[align=center]
إذا ذُكرت القصيم ذُكر التشدد الديني , وأنهم حنابلة أكثر من الحنبليـين أنفسهم , ترى فيهم المبالغة في رفض الجديد منذ القدم , حيث يؤولونه إلى مفاسد يرون أنها ستقع عما قريب فيهم , وستحل فيهم مصائب عظام من ورائه , لذلك نجد منهج سد الذريعة الفقهي لهم منه نصيب الأسد بلا منازع , حيث إننا نتذكر رفض تعليم المرأة , ورفض المذياع ( الراديو ) , ورفض جوال الكاميرا حديثًا , وغير ذلك .
حين وردت أحاديث في تحريم المعازف وآلات اللهو , وكما في لهو الحديث في القرآن على رأي ابن عباس ؛ فإن ذم الغناء لما يُحدثه في النفس من عواقب حذر منها الإسلام , فالأصل في الأشياء الإباحة , وإنما يعتريها التحريم لذلك الأثر الذي يُخشى منه على المجتمع .
مشكلة أهل القصيم بتشددهم أنهم أذعنوا لتحريم الغناء وتمسكوا في تحريمه , بينما لم يقفوا قليلاً عند ولوعهم الشديد في الأناشيد الإسلامية , إذ راحوا – أكثر من غيرهم – في التهافت على التسجيلات يخطبون كل شريط جديد , وينتقون أولئك المنشدين عذيبـي الصوت , بل نراهم يسارعون إلى اقتناء المجلات التي تُجري مقابلات وحوارات مع المنشدين المميزين .
لست أدري عِـلَّة هذا التهافت حتى اليوم ؟ فتارة أقول إنها ردة فعل من تشددهم حول رفض الغناء ؛ فاتجهوا سريعًا إلى الترنم بتلك الأناشيد , وتارة أقول إن آذنهم تهوى الطرب , لكنهم يغلفونها بغلاف الأناشيد الإسلامية التي تميل إلى ألحان الغناء , بل وجدنا فيها سرقة ألحان لمطربين مشهورين !!
لقد أثر الغناء ونشوته على أهل القصيم حين رأينا عشقهم المتيم باختيار الأسماء الجديدة والغريبة لأبنائهم , ولأسماء محلاتهم التجارية , ثم ميلهم الملحوظ إلى افتتاح محلات الزهور والهدايا , فجاءت تلك المستحدثات كمن ضيع المشيتين كالغراب .
ومن العجب أنك ترى نوعًا جديدًا من الشباب الذين ليسوا بمتدينين ولا بعاديين , فقد كانوا مذبذبين بين الطوع وبين مسايرة التيار الذي يأمرهم بسماع الغناء وقصات الشعر وتجميل السيارات , وتطريز ثيابهم بأشكال غير مألوفة .
حين نتأمل في الفتيات – كذلك – نجد ولعهن الشديد وانكبابهن على تلك الأناشيد التي تميل إلى ألحان الغناء , وما أدري كيف يخالف الجميع بيت ابن القيم الذي يقول :
حب الكتاب وحب ألحان الغنا - - - في قلب عبد ليس يجتمعانِ
إن القصيم اليوم يعيش حالة مضطربة من جراء تأثير الغناء , فليس بالمجهول إغفال تلك الكوكبة من الشباب الذين بين بين , حتى أن أحدهم ليترنم بتلك الأناشيد تحسبها أغنية لا ينقصها إلا مزمار أو طبلة .
لقد كان الاحتفاء بالمنشدين ومتابعة جديدهم كما متابعة المطربين , والبحث عن أيهما أرق صوتًا وأجود أداءً , فليت شعري متى يفيق أهل القصيم من أنهم يسمعون غناء بثياب أناشيد ؟ ![/align]