتعرف أليه وأسستجابت لتودده ..؟ وطاف حول البيت حائرا وخمن أنه بيت يؤجر كغرف مستقلة , فازداد سوء ظنه بها .. وقادته قدماه الى مدخل البيت , فرأى منديلا صغيرا عرف أنه منديلها الذي سقط منها في أرتباكها , وألتقط المنديل ثم غادر الشارع مكتئبا , كان لديه موعد معها في نفس اليوم في بيتها في الساعة السادسة مساء , فقرر أن لا يذهب أليها .. ثم تراجع وقرر أن يزورها ليضع حدا لحيرته معها , وفي الموعد أستقبلته في الصالون فأتته مبتهجة .. مرحبة .. وقالت له : أنها أمضت ساعات اليوم كله في البيت تنتظر زيارته , فلم يتمالك نفسه من الأنفعال وأخرج لها منديلها وقدمه لها قائلا : أنه شاهدها ظهر اليوم في شارع كذا تدخل بيتا تؤجر غرف مفروشة ! ثم سألها بأنفعال عن الرجل التي تلتقي به هناك ! فأجابته مرتعبة بأنها لا تلتقي برجل سواه ..! وهاج الشاب المخدوع .. وثار عليها ثورة هائلة وطالبها بأن تعترف له بالحقيقة لكي يستطيع أن يثق بها .. فأجابته باكية بأنه ليس لديها ما تعترف به .. وأن الحقيقة هي ماذكرته من أنها لا تلتقي برجل أخر غيره ! ولم يصدقها .. ووجه أليها كلمات قاسية .. قابلته بأنهيار والدموع , ثم القى منديلها على الأرض وغادر بيتها منفعلا .. وفي بيته أدرك أنه لن يستطيع أن يتحمل أنهيار أحلامه فجأة , فقرر السفر خارج مدينتهم لفترة طويلة , وسافرا بعيدا ورجع بعد أسابيع وما زال حبها كامنا في أعماقه لكنه لم يستطع أن يعود أليها .. وبعد شهر واحد علم بوفاتها المفاجئة , فصدم صدمة هائلة .. وأحتجب في بيته عدة أيام لا يقدر على الخروج منه ! ثم خرج أخيرا فوجد نفسه يتجه الى البيت القديم في الشارع الفقير ويطرق بابه . وخرجت أليه صاحبة البيت , وسألها عن السيدة التي تستأجر أحدى غرف بيتها وتأتي أليه وقت الظهيرة .. فتذكرتها على الفور , وقالت له عنها : أنها سيدة محترمة أستأجرت غرفتها منذ عامين , لكنها لم تأتي أليها منذ ثلاثة شهور ..!
وتردد قليلا قبل أن يسألها عمن كانت تلقتي به حين تأتي الى غرفتها ,, فأنزعجت السيدة وأكدت له أنها لم تلقتي أبدا بأي رجل في هذا البيت , وأنما كانت تأتي وحدها , وتجلس في غرفتها ساعه أو ساعتين .. تقرأ المجلات , وتشرب القهوة , ثم تنصرف في هدوء ..!
ولم يصدقها الشاب في البداية .. ولكنها أقسمت له على صحة ما قالته , فأنصرف متعجبا وحزينا ..
ومضت اسابيع .. وصورة الأرملة الجميلة لم تفارق خياله , ومع كل يوم يمضي يتزايد أحساسه بأنه قد ألمها كثيرا في لقائهما الأخير , ويتمنى لو كانت على قيد الحياة ليعتذر لها ويواصل معها قصة الحب المبتورة ..
وذات يوم ألتقى بصديق قديم له من ايام الدراسة .. وحكى كل منهما للاخر عن حياته , فروى هذا الشاب قصة الأرملة المحيرة وسأله : هل تصدق أنها لم تلتقي بأحد فعلا في ذلك البيت ؟ ففكر صديقة الخبير في نفوس البشرية طويلا ثم فاجأه بقوله : نعم أصدق ذلك وأصدق أنه لم يكن في حياتها رجل سواك !
فقال له متحيرا : أذن كيف تفسر تصرفاتها هذه .. وغموضها ..؟
فأجابه الصديق : تفسيري الوحيد أنها كانت أرملة جميلة ثرية تعيش وحيدة مع خادمتها وليس لها أبناء .. وحياتها رتيبة خالية من الاسرار , فلا هي تحب أحدا تحلم بالأرتباط به .. وليس هناك من يحبها ويرتب الأرتباط بها .. وساعات النهار طويلة ومملة ,, وساعات الليل بطيئة ثقيلة .. وكل من حولها من النساء لهن أسرارهن الخاصة مع أزواجهن أو خطابهن أو أصدقائهن , فقررت أن تصنع لنفسها ( سرا خاصا ) بها تتخفى به عن الأخرين , وتحس بالأثارة والمتعة وهي تحرص عليه من الانكشاف , وأستأجرت هذه الغرفة وأصبحت تذهب أليها كل بضعة أيام , فتكذب على خادمتها وهي في طريقها للخروج , وتقول لها انها ذاهبة ألى النادي .. ثم تركب السيارة القريبه من الميدان وتذهب الى البيت القديم , وتخفي وجهها بأيشارب وتمضي على قدميها الى شارعه وهي تلتفت حولها في حذر وخوف من أن يراها أحد , ثم تدخل الغرفة وتلتقط أنفاسها المبهورة بعد المغامرة المثيرة , ثم تسترخي وتقرأ , وتشرب القهوة .. وقد لا تفعل شيئا سوى الاستلقاء على أريكة لمدة ساعتين ثم تنهض وتتخفى بألأيشارب أستعدادا لعودتها الى منزلها .. هذا هو التفسير الوحيد .. لقد كانت حياتها خالية من الأسرار , فأشتاقت أن يكون لها هذا السر الخاص .. ولو لم تفسد أنت الأمر مبكرا لأصبحت أن سرها المثير .. وتخلت عن أستئجار تلك الغرفة ..!
من هذه القصة نستفيد من عدة أشياء قالها بعض الأدباء وهي :
أن القصة ساعدت على فهم غامض من جوانب النفس البشرية وأضاءت جانبا مظلما في هذا اللغز ..
فالأنسان هو الكائن الوحيد الذي يتشوق دائما أن تكون له ( اسرار ) شخصية لا يعرف بها أحد وهو في حاجة أن تكون له بعض الخصوصيات الذي لا يود أن يقترب منها الاخرون , وكلما سقط عنه حاجز السرية , تجده يبحث عن سر جديد ! وهذه الخصوصية جزء للانسان لكي يتميز به عن الأخرين ..
لكن الفرق الهام بين الأنسان السوي .. وغير السوي , هو في حدود هذه الخصوصية .. فالأنسان السوي تتقاطع دائرة حياته مع أصدقاءه المقربين , تذوب فيه الخصوصية بينهم , وتصبح الخصوصية فيما بينهم فقط .. لكن الأنسان اللغير سوي . هو من جعل خصوصياته مكشوفه لكل الناس .. وهنا الفرق بين الانسان السوي واللغير السوي ..
يقول أحد الأدباء : ما الانسان ؟ أنه ليس سوى كومة بائسة من الأسرار !
وقال أحد الأدباء ( الحب ) : أن الحب هو أن تهرب مع أنسان ما .. من تفاهة الأشخاص الاخرين ..!
فعلا ما أجمل أن يهرب الانسان مع من يحب من تفاهة الأخرين ,, لكن بشرط : أن يكون فعلا من يحب ويحبه في الواقع ,, لا في الخيال , لكيلا لا يضطر أن يصنعه في الخيال ..!