.... و كانت لي عـادة الآن بدأت أفهمهـا . وهي غلبة الكـذب على الصـدق في لســاني .
كنت أكــذب كثيراً , كَـذِب مقـبول .. و آخـر غـريب.. و الكثـير منه ساذج .. فأن المقبـول منـه حينما
أقـول مثلاً لصديقاتي .. بأن أبـي أشترى لي هدايا جمـيلة . أو أقـول أن أمي تحبني أكثر من أخـوتي ..
و لكـن السـاذج الذي تضحكني دائماً ذكـراه . و هو أني أتوهـم أناس غير موجودين .. و لا تقف الحالة
عند هذا الحـد . ..بل أقـوم بحكـايـة أؤلـئك على صديقـاتي كأنهم حقيقيين . و بلأخـص صديقتي
منـى التي تشـاركني التسكع في الشـارع , كنت أخبرها عن أؤلئكـ الناس و أقدمهم لها على أنهم حقيقـين ..
كانت مخلصـة لي , و تصغي دائمـاً لكَـذبي بأهتمام ... كنت أتخيل لهم أحداث ثم أقصصهن عيلهـا ... و كانت تتابع
معـي ... و لكن مشكلتي دائمـاً هي أنها تطلبني بشكل مباغت ,أكمـال حـدث ما ..كنت قد سردته لها في
وقت مـضى .. فأظل شـاخصـة بها لوهلة , أتذكر أي الكذبات تعـني ..؟ و أحياناً أطلب منها بأرتباك بأن تذكرني
بـأول الحـدث لأني كثيرة النسيـان .. هكذا اتحجج و أهرب من ورطـة الموقف .. و في أحـايين أستخدم
الكـذب لجلب أهتمـام أمـي , فأنشغالهـا بأبي و أمـور البيت ومشـاكله , يجعلها دائمـاً مشغولة الفكـر
و لا تصغـي لي أبداً , إلا في حالة واحـدة ..... إذا وشيت بأحدى النسـوة الآتي يشـاركنــا البيت ..
كانت أمـي تهتم كثيراً لما أقـول . و أحيانا حينما ينتهي الحدث الذي أنقله فتظل أمـي تننظـر إلي بأهتمام
كأنها تتوقع المـزيد .فأضطـر أن أكمل حديثي بكـذب . فقط لكـي لا أخيبهـا . أو أحياناً أنقل حدث بالكامل من نسج
خيالي.و كانت أمي ترتعد من الغيض و هي تصغي,فلا أعلم هل كنت بكذبي مقنعـة , أم أمـي تريد أن تصدق..؟
و على أثر أكـاذيبي أرى أحداثٍ مثيرة .. أرى أمـي تحتج بكذبي لدى أبي , و هو ..أي أبي يبدي تذمـر
و يقـاطع أمي و يتكلم بـكلامٍ كثير تكسـوه الحـده , ثم ما تلبث أمـي أن تبكـي .. ثم أراهـا حينما يخـرج
أبي تخابر أحد بالهـاتف . و محور كلامهـا كـذبي . في الحقيقـة لم يكـن أمر مفرح بالنسـبة لي ..
و لكنه يثيرني و يشعـرني بوجودي .. الآن بدأت أفهم أن الطفـل لا يلجـأ للكـذب . إلا للفت أنتباه الآخرين.
فلم يولد كذّابٍ ...و لكن دائمـاً الظروف الغير مثـالية تخلق العـادات السيئـة . كذا الأطفال الذين يلجأوون
للمشـاغبة أو الذين يكثرون البكـاء بغير سبب .. كل ما يريدونه هو الأنتباه . أو ليقول للكبار حولهم نحن هنا.
و كوني أحـترفت الكذب . قدس الله سري في سن مبكـرة . أخـذت منحى آخـر فيه .. و هو الخداع
أذكـر أن لنا جيران يفتتحـون في داخـل بيتهم بقـالة . هو مشروع صغـير شنطـة حديدية كبيرة تحوي
بعض الحلوى . و أنواع قليلة من البسكـويت . و أكياس البطـاطا ..و كان أكثر ما يهتمون فيه هي سلع الحظ
لرواجها الكبير في الحـارة . و هن لـوح (( الخفق )) كما نتداوله أو نسميه. و هو لوح كبير يحوي علب صغيرة
مغطية بأحكـام و عليها رسومات جميلة . فتختار مربع و المربع الواحد بنصف ريال .. و تنتظر حظك بما يحوي
هذا المربع ...و الآخـر " علكـة طرزان " و هو كرتون كبير يحوي على علب الكبير منها يحوي الأرقام الأولى
مثلاً .. رقم واحد يحوي أكبر العلب الكرتونية و أكثرهن إغراء.. و أثنين يكون أقل من واحد و من ثم ثلاثة ..
و رقـم أربعـة لا يكون في كـرتون بل يكون علكة و لكنها مختلفة ...فاخرة و لذيذة .. و من ثم يكون هناك
علكة مصفوفة كثيرة صغيرة و مغلفـة بغلاف أبيض موحـد و يكون داخل الغــلاف رقـم الحظ ..
و حينما لم تحصل على رقــم , فأنك زبون غير محظـوظ ... فكـنت الجـأ لطــريقـة تجعلني دائمـاً محظوظة
أو هكذا يظنون .. و هو أني أحتفظ بأرقـام الحظ . فإذا نويت أن أبتـاع منهم أذهـب و أنا أخفي العلكـة التي
تحـوي الحـظ .. فإذا طلبن مني وكنت في أحسـن أحوالي أجـد " بناتهم " أن أختار خمس حبات من العلكـة
أقوم أنا بالتمويه و أختار أربعـة . و أضعهـن في قبضتي التي تحـوي الرقم المخفـي .. أفعل هذا لكي
أضمـن حظ فــإذا زاد و نَعِمْتْ بآخــر فتلك نعمتـين .. كانن يرتابن من أمـري و لكني أستطيع أن أنكـر وجودهن.
و ليس فقط شكـوكهن ... كنت أغامر بأرقام أربـعــة و ثلاثـة و لكـن حصل أني تمـاديت و غـامرت برقم أثنين
و كان هذا الرقم الوحيد الكبير الذي لدي... فلمـا ذهبت في يومي المشؤم ذاكـ .. و جدت على غير عادتي
أخوهن المراهق ... كان من المفترض أن أتنبـه لتحـفزهن و هن متحلقـات حوله . و نظـراته هو المتـوعدة ..
و أغير نيتي.. و أبتاع بطـريقة سليمـة . لو كنت فعلت هذا لكفـاني الله شـرّ حـاق بي ... من الواضـح
أنهـن كانن يعلمـن أنني غير نزيهة في الشـراء ... لذلك أستنجدن بأخيهـن ....أذكـر أنني حينما أخترت
كما هي عادتي التمويهية أربـعة . و حولتهن بعملية مفاجئـة إلى قبضتي اليسرى التي تحوي الرقم المجلوب
قال لي بأرتياب ..." باقي واحـد " فـ نفيت كاذبة بأني أبتعـت خمسـة .. و سـارعت ببسط يدي إليــه ..
و أخذت أعد له بصـوت عــال ... 1_ 2_ 3 _ 4 _ 5 _ فسكت و طلب مني أن أكشف عن محتواهن .
فكنت حينها في غايـة الأرتباك . فلما و صلت لرقـم " المغشوش " فيه و هو أثنين .. كشـر عن
غيظـة . و قال لي بحـدة .. أنتِ من الأول لم تشتري سوى أربعـة كنت متأكد ...
هكـذا كان يقـول .. فأقسمـت و أغلظت بالقـسم و ما أكثر أيمـاني الكاذبة . و أنكـرت ..
و لكنه فاجـاني أنه أخـرج أرقام الحـظ _ 1 _ 2 _ من درج صغير في الصندوق الذي يحـوي البضاعـة
عرفت الآن العـبة ...فأنه كما يقـولون إذا أختصـم اللصـان ظهـر المســروق ...
فأنهم كـانوا يغشـون الزبـائن .و يخفـون أرقـام الحظ الكبيرة لكي يستمر الأقبال بشـراء ثم يظهرونه
في الأخـير ... أذكـر أني كنت أتكلم و أحاججـه بصـوت عـال. يظن الرائي لي.. بأن أحدهم ظلمني..
فلما أظهــر الأرقـام . خـرست فجـأة.... و ظللت أحـدق فيه أنتظـر مصـيري .. أذكـر جيداً. كان خـلفه
إضـاءات مضـاءة , كانن متبـاعدات بعض الشـيء..فجـأة رأيتهن يتشـابكـن و يدورن بسرعة
كـإنهن لعـبة كهربـائية . و أشعر كأني أدور معهـن , فصحـوت بعدها على لعناته التي يصبهن فـوق رأسـي
بعـد كفـه الغليظـة تلك . و ختـم لعنـاته بقـوله .. لما تكـبري أبقــي غشـي يا بنت الـ .....
أذكـر أحـداث كثيرة حصلت بعـد ذلك . أمـا أخوتي..فقـد أنكرت بأني عتبت على بيتهـم , و كدت أنكر معرفتهم .!!
و أمـا أخواته فحينمـا يتكلمن عني عنـد أحـد , فـأنـي أسـارع برد الهجـمة إليهـن ,و أذكـر أخفاءهم للأرقام ..
... ربمـا سأعـود ..
.