[align=center]
محمد , الملقب بشمس الدين , والمكنى بأبي عبد الله , دمشقي المولد والوفاة ( 691 – 751 هـ ) , كان والده قيِّمًا على المدرسة الجوزية , فنُسب إليها تبعًا لمنصب والده , وقد يحلو للبعض أن يُوجز فيقول : ابن القيم .
بلغت مؤلفاته زهاء ثمانية وتسعين مؤلفًا , وهو تلميذ أحمد بن تيمية , ولم يتعلق الناس بشيء من كتبه كما تعلقوا بكتابه ( زاد المعاد في هدي خير العباد ) , ويقع في خمسة أجزاء , هذا الكتاب الضخم يُعدُّ مرجعًا في الفقه والسنة , وله نوطة عجيبة في قلوب طلبة العلم الشرعي .
هذا الكتاب الضخم لم يؤلفه في حال الإقامة وهو في مكتبته , وإنما ألَّفه في حال السفر , فكان تعجبي مما سطره في المقدمة قائلاً : ( وهذه كلمات يسيرة لا يستغني عن معرفتها من له أدنى نعمة إلى معرفة نبيه _ صلى الله عليه وسلم _ وسيرته وهديه , اقتضاها الخاطر المكدود على عُجرهِ وبُجرهِ مع البضاعة المزجاة ... مع تعليقها في حال السفر لا الإقامة والقلب بكل وادٍ منه شعبة والهمة قد تفرقت شذر مذر ... ) 15 / 1 .
إن ابن القيم هنا يريد أن يقنعنا أنه قد ألَّف هذا الكتاب الموسوعة وهو في حال السفر , فكيف لو كان في حال الإقامة ؟ فهل سيأتي بما لم يخطر على قلب بشر ولا سمعته أذن ولا رأته عين ؟ !
إن ابن القيم هنا أعتقد أنه مال – كل الميل – إلى الغرور حين يقدم لكتابه مثل هذا التصريح , وإنني لأعلم أن كثيرًا من المؤلفين كالجاحظ في كتابه ( البيان والتبيين ) وابن حزم الأندلسي في كتابه ( طوق الحمامة ) وغيرهما , يقولون إن سبب تأليف بعض كتبهم قادم من طلب آخرين وليس من تلقاء أنفسهم ؛ ذلك كيما يوهموا القارئ أن الهمة في تأليف كتبهم لغيرهم ليست كما تكون من عند أنفسهم , فكأنهم يرسلون رسالة للقارئ بأن عدم جودة الكتاب ناشئة من فتور تلك الهمة .
إن ابن القيم قد حدثته نفسه بغرور حين جاء بتلك المقدمة , وراح يقول لنا : إنني ألَّفت زاد المعاد وأنا في السفر , فكيف لو كنت في الحضر ؟ ! إذن ؛ لأتيت بما لم يكن عليه هذا الكتاب كما اليوم . لذلك نجده يسمي ما جاء في الكتاب بالبضاعة المزجاة , وأن فكره مكدود , وهذا غرور ما بعده غرور , أو أنه يريد أن يغيض الأعداء بذلك التصريح , أو أنه يريد أن نعذره في تلك الأخطاء التي وقع فيها في كتابه .[/align]