السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوتي ... هنيئاً لنا جميعا دخول رمضان...جعلنا الله وإياكم ممن صامه وقامه إيمانا واحتسابا...
إن شهر رمضان ... مناسبة كبرى لتعويد النفس على العبادة والطاعة والصبر في عصر كثرت فيه فتن الضراء والسراء،
فذهاب البركة في الأوقات ، ونقصان عمل الطاعات وسلوكيات التمنع عن الخير هي من سمات عصور الفتن.
وغاية هذا الموضوع ، هي تذكير النفس والناس بروح الطاعات والعبادات في هذا الشهر الكريم.
[ 1 ]
استقبالك...( رمضان )...
لا شك أن الإنسان إذا عمل عملاً ، أو زار مكاناً ، أو اجتمع إلى شخص ، واستشعر أثناء ذلك أنه لن يعود إليه مرة أخرى ،
فإن ذلك الشعور يضاعف في نفسه شعوراً آخر بضرورة اغتنام تلك الفرصة التي قد لا تتكرر ،
ولهذا فإن الصحابة - رضوان الله عليهم - لما استمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم إلى موعظة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، واستشعروا عمقها وشمولها ،
قالوا : ( كأنها موعظة مودع ، فأوصنا ) ، فاغتنموا الوداع لاستجماع وصية قد لا تتكرر مناسبتها.
ولما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وأحس أنه لن يلقى أمته في مثل ذلك الجمع في الدنيا مرة أخرى ،
جمع لهم من النصيحة في كلمات ، ما تفرق خلال دعوته في عقود وسنوات قائلاً: " لعلي لا ألقاكم بعد يومي هذا " .
إن هذا يدل على أن استشعار الوداع يعطي دافعاً قد لا يتوافر في عدمه،
ومن هنا ندرك السر في نصيحته صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه عندما قال له : " إذا قمت في صلاتك ، فصل صلاة مودع ".
تعالوا نتصور ...... رجلاً مخلصاً يصلي ركعات يعلم أنه يودع الدنيا بها ،
كيف ستكون في تمامها ... في خشوعها ... في شدة إخلاصها وصدق دعائها ..؟
إن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا بهذا الهدي - والله أعلم – كيف نتخلص من آفة تحول العبادة إلى عادة ،
فلماذا لا نستحضر روح الوداع في عباداتنا كلها ، خاصةً وأننا إلى وداع في كل حال ؟ ،
إن رمضان يحل علينا ضيفاً مضيافاً ، يكرمنا إذا أكرمناه ، فتحل بحلوله البركات والخيرات ، يُقدم علينا ، فيقدِّم إلينا أصنافاً من الإتحافات والنفحات ...
ضيف لكنه مُضيف ، وربما يكون الواحد منا في ضيافته للمرة الأخيرة...! أو ربما ينزل هو في ضيافة غيرنا بعد أعمار قصيرة ... فهلا أكرمنا ضيفنا ...؟! وهلا تعرضنا لنفحات مضيفنا...؟!
إن استقبالنا لرمضان ، استقبال المودعين المغتنمين ، لا ينافي استقبالنا له ونحن فرحين مستبشرين ،
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه برمضان ، بشرى التشوق لبركاته ، والتشوف لرحماته في كل ساعاته وأوقاته ،
فيقول لهم : " قد جاءكم رمضان ، شهر مبارك ، كتب الله عليكم صيامه ، فيه تفتح أبواب الجنان ، وتغلق أبواب الجحيم ، وتغل فيه الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حُرم خيرها فقد حرم ".....
أعد التأمل في هذه الكلمات المملوءة بالمعاني ، وتخيل أن فرصة شهر هذه صفاته وتلك نفحاته ، لاحت لك فلم تغتنمها ، على أمل أنها ستعود وتعود ،
ولم تكن عبادتك فيها عبادة مودع حتى فاتتك أوقاتها وتجاوزتك رحماتها...! ألن تستحق وقتها أن توصف بأنك محروم ؟!
لقد كان سلفنا الكرام يترقبون الشهر متمنين تمامه لإتمام صيامه وقيامه متقلبين في أيامه بين الطاعات والعبادات فكان من دعائهم
- كما قال يحيى بن أبي كثير : (( اللهم سلمنا إلى رمضان ، وسلم لنا رمضان ، وتسلمه منا متقبلا )) . وكانوا - كما قال معلى بن الفضل – يدعون الله تعالى ، ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم ،
إن هذا الاستعداد الصادق لاستقبال الشهر وحسن ضيافته ، يدل على قلوب حية ، تعي عن الله كلماته في تعظيم الشهر ،
وتحمل عن الرسول صلى الله عليه وسلم هديه فيه ، يقول ابن رجب – رحمه الله - : ( بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه ، ويدل عليه حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم ،
ثم مات الثالث على فراشه بعدهما ، فرؤي في النوم سابقاً لهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
" أليس صلى بعدهما كذا وكذا صلاة ، وأدرك رمضان فصامه ، فو الذي نفسي بيده ، إن بينهما لأبعد مما بين السماء والأرض ".
أتى رمضان مزرعة العباد
...................... لتطهير القلوب من الفساد
فـأد حـقوقه قـولاً وفـعلاً
..................... وزادك فاتـــخــذه لــلمعاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها
..................... تأوه نادماً يــوم الحــصــاد
تعال معنا نستحضر أحاسيس صيام المودعين ، لعلنا ندع بها دعة تتلف أيامنا ، وعِدَة من الأماني تضعف إيماننا ،
تعال نخص هذا الشهر الكريم بمزيد اعتناء وكأننا نصومه صيام مودع ! ..
تعالوا نقف مع أنفسنا هذه الوقفات لإخراج صيامنا من إلف العادة إلى روح العبادة :
* نصوم رمضان في كل عام ، وهمُّ أ:ثرنا أن يبرئ الذمة ، ويؤدي الفريضة...فليكن همنا لهذا العام تحقيق - نعم تحقيق - معنى صومه ( إيمانا واحتسابا ) ليغفر لنا ما تقدم من ذنوبنا....... ، وهي كثيرة.
*نحرص كل عام على ختم القرآن مرات عديدة ...فلتكن إحدى ختمات هذا العام ، ختمة بتدبر وتأمل في معانيه ، بنية إقامة حدوده قبل سرد حروفه.
* يتزايد حرصنا أوائل الشهر على عدم تضييع الجماعة مع الإمام ، فليكن حرصنا هذا العام طوال الشهر على إدراك تكبيرة الإحرام.
* نخص في رمضان بمزيد من التوسعة على النفس والأهل من أطايب الدنيا الدانية ، فليتسع ذلك للتوسعة عليهم أغذية الروح العالية ، في كتاب يُقرأ ، أو شريط يُسمع ، أو لقاء يفيد.
* إذا أدخلنا السرور على أسرنا بهذا وذاك ، فلنوسع الدائرة هذا العام فندخل السرور على أسر أخرى ، أَسَرَت بعضها الأسِرَّة أو الأساور، في قيد مرض ، أو كيد عدو.
* نتصدق كل عام بقصد مساعدة المحتاجين ، فلنجعل من مقاصدنا هذا العام مساعدة أنفسنا التي بين أضلعنا في حاجتها إلى التخلص من نار الخطيئة ، بالإخلاص في الصدقات بنية مغفرة كل زلة وإطفاء كل خطيئة .
* نحرص على العمرة في رمضان لفضلها ، متطلعين لما بعدها ، فلنجعل عمرتنا هذا العام - إذا أذن الله
- لعمرنا الباقي ، فقد يكون آخر العهد بالبيت ذاك الطواف.
* نحرص وإياك على اكتساب العمل النافع لأنفسنا ، فليكن النفع متعدياً هذا العام ، بنصائح تسدى ، أو كتب تهدى ، لعل الله يكتب في صفائحنا حسنات قوم دللناهم على الخير فـ ( الدال على الخير كفاعله ).
* لنفسك وأهلك من دعائك النصيب الأوفى، فلتتخل عن هذا ( البخل ) في شهر الكرم ، فهناك الملايين من أهليك المسلمين يحتاجون إلى نصيب من دعائك الذي تؤمن عليه الملائكة قائلين : ( ولك بمثل ) .
* الجود محمود في رمضان ، وأنت أهله ببذلك القليل والكثير ، فليمتد جودك هذا العام إلى الإحسان لمن أساء ، وصلة من قطع ، وإعطاء من منع.
* لنكف عن الاعتكاف إلى الناس ونكتفي بالعكوف مع النفس لمحاسبتها ، فلربما يفجؤنا الموت فنعكف بالقبر ، فتحاسب أنفسنا فيه قبل أن نحاسبها.
* نحب التعبد بتفطير الصائمين ، فلنجرد هذه الطاعة من حب المحمدة ، أو دفع المذمة ، لأن البذل بالرياء لا يثيب صاحبه ، بل يصيب مقاتله ، إذ يعطي ولا يأخذ ، ويغرم ولا يغنم.
* قدر رمضان يتضاعف في ليلة القدر ، فهل قدرت في نفسك أنها ربما فاتتك في أعوام خالية ؟! فاغتنمها هذه المرة ، فقد لا تدركها في السنوات التالية.
** (( اللهم بارك لنا في رمضان وتقبل حسن استقبالنا له وأعنا على صيامه وقيامه واجعلنا فيه من الأتقياء الأنقياء العتقاء من النار ..... آآآمين )) **
إذا حصلت الفائدة من هذا الموضوع ،، وحاز على رضاكم
فسيكون هناك باذن الله وقفات يومية في رمضان
من كتاب روح الصيام ومعانيه
وتقبلوا تحيتي