كبروا المخـدات
سليمان محمد المنديل
في أحد المؤتمرات المخصصة لمناقشة دور الإدارات التنفيذية للشركات في تحقيق عوائد مناسبة للمساهمين، أطلق الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات العالمية تحذيراً، مفاده «لا تقعوا في غرام أصول شركاتكم».
وللتوضيح، فإن من المفترض أن دور وهدف الإدارات التنفيذية للشركات المساهمة هو تعظيم الفائدة والعائد للمساهمين. ولكن هناك عدة احتمالات لنتائج جهد الإدارات التنفيذية لتحقيق ذلك الهدف، يمكن تلخيصها في أربعة احتمالات ممكنة:
ـ الاحتمال الأول: أن توفق الإدارة التنفيذية على تنمية أصول الشركة بشكل متواصل، وأن تنمي الشركة حصتها من السوق، وفي نفس الوقت توفق في زيادة العائد للمساهمين بشكل مستمر. ـ الاحتمال الثاني: هو أن تكون الشركة في وضع استقرار (بدون نمو)، ولكن عائد المساهمين مناسب ومُرْضٍ لهم. ـ الاحتمال الثالث: أن تقوم الشركة ببرنامج نمو كبير وطموح، ولكنها لا تحقق عائداً مجزياً للمساهمين، ويصبح النمو هدفاً بحد ذاته، وقد يتحول إلى عبء على المساهمين. ـ الاحتمال الرابع: ألا تحقق الشركة أيا من أهدافها، ومن ثم يخسر المساهم، ويرى مساهمته تتآكل. وقبل أن أسقط هذه الاحتمالات على واقعنا في المملكة، دعونا ننظر إلى ما حدث، ويحدث في أسواق العالم الناضجة اقتصادياً، ولنأخذ أمريكا مثلا.
في بداية القرن العشرين، بنى الاقتصاد الأمريكي رجال مميزون من أمثال هنري فورد، وتوماس أديسون، وويليام كارنجي، وجون دي روكفيلر، وجي بي مورغان، وكانوا مطلقي الصلاحية في شركاتهم، يتصرفون كالأباطرة، لا يجرؤ أحد أن يسائلهم. ثم جاء الجيلان؛ الثاني والثالث من أولادهم، والمقربون منهما، وكانوا يعاملون بقدسية أقل من المؤسسين، ولكنهم كانوا يتمتعون بهالة كبيرة، ضمنت لهم توفر مزايا من طائرات خاصة لتنقلهم، وصالات طعام خاصة بهم.. الخ. كلها على حساب الشركات، ومن ثم المساهمين.
وفـي بـداية الثمانينات، حدثت حالات إفلاس بنوك التوفير والإقراض (Saving & Loans Banks) وهي ما نبهت هيئة السوق المالية الأمريكية (SEC)، والمساهمين، إلى تجاوزات الإدارات التنفيذية للشركات في استخدام أموال المساهمين، ووضعت تشريعات للحد من تلك التجاوزات. ومع ذلك، فإن طبيعة الجشع في النفس البشرية كانت أقوى من التشريعات، وأقوى من قدرة تنفيذ تلك التشريعات. ولذلك نجد أنه في عام 2001، شهدت أمريكا عدداً من إفلاسات شركات كبرى، أكبرها إفلاس شركة «إنرون»، والتي انخفض سعرها من 91 دولارا للسهم، إلى 15 سنتاً اليوم. وكان سبب الإفلاس تواطؤ إدارة الشركة مع محاسبها الخارجي، شركة آرثر أندرسون (والتي انتهت من الوجود بسبب تلك الفضيحة)، ومع مسؤولي البنوك المقرضة، في إخفاء الخسائر، وهو وضع أدى بهيئة سوق المال الأمريكية لسن المزيـد من القوانين. ويقضي حالياً رئيس شركة أنرون (Jeff Skilling) عقوبة السجن لمدة 25 عاماً. وقد أدى ذلك إلى تقوية دور المحامين في إدارة الشركات، لغرض حماية الإدارات التنفيذية من طائلة القانون. وبالتأكيد أن هذا ليس نهاية المطاف في مسلسل الجشع البشري. هذا هو الوضع في اقتصاد متقدم، فما بالكم بالاقتصادات الناشئة؟ وأهمها بالنسبة لنا هو الاقتصاد السعودي. وبدون الدخول في تصنيف الشركات المسجلة في سوق الأسهم السعودية، فإن النموذج السائد في العالم باحتمالاته الأربعة موجود في سوقنا، مع فارق أنني أعتقد أن سوقنا بها عدد أكبر من الشركات التي ينطبق عليها الاحتمالان الثالث والرابع، أكثر من الأول والثاني، وبإمكان أيٍّ من القراء أن يقوم بتمرين، يصنف فيه الشركات المساهمة السعودية، وفق هذه الاحتمالات الأربعة، وأخشى أنه سيصل إلى ذات النتيجة. اسمحوا لي أن أعود إلى التحذير الذي أطلقه الرئيس التنفيذي، وأوضح سبب إيراده، وعلاقته بالموضوع، وأقول إن التحذير يهدف إلى تنبيه الإدارات التنفيذية بأنها، إن توسعت في شراء الأصول، أو أبقت على أصول غير منتجة، لأنها تريد بناء إمبراطوريات ما أمكنها ذلك. فإن وقوعهم في غرام أصول شركاتهم، على حساب مصلحة مساهميهم، قد يوجد ردة فعل
ة عند المساهمين، تؤدي إلى محاسبتهم وفصلهم.
هذا التحذير، وهذه النصيحة، صادقة في معناها، ولكنني كعامل في قطاع الشركات المساهمة، سأستشهد بمقولتين، فصحى وعامية، لطمأنة زملائي من المديرين التنفيذيين في الشركات المساهمة، بأنه لا يوجد ما تخشونه:
أما الفصحى فتقول: أبشر بطول سلامة يا مُربع.
والعامية تقول: كبّروا المخـدات، فالمساهمون غائبون، أو مغيبون.
http://www.asharqalawsat.com/details...article=414166