رفع الإيقاف عن مساهمة مشروع جزر البندقية والدروس المستفادة
رفع الإيقاف عن مساهمة مشروع جزر البندقية والدروس المستفادة
محمد بن عبدالله السهلي
قبل أيام قليلة طالعتنا الصحف بخبر صدور موافقة المقام السامي على تبرئة مجموعة الدريبي للتطوير والاستثمار العقاري من أي مخالفات نظامية والموافقة على استمرار مشاريعها العقارية وخصوصاً مشروع جزر البندقية. وجاء قرار الموافقة بعد التوصية التي انتهت إليها اللجنة السباعية المشكلة من وزارات الداخلية والشؤون البلدية والقروية والعدل والتجارة والمالية والنقل وهيئة الرقابة والتحقيق. فقد رأت اللجنة عدم وجود أي ملاحظات على أداء مجموعة الدريبي في مشروعها (جزر البندقية). علماً بأنه تم إيقاف المشروع لمدة تسعة أشهر قبل أن تصدر الموافقة على استمراره، والسؤال الذي يدور في ذهن الكثير الآن وهو سؤال مشروع لماذا وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، وما هي المشكلة أساساً وكيف بدأت؟ وكيف تم التوصل إلى تسوية للموضوع.
يعد مشروع جزر البندقية من أكبر المشاريع العقارية السياحية التي تشهدها المملكة مؤخراً من ناحية الفكرة والمساحة والمبلغ المستثمر به، فقبل سنة تقريباً شهدت وسائل الإعلام في المملكة وخاصة الصحافة حملة إعلانية ترويجية ضخمة غير مسبوقة لمساهمة عقارية. وبدأ طرح مساهمة جزر البندقية للاكتتاب العام على أرض المشروع والتي تبلغ مساحته الإجمالية نحو 21 مليون متر مربع على شواطئ أبحر جنوب مدينة جدة، وتم طرح 70٪ من قيمة المساهمة للاكتتاب العام وبقي 30٪ ملك لمجموعة الدريبي، وأوضحت الإعلانات في حينها أن مدة المشروع تتراوح بين 16 و 18 شهراً، وقدرت نسبة الأرباح المتوقعة للسهم الواحد 71٪، ومع بدء المساهمة ومع ضخامة الحملة الترويجية لها بدأ الإقبال على المساهمة بشكل كبير حيث بلغ عدد المكتبيين حوالي 15 ألف مساهم وكانت الأمور تسير على ما يرام، ولكن فجأة وبدون مقدمات صدر قرار بإيقاف الحملة الإعلانية وتجميد المساهمة وكل ذلك بصمت دون أن يتم الإعلان عن ذلك رسمياً ودون أي يصدر أن توضيح من أي جهة رسمية عن سبب هذا الإيقاف، مما أتاح المجال على مصراعيه للتكهن وإطلاق الإشاعات حول أسباب الإيقاف، وفي ذلك الوقت كل ما عرف أن المساهمة تم إيقافها وحسب، وأن مؤسسة النقد العربي السعودي قد جمدت حساب المساهمة والذي بلغ حجمه 2 مليار و56 مليون ريال. مما أدخل المساهمين وغير المساهمين إيضاً في حيرة نظراً لأن المساهمة - وبحسب الحملة الإعلانية التي لم تعترض عليها أي جهة حكومية عن بدء إطلاقها - قرر صدرت بشكل نظامي حيث حصلت على التراخيص الضرورية اللازمة من وزارة التجارة ووزارة الشؤون البلدية والقروية والهيئة العليا لتطوير منطقة مكة المكرمة والتي بدورها تبنت المشروع في الخطة الإستراتيجية للمنطقة.
ونظراً لضخامة المشروع وضخامة المبلغ الذي تم الاكتتاب به من قبل 15 ألف شخص، فقد وجه المقام السامي بتشكيل لجنة سباعية كم أسلفنا لدراسة مدى نظامية المساهمة والوقوف حول ما أثير عنها. وتم تجميد المساهمة إلا أن أمد التجميد قد طال وبلغ أكثر من تسعة أشهر قبل أن يصدر قرار الموافقة على الاستمرار في المشروع، وكانت فترة طويلة جداً وخصوصاً على المساهمين الذين لم يكونوا يعرفون مصير أموالهم أو مصير المساهمة بالضبط. وطيلة فترة التجميد وإيقاف المساهمة لم نكن نسمع أي خبر أو تصريح رسمي يطمئنهم أو على أقل تقريراً يكشف النقاب عن بعض الحقائق حول الموضوع، ولا أعتقد أن في الأمر ما يدعو إلى التكتم والسرية الفائقة فالمساهمة تمس 15 ألف شخص، أضف إلى أن القضية أصبحت قضية رأي عام وبالتالي من حق الجميع معرفة ما يحصل ولو بحده الأدنى، وذلك لقطع الطريق أمام الإشاعات والتكهنات والتي قد تمس سمعة أشخاص أحياناً.
وبعد طول انتظار صدرت الموافقة من المقام السامي لمجموعة الدريبي العقارية على استئناف أنشطتها الاستثمارية وخاصة مشروعة جزر البندقية، وأكدت مصادر صحفية أن الموافقة جاءت بعد تسوية مقدمة من محامي المجموعة إلى الجهات المختصة، وتم حل القضية بموجب النقاط الرئيسة التالية:
أولاً - رفع الإقامة الجبرية عن رئيس مجموعة الدريبي العقارية ليمارس مهامه ونشاطه.
ثانياً - رفع التجميد عن جميع الحسابات البنكية الخاصة بالمجموعة.
ثالثاً - استكمال مشروع جزر البندقية وجوهرة الشرق.
رابعاً - إعطاء مهلة لمدة عامين لمجموعة الدريبي للاستثمار العقاري، لتصفية المساهمة ورد جميع حقوق المساهمين فيها.
وبعد صدور قرار تبرئة المجموعة من أي مخالفات نظامية والموافقة على استمرار مشاريعها، يتساءل البعض قائلاً: هل يجب أن ينتهي الموضوع عند هذا الحد، لا أعتقد ذلك، فالرأي العام و15 ألف مساهم من ضمنهم من حقهم أن يعرفوا ما هي المخالفات النظامية التي نسبت إلى المجموعة العقارية والمشروع لكي تتوقف مساهمة تقدر قيمتها مئات الملايين من الريالات، فما ذنب المساهمين لكي تتجمد أموالهم أكثر من تسعة أشهر، وهل ستعاد أموالهم الآن لمن يرغب بذلك وهل سيعوضون عن هذه الفترة. وإذا كانت مجموعة الدريبي بريئة من أي مخالفات نظامية، فهل سيتم محاسبة كل من أثار هذه الزوبعة وأدى إلى تأخر تنفيذ المساهمة وتجميد أموال المساهمين كل هذه الفترة.
ومن منطلق قاعدة رب ضارة نافعة فهذه القضية لا تخلو من حسنات وإيجابيات حيث يمكن أن نخرج منها بجملة من الدروس ومنها أن القضية أفرزت لنا الكثير من مكامن الخلل التي تعتري المساهمات العقارية والأنظمة التي تحكم الاستثمار في المشاريع العقارية، والازدواج أو التضارب في إجراءات الاستثمار العقاري بين بعض الجهات الحكومية. والشفافية المفقودة في معالجة مثل هذا النوع من القضايا، وتأخر عمل اللجان الحكومية المشكلة للنظر في أي قضية، وضرورة إعادة النظر في آليات عمل الجهات الحكومية عند منح تراخيص أي مشاريع استثمارية تخدم الاقتصاد السعودي. ومراجعة الأنظمة الحاكمة للاستثمار في المملكة.
فجذب الاستثمارات للمملكة، وتوطين الاستثمار تتطلب بيئة استثمارية صحية، فالاستثمار يحتاج إلى مناخ ملائم وإلا فالنتيجة الطبيعية هي هروب أموال المستثمرين السعوديين إلى خارج المملكة وهذا بالطبع ما نخشاه.
إعطاء مهلة لمدة عامين لمجموعة الدريبي للاستثمار العقاري، لتصفية المساهمة ورد جميع حقوق المساهمين فيها.
يجمدون أمواله ويقولون نعطيه مهلة ؟؟!!
طيب ليش ماعاقبوا اللي تسببوا بتجميد المساهمة ؟! أو هم فوق القانون ؟!
التوقيع
المعرّف مُصاب بانفصام الشخصية ، ومايَرِدُ أعلاه لا يعبر بالضرورة عن رأي صاحب المعرف ، والردود تأتي متأثرة بالعوامل المحيطة بها
==
لَيسَ البَلِيَّةُ في أَيّامِنا عَجَباً *** بَلِ السَلامَةُ فيها أَعجَبُ العَجَبِ