أخشى أن يكون لاسمك علاقة بما طلبت
فائدة :
وأما الأحلام أي الرؤى فمنها ما هو حق ومنها ما هو من تلاعب الشيطان ، فقد يعرف الأحياء بطريق الرؤيا الصالحة شيئا من أحوال الميت ، ولكن ذلك يعتمد على صدق الرائي ، وصدق الرؤية ، وقدرة المعبّر لتلك الرؤيا ، ومع ذلك فلا يصح الجزم بمضمونها إلا أن يقوم دليل على ذلك ، فقد يرى الحي قريبه الميت فيوصيه بأشياء ويذكر له بعض الأمور التي يمكن معرفة صدقها إذا طابقت الواقع وقد حصل من هذا وقائع بهذا الشأن فمنها ما يكون مطابقا للواقع ، ومنها ما لا تعلم صحته ومنها ما يعلم كذبه فهي ثلاثة أقسام ، فيجب أن يراعى ذلك بالتعامل مع الأخبار والروايات والقصص المتعلقة بأحوال الموتى .
كتبه فضيلة الشيخ
عبد الرحمن بن ناصر البراك
مسألة : في رجل اشتهر بوقتنا هذا بعلم التعبير وفتح عليه فيه ونور الله بصيرته بمعرفة تفسير الرؤيا وإن كان في غيرها مزجي البضاعة فإذا قص عليه أحد رؤيا بادر إلى تفسيرها فيحمد الله تعالى ويصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلّم ثم يفسرها بكلام أهل الصناعة ويستشهد عليه بأدلة من الكتاب والسنة وما وافق القواعد والمنقول في هذا الفن متبعاً شروطه وآدابه في الأغلب ، ولم يقل عنه مع كثرة تعبيره أنه أخطأ في شيء من ذلك خطأ فاحشاً خالف فيه منقول أهل الفن هذا وقد قرأ فيه كتباً على مشايخ عصره وتفهم ظواهرها بحسب الحال وشاع نفع الناس به وقصدوه من الأمكنة البعيدة لفقد العلماء بذلك ، ثم أن رجلاً كبيراً من الناس قام على هذا الرجل المذكور وأنكر عليه كثرة تعبيره لكل سائل كائناً من كان وسرعة مبادرته لذلك فزجره ونهاه عن تعبير الرؤيا مطلقاً قاصداً نصحه ، وقال له ما معناه : هذا العلم تخييلات من باب الظن والحدث وهو مظنة الكذب والخطأ فلا يجوز العمل به ولا الاعتماد عليه ، فانزجر الرجل المذكور وكف عن تعبير الرؤيا مدة طويلة فتضرر كثير من الناس بسبب ذلك ورموه بألسنتهم وظنوا بأمتناعه أن قصده به طلب الدنيا من الأكابر بسؤالهم له في ذلك واحتياجهم إليه ، وقد وقع في ورطة مع الناس بسبب ذلك وحصل عنده شك وارتياب في هذا العلم هل له حقيقة أو كما يقوله هذا المعترض ؟ وهل الأولى له الرجوع إلى ما كان عليه من التعبير لكل سائل إذ الحاجة والضرورة إليه أم لا ؟ وإذا كان لم يأخذ عليه جعالة فهل يثاب عليه أم لا ؟ .
الجواب : القول بأن الرؤيا وتعبيرها تخيلات لا أصل لها يكاد يخرق الإجماع فإن الكتاب والسنة طافحان بإعتبار الرؤيا وتأويلها ، وقد ورد في الحديث : ( أن رؤيا العبد كلام يكلمه ربه في المنام ) وفي أثر آخر : ( أن الله وكل بالرؤيا ملكاً يريها للنائم ) والأحاديث في ذلك ونحوه كثيرة عن حد الحصر ، وإنما قصر علم الناس عن كثير من المغيبات لعدم وقوفهم على السنة واشتغالهم بها وهي لا تؤخذ إلا من جهة الوحي فعدلوا عن معديها ورجعوا إلى أقوال الحكماء والفلاسفة الجهال الضلال الذين حدسوا بأفكارهم وخمنوا فلم يقفوا على حقيقة الحال كقولهم هذا في الرؤيا ، وكقولهم : في الطاعون ، والزلزلة ، والرعد ، والبرق ، والصواعق ، والقوس ، والمجرة ، والمطر ، والسحاب ، وسائر ما فوق الملكوت وما تحت الأرضين كل ذلك خاض فيه الفلاسفة قبحهم الله بالظنون الفاسدة قأتوا فيها بأشياء أكذبهم فيها صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلّم الموحي إليه بعلوم الأولين والآخرين ، وقول المنكر فلا يجوز العمل به كلام عجيب فإن الرؤيا ليست علم عمل بل إما تبشير بخير أو تحذير من شر ، فأي عمل هنا ؟ نعم التثبت مطلوب وعدم المسارعة والمبادرة وقد تكون الرؤيا صورتها واحدة ، ويختلف تأويلها بحسب الرائي وحاله وصفته وما اتفق في أيام الرؤيا ، وقد تكون الرؤيا من أنواع الكشف الذي يحصل لأرباب الأحوال في كثير من أوقاتهم ، وهذه لا يليق بكل معبر تأويلها إنما يؤلها صاحب حال له معرفة بأحوال القوم ، وفي جواز أخذ الجعالة على تأويل الرؤيا وقفة ، ويقرب الجواز لأنه ليس من الفروض والعبادات التي يمتنع أخذ الأجرة عليها ، ووجه التوقف كونه كلاماً يقال فيشبه الاستئجار على كلمة لا تتعب ولكن الفرق أوضح ، وفي الثواب عليه إذا لم يأخذ أجرة وقفة أيضاً والأقرب أنه لا ثواب لأنه ليس من العلوم المفروضة ولا المندوبة بل من المباحات والله أعلم .
الكتاب : الحاوي للفتاوي
المؤلف : جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي