[align=right]المحرك الأساسي للمقاطعة ، هو انفعال وجداني ، ولذلك لا بد لها من جرعات " عقلانية " ، حتى لا تتحول من " فعل حضاري " ، إلى همجية وعنف تؤكد ما أرادت الرسومات إثباته . ولهذا كانت هذه النقاط :
1- التسلح بالوعي . فالمقاطعة لمجرد المقاطعه ، أو لأن فلانا قال بها ، وعلان أيدها .. هذا يجعل منها تصرفا أعمى لا هدف له ، ولا نهاية . لا بد أن يعي الفرد : لماذا يقاطع ؟ ولأي شيء ؟ وما هو الشيء الذي يريده من المقاطعة ، الذي بتحققه تنتهي المقاطعة ؟ لا بد أن يسأل كل واحد منا هذه الأسئلة . ولا بد أن يجيب عنها من تولوا كبر هذه المقاطعة .
هناك مجهود ضخم في الدعوة للمقاطعة : مواضيع في المنتديات ، رسائل بريدية ، رسائل الجوال ، حديث المجالس . لكن ، لا نجد مثل هذا المجهود يصرف على " مدة المقاطعة " ، وعلى " الهدف الرئيسي منها " . رغم أن هذه الأشياء ضرورية ورئيسية جدا .
المقاطعة ، كما أن لها بداية ، فبالضرورة ستنتهي ، وتتحول إلى جزء من التاريخ ، وتدخل في تشكيل وعي الأجيال القادمة . فإن فشلت هذه التجربة ، ستفقد الأجيال القادمة ثقتها بها .
فالوعي ضروري هنا ، بل يمثل الأساس .
2- الحرص أشد الحرص على " نظافة المقاطعة " . وتكمن نظافتها في التالي :
أ- التذكر دائما أنها " اختيار " ، اختيار حر ، يقع في دائرة المباح . فالرافض لها : لا يجرم ولا يتهم في دينه .
ب- ألا ينخدع المقاطع بمن يوظف المقاطعة لمصالحه الشخصية ، وأن يجعل منها دعاية يستفيد منها ، أو يكسب من خلالها رصيدا جماهيريا أو ماديا . أن يحذر المقاطع من أن يقع ضحية مشاعرة الصادقة ، وأن يتم ابتزازه من خلال هذه المشاعر .
ج- المقاطعة لا تعني غياب الفرد وتهميشه ، فليس من الضروري أن نتفق على " تفاصيل المقاطعة " ، بل الإتفاق على الهدف كاف في حد ذاته ، وكل حر في تحقيقه بحدود الوسائل السلمية .
د- الإبتعاد عن العنف ، ونبذه ، واتهام كل من يدعو له . سبب المقاطعة هو تصوير النبي كإرهابي ، وداعية عنف ؛ فكل من يدعوا لهذا العنف ، هو أولى بالمقاطعة من الدنمارك .
هـ- الإبتعاد عن لغة " السب والشتم " ضد الدنماركيين ، والتذكر دائما أننا نقاطع لأجل محمد ، لا لأجل أنفسنا . ومحمد كان اليهودي يضع قمامته عند بابه ، فلا يمنعه ذلك من أن يعطيه حق الجار . نحن هنا نقاطع الدنمارك ، ولا نعاديها ولا نكره الدنماركيين . نحن هنا نسجل موقف ، ونعتبر أن ما بدر منهم هو إساءة لنا . وكل ما كان تسجيل هذا الموقف حضاريا ، كل ما كان وقعه أقوى .
و- الشعب السعودي هو من قاد حملة المقاطعة ، وحتى الآن مقاطعته هي الأنظف ، والأهدأ ، والأكثر حضارة . والدنمارك نفسها تنظر للسعوديين كمركز ثقل ، سواء لموقعهم في العالمالإسلامي ، او لتمثيلهم بؤرة استهلاكية ضخمة . لذلك يجب علينا أن نشجب كل أعمال العنف التي وجهت للدنمارك ، وتوضيح أن غرضنا من المقاطعة : ليس معاداة الدنمارك ، بل تسجيل اعتراضنا على الإهانة التي تعرض لها رسول الإسلام .
ز- التذكر دائما أن المقاطعة : تسجيل موقف ، وليست معاقبة . والموقف المتخذ ينتهي بانتهاء مبرراته .
3- عدم النظر لنصف الكأس الفارغ ، وعدم تصوير الفعل الدنماركي على أنه امتداد للحروب الصليبية ، وتفعيل تفسير الأفعال الغربية على أنها مؤامرة . بل الحكم على الأشياء التي تحدث بالفعل ، لا الأشياء المتخيلة ، والتأكد من كل الأخبار التي تصل ، وعدم الإكتفاء بالثقة بناقل الخبر .. بل البحث عن دليل أكثر طمأنينة من موثوقية الناقل . فهناك من يبيح الكذب على الدنمارك لتعزيز المقاطعة وتقوية شأنها .
4- تفعيل لغة الحوار ، وهذه دعوة لمن يتقنون أكثر من لغة ، لتوصيل أسباب هذه المقاطعة ومبرراتها لأوروبا وغيرها .
أظن أن هذه جوانب من المهم الإشارة إليها . فقد كنت اناقش أحدهم قبل أيام ، ودار بيننا هذا النقاش :
سألته : لماذا تقاطع الدنمارك ؟
- لأنهم اساءوا لنبينا .
- وكيف أساءوا له ؟
- رسموا له رسومات .
- وهل رسم النبي ، يعتبر إساءة له ؟
- لا لكنها رسومات كاريكاتورية .. فيها سخرية من الرسول .
- من أخبرك بذلك ؟ هل رأيتها ؟
- لا ، ولكن كل المسلمين قد قامت قيامتهم .
- لماذا لم تقم قيامة المسلمين عندما تم رسم الله ؟
- هل رسموا الله ؟
- هل تذكر قديما ، في أفلام الكرتون ، عندما كنا صغارا . كان هناك فلما كرتونيا تعرضه القناة الثانية ، عندما يزرع أحد الشخصيات الكرتونية بذرة فاصولياء ، لتتحول لشجرة كبيرة تخترق السموات لتصل إلى قلعة الله . هل تذكر هذا ؟
أجب مبتسما : - نعم أذكره
- لماذا لم يقاطع الناس ؟
- لابد أن تعطي اعتبارا لفارق الوعي . فنحن اليوم أكثر وعيا .
- حسنا ، دعنا من هذا . بعد أن تحول الوعي ، وأصبحنا أكثر وعيا . أصدرت هوليوود أكثر من فلم يسخر من الله ، آخرها فلم جيم كيري . كما أن عيسى لم يسلم من كل أنواع السخرية ، والله يقول : " لا نفرق بين أحد من رسله " . ومحمد نفسه ، صورته كتب الإستشراق ومنذ مطلع هذا القرن على أنه زير نساء ودموي . وفي فرنسا قبل فترة قريبة تعرض مسرحية لفولتير يتم فيها السخرية من محمد . لماذا الدنمارك ؟ في الأمر انتقائية ..
- لا ...لا .. لا أعلم ماذا أقول !
-- حسنا ، أنت تقاطع لأجل إساءة وجهت للنبي لا تعرفها ، ولكن قيل لك أنها إساءة . حسنا ، دعنا من ذلك .. قل لي : ما هي مطالبكم من هذه المقاطعة ؟
- ماذا تقصد بالمطالب ؟
- لكل مقاطعة مطالب ، لن تقاطعوهم للأبد . لابد من مطلب ، إذا تحقق انتهت هذه المقاطعة .
- أ..أ ...نريد الإعتذار .
- هذه كلمة عامة ، يستطيع أي شخص فهمها بحسب مزاجه . هناك من يقبل باعتذار الجريدة ، وهناك من يريد اعتذار كل الشعب الدنماركي : فردا فردا ، وهناك من يعتبر الإعتذار بأن تتخذ الحكومة إجراءات ضد الرسامين . أي نوع من الإعتذار تريد ؟ هل يكفيك أسف الجريدة عما آلت إليه الأمور ؟
- طبعا لا يكفيني ذلك ...
لمثل هذا النقاش ، كتبت الموضوع . نعم للمقاطعة ، ونعم لأن نصنع لنا هيبة ، ولكن أن نفعل أشياء بشكل غوغائي بلا أي أساس وأي مبرر .. هنا لا نختلف كثيرا عن قطيع ذئاب او سرب طيور .
شكرا[/align]