[align=center][blink]هذه لندن وليست بريدة[/blink]![/align]
قلت للزميل الذي شاء مناقشة الانتخابات البلدية في وسط السعودية وعبر عن رغبته عن الذهاب الى مدينة بريدة السعودية، التي شاعت سمعتها كمعقل للمتشددين، قلت له لا تحتاج أن تشد الرحال فتبدد جهدك ومالك، انظر حولك في لندن، ستجد الوضع أكثر اثارة. فقد اقتحم عدد من الشباب الآسيويين الملتحين مسجد ريجنت بارك، حيث عقدت منظمة اسلامية مؤتمرها الصحافي، وأمام عشرات الصحافيين صرخوا في وجه السكرتير العام للمنظمة اقبال سكراني، بأن الانتخابات كفر، والمشاركة فيها حرام، وحذروه من المضي فيها.
هذه لندن، وهؤلاء من مواليدها، وليسوا من لاجئي بيشاور، أو من أطلال تورا بورا، وليسوا من عقر دار السلفية السعودية. وعندما يحتج ثلة على الانتخابات يعيشون في منطقة زراعية نائية، ربما بعضهم لم يمروا من مطار في حياتهم، ولم يجلسوا امام شاشة تلفزيون، ولا قرأوا مجلة أو صحيفة، فهم يعبرون عن وضع طبيعي، فكل واحد منهم ابن بيئته، ولا غرابة أن يعتبر التصويت كفرا. لكن عندما تأتي من شبان في مقتبل العشرين من العمر رضعوا في مجتمع يقوم في اساسه على الانتخاب، ودرسوا في مدارس تعلم احترام الأفكار المختلفة، وينتسبون لمجتمع يقدس التعددية، هنا تصبح الحالة ظاهرة غريبة، تستحق الرحيل اليها ومحاولة فهمها.
ولأن هذا المجتمع لا يرى في مقاطعة الانتخاب الا انتخابا في حد ذاته، والامتناع هو ممارسة ديمقراطية تعبر عن رأي فئة، كما للآخرين الحق في ان يشاركوا، فهو لن يقلق كثيرا منها، بقدر ما يجد فيها شيئا من التسلية. وليس في المقاطعة ونهي الناس عن الانتخاب لأنه كفر بخطأ أو خطر، الا عندما يعتبر الناخبون والمرشحون كفارا ومرتدين يجب محاربتهم. هنا تبدأ الحرب.
اقبال سكراني يحاول منذ عقد ونصف، بناء تجمع اسلامي يستمد طاقته من صيغة عمل المنظمات المدنية البريطانية التي تتمتع بهامش كبير. يحاول الاستفادة من المناخ الاكاديمي الديناميكي، والمساجد الكبيرة كمراكز تجمع وحوار، والمؤتمرات الصحافية كجسر لايصال رأي انصاره ورأي يعبر عن مليون ونصف مسلم في بريطانيا. في وسط هذا البناء السياسي يأتيه من الشباب، لا من عجائزه، ومن مواليد الغرب العلماني التعددي لا المشرق المتدين، من يعيده الى المربع الأول، رافضين الانتخاب من حيث المبدأ والممارسة. انها حالة لم تكن تخطر ببال احد قبل عشر سنوات، لكن عدوى التخلف لم توفر حتى مرابع لندن. والمفارقة انها العاصمة التي تحدث سياسيوها عن حماسهم لنقل تجربتهم الديمقراطية للعالم وراء المحيط، فإذا بهم يغزون في عقر دارهم. فقد تسلل الرفض الفكري خلال العقدين الماضيين، وفشلت المؤسسات البريطانية حتى في الإحساس به ودرس تبعاته.
منقول من جريدة الشــــــر ق الأوسط / لسبـت 14 ربيـع الاول 1426 هـ 23 ابريل 2005 العدد 9643