مع حبي لقراءة الروايات إلا اني نادرا ما أقرأ رواية لان كثيرا من الروايات تشطح بالخيال في وقت نحن بحاجة الى قراءة للواقع.
رأيت نفسي مشدودا لقراءة رواية (عمارة يعقوبيان)، لمؤلفها «علاء الأسواني» بعدما سمعت عنها وبعدما تم تحويلها الى فيلم.
الرواية تتناول المجتمع المصري بجميع تفاصيله وتناقضاته - كما هي بقية المجتمعات العربية - ولكن كعادة كل روائي باختيار نوافذ وزوايا محددة يطل من خلالها على مجتمعه، فقد اختار كاتب الرواية الاطلال على مجتمعه من خلال تصويره لغالبية افراد المجتمع بأنهم مدمنون على السكر والفواحش والشذوذ والخيانات الزوجية، ولا تكاد تتنقل داخل القصة إلا وتمر على البارات وحانات شرب الخمر والحفلات الراقصة ومظاهر الرشوة وخيانة الأمانة وتزوير الانتخابات، اما التدين فقد اقتصر على بضع حركات يؤديها افراد المجتمع، او تمتمات باللسان لا مكان لها في الواقع.
يقابل تلك الصورة المؤلمة التي رسمها الكاتب صورة مخيفة للتدين المرتبط بتكفير المجتمع والتمرد عليه والتنظيمات السرية والقتل والتفجير، وكأنما المجتمع المصري قد خلا من مظاهر الاعتدال مع ان كل من زار مصر وعرف اهلها يدرك بأن الغالبية العظمى من شعبها بعيدون عن التطرف ناحية الفساد الاخلاقي او التطرف الديني، المهم هو ان مقتضيات التأثير والتشويق في القصة قد تطلبت - بحسب رأي الكاتب - تلك الصورة الدرامية، ولاشك انه نجح في القاء الضوء على حجم التناقضات في المجتمعات العربية والاسلامية التي تهدد بتدميرها من الداخل، وعلى مظاهر الفقر المدقع الذي يقتل كل خير في مجتمعاتنا يقابله الثراء الفاحش والبذخ في طبقات اخرى قد تعيش في نفس المكان - كما هو في عمارة يعقوبيان - كما نجح الكاتب في تصوير كيفية تحول الانسان المتدين البسيط الى ارهابي مجرم بسبب محاربة المجتمع له في ابسط طموحاته واقفال طرق الخير امامه، ثم اذا تأوه من الظلم او اتخذ وسيلة للتعبير عن سخطه - كالذين خرجوا في مظاهرة احتجاجا على موقف حكومتهم من حرب الخليج - تتم معاقبته بقسوة وسجنه وتعذيبه ليخرج بعدها نسخة اخرى تختلف عن سابقتها: ساخطا على مجتمعه، مستعدا للقتل والتفجير.
كذلك فقد اجاد الكاتب في بيان حجم الفساد في المجتمع والذي يبتدئ بالصغير ثم يصعد الى اكبر رأس، والذي صوره الكاتب بالرجل الكبير الذي لابد ان يشارك كل صاحب شركة او وكالة بربع ارباحه لذلك الرجل الكبير وإلا فالويل له، كما صور الكاتب طرق تخريب الانتخابات وتوصيل من يريده الكبار كما نلمسه بوضوح في بلادنا.
ان القارئ لتلك الرواية لا يملك إلا الحزن لا على ابطال الرواية ولكن على تصويرها لواقع أليم نعيشه في مجتمعاتنا المعاصرة، وكأنها تنكئ جرحا نشعر به جميعا ونتألم منه ثم لا يتبرع احد منا لتضميده او تسكين الألم الناتج عنه.
فكم يوجد بيننا ( عمارة يعقوبيان ) في وطننا العربي الكبير وكم هو حجم الفساد الذي يبرز في نواحي هذه الحياة ؟؟.
مع تحياتي للجميع
العرض العادي
