بريدة.. أو :مدينة "الِهلّي"* !
عن "مدينة المفاخر والمكارم" : بريدة... أحدثكم !
إنها بريدة : مدينة العلم والتجارة والزراعة... وقبل ذلك وبعده : مدينة الرجال الأوفياء لدينهم ولوطنهم وللأخلاق النبيلة .
إنها المدينة التي يرضع أبناؤها حبّها والحنين إليها مع حليب أمهاتهم فإذا فطموا وشربوا ماءها وتنفسوا هواءها وجرت حروف الهجاء على ألسنتهم قال أحدهم : ( يا حوّل يا الّلي ما له بريدة ) !
ومن شؤون بريدة الكثيرة والكبيرة أتحدث عن ظاهرة الضجيج والإزعاج التي بدأت تملأ شوارعها بعد أن كانت إحدى المدن التي جمعت المعادلة الصعبة : النمو + الهدوء .
لقد كان مما يزهو به ساكن بريدة ويغبطه عليه زائرها : هدوؤها وسكونها اللذان يظللانها ويعمران شوارعها وأحياءها ، حتى إني أتذكر أن الدكتور حسن ظاظا ، رحمه الله ، قال في إحدى زياراته لها: "إن بريدة تذكرني بالمدن الفرنسية الهادئة الأنيقة" .
فما الذي غيّر الحال في بريدة فصار الإزعاج سمة شوارعها ؟!
مع أنه لا شك أن النمو السكاني والعمراني الذي شهدته هذه المدينة في الخمسة عشر عاماً الماضية ، والذي فاق كل التوقعات ، عامل مهم في انتقالها من حال المدن الصغيرة التي تتميز بهدوئها وسكون الحركة فيها وانسيابيتها إلى حال المدن الكبيرة التي تتصف الحياة فيها بالصخب وتعقّد الحركة وضجيج النقل ، دون أن يصحب هذا النمو ، مع الأسف ، نمو في خطط الإدارات التي تنظم التمدد والنمو وتضبطه كالبلديات والمرور وغيرها ...
مع ذلك أعتقد أننا نعيش وضعاً غريباً من انعدام شعور بعض الآباء بالمسؤولية تجاه أبنائهم ووطنهم ، لأن الذي يشكل مصدر الإزعاج في الشوارع والأحياء سيارات يقودها شباب في سن المراهقة لم يكن نظراء أكبرهم سناً في الماضي يحلم بأكثر من ( سيكل أربع وعشرين ) ، رضخ أولئك الآباء الكرام الذين نحبهم ونقدرهم لإلحاحهم بشراء هذه السيارات ووضعها في أيديهم !!
وأخص من ظاهرة كثرة السيارات بأيدي المراهقين في مدينة بريدة ظاهرة كثرة سيارات "الهايلوكس" التي صارت من علاماتها الفارقة لها عن غيرها من المدن ، حيث فاقت كل السيارات حتى سيارات الجيب التي اشتهر بها شبابها المراهق ، ويبدو لي أن وكلاء "الهايلوكس" يبيعون منها في بريدة ما يعادل مبيعاتهم لها في مدن المملكة ، لأن تصميها يساعد على ممارسات هؤلاء الشباب بالتفحيط والسرعة وخفة الانتقال مسار إلى مسار ، ولأنها أيضاً أنها تصلح (للكشتات والتطعيس) كما تصلح لداخل لمدينة .
ولهذا فهم يعشقونها و"يدللونها" فيصغرون اسمها حيث يطلقون عليها اسم : ( الهلّي ) تصغير اسم ( هيلة ) من باب "التمليح" و"التدليع" و"الدلال" ، تشبيهاً باسم (هيلة) للأنثى ، أي أن الهايلكوس/ السيارة كـ"الهلّي"/ المرأة باعتبار أنه لا يكاد يخلو بيت بريداوي من اسم "هيلة" واقعاً أو ذكرى ، وصاروا يلقبون من يشتريها بـ(أبو الهليّ) ، ومن اشترى أكثر من موديل هايكس فلقبه : ( أبو الهلالي ) !!
وقائد ( الهلّي ) من هؤلاء المراهقين في بريدة تقرأ في وجهه العجلة وضيق النفس والخاطر ، ولذا فهو من يضع لنفسه نظاماً خاصاً في القيادة والمرور ، فمن حقه أن يتنقل من مسار إلى آخر بأية طريقة يراها (حضرته) ، ومن حق (حضرته) تقدير السرعة التي يراها مناسبة لمزاجه ، ومن حق (حضرته) أيضاً الإزعاج الدائم بصرير الإطارات المرعب عند الانطلاق من إشارة المرور أو الانعطاف في مقاطع الطرق أو في مداخل الحارات ومخارجها وعند إشارات المرور التي نصفها معطل في بريدة !
أما أنت أيها السائق المسكين فيا ويلك إن أنت سرت في طريق توجد فيها ( الهلي ) ، فأبو ( الهلي ) لا يرضى المهانة : إنه لا يسمح لأحد أن يتجاوزها ، ومن سولت له نفسه ذلك فسيجد (الهلي) تطير بأجنحة السرعة لتصحيح الوضع ، وحضرة (أبو الهلي) لا يسمح لأحد أن يقف في إشارة المرور أمامها أبداً ، لأنه إذا حضرت ( الهلّي ) ( أم الهكي ) فإن لها صدر الطريق وللآخرين الرصيف أو القبر !
هذا هو واقع هؤلاء المراهقين بدعم آبائهم مع الأسف الذين أعطوا فلذات أكبادهم مفاتيح الخطر التي تهدد حياتهم وحياة الآخرين ، لكن في المقابل على المرور ( الغائب في بريدة !!!!) أن يكون أكثر حزماً مع المتجاوزين ، ولقد رأينا الأثر الإيجابي العظيم لنظام "ساهر" في مدينة الرياض بالحدّ من التجاوزات المرورية الخطيرة ، فنفع الله به نفعاً عظيما أكثر من نفع كثير من المواعظ والخطب والدروس والحملات التوعوية التي طالما سمع الناس فيها التحذير والإرشاد من دون فائدة ، فالله عز وجل يزع ـ أي يردع ـ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .
هنا أقترح شيئاً أختم به وهو أنه إذا كان نظام "ساهر" في الرياض عام لجميع أنواع السيارات فإني أقترح أن يكون عندنا في مدينة بريدة نظام "ساهر" عام ، ونظام "ساهر" خاص بسيارة الهايلوكس ، أقصد : "الهلّي" ، لإننا نعيش زمن "الهلّي" في مدينة "الهلّي" !!
*مع احترامي لمالكي سيارة "الهايلوكس" الملتزمين بأنظمة المرور .
د/ عبدالرحمن الشمالي
Shmaly2010@gmail.com
العرض العادي
