مصافحة أولى ......
قصيدة منتقاة لشاعر حلق في سماء الشعر بعيداً
غنى إبداعاً ......ونزف بوحاً ..... وغرد شعراً
شاعرنا هو قامة سامقة ولاشك فقد أحاط به الجمال إحاطة السوار بالمعصم .
هو الشاعر المبدع / عبد الله البردوني
انتقيت قصيدة من روائعه وجهها لأمه حيث الغربة والفقد 
تـركـتني هـاهنا بـين الـعذاب        ومـضت ***  ياطول حزني واكتئابي
تـركـتني  لـلشقا وحـدي هـنا  ***      واسـتراحت  وحـدها بين التراب
حـيـث لاجــور ولا بـغي ولا  ***      ذرة تـنـبي وتـنـبي  بـالخراب
حـيـث  لاسـيـف ولا قـنـبلة  ***      حـيث لاحـرب ولا لـمع  حراب
حـيـث  لاقـيـد ولا سـوط ولا ***       ظـالم  يـطغى ومـظلوم يـحابي
خـلـفتني  أذكـر الـصفو كـما  ***      يـذكر الـشيخ خـيالات الـشباب
ونــأت عـني وشـوقي حـولها ***       يـنشد  الماضي وبي-أواه- ما بي
ودعـاهـا حـاصد الـعمر إلـى  ***      حـيث  أدعـوها فتعيا عن جوابي
حـيـث أدعـوها فـلا يـسمعني  ***      غـير صـمت القبر والقفر اليباب
مـوتـها  كــان مـصابي كـله ***       وحـياتي بـعدها فـوق مـصابي
أيـن مـني ظـلها الـحاني وقـد ***       ذهـبت  عـني إلـى غـير إياب
سـحبت أيـامها الـجرحى عـلى  ***      لـفحة الـبيد وأشـواك الـهضاب
ومـضت فـي طـرق العمرفمن ***       مـسلك صـعب إلـى دنيا صعاب
وانـتهت حـيث انتهى الشوط بها  ***      فـاطمأنت  تـحت أسـتار الغياب
آه  "يـا أمـي" وأشـواك الأسـى ***       تـلهب  الأوجـاع في قلبي المذاب
فـيك  ودعـت شـبابي والـصبا  ***      وانـطوت خلفي حلاوات التصابي
كـيـف أنـساك وذكـراك عـلى  ***      سـفر  آيـاتي كـتاب فـي كتاب
إن  ذكــراك ورائــي وعـلى  ***      وجـهتي حـيث مـجيئي وذهابي
كــم  تـذكـرت يـديك وهـما  ***      فـي يـدي أو في طعامي وشرابي
كــان  يـضـنيك نـحولي وإذا ***       مـسـني الـبرد فـزنداك ثـيابي
وإذا  أبـكـاني الـجـوع ولــم ***       تـملكي شـيئاً سوى الوعد الكذاب
هـدهـدت كـفاك رأسـي مـثلما ***       هـدهد  الـفجر ريـاحين الروابي
كـم  هـدتني يـدك الـسمرا إلى  ***      حقلنا في(الغول) في (قاع الرحاب)
وإلـى  الـوادي إلـى الـظل إلى  ***      حـيث يلقى الروض أنفاس الملاب
وسـواقـي الـنهر تـلقي لـحنها  ***      ذائـباً كـاللطف فـي حلو العتاب
كــم  تـمـنينا وكــم  دلـلتني ***       تحت صمت الليل والشهب الحوابي
كــم بـكت عـيناك لـما رأتـا ***       بـصري يطفا ويطوى في الحجاب
وتـذكـرت  مـصيري والـجوى ***        بـين  جـنبيك جـراح في التهاب
هـا أنـا يـا أمـي الـيوم فـتى ***       طـائر  الـصيت بعيد في  الشهاب
أمــلأ الـتاريخ لـحناً وصـدى  ***      وتـغني  فـي ربـا الـخلد ربابي
فـاسمعي  يـا أم صوتي وارقصي  ***      مـن وراء الـقبر كالحور الكعاب
هــا أنـا يـا أم أرثـيك وفـي ***       شـجو هذا الشعر شجوي وانتحابي