يتربع في صدر المجلس .. نافخاً صدر عنترة ! .. يجتر " النحنحات " وينفث بها لتخنق أنفاس الجالسين من حوله ! و كأنه قد صام و أفطر على بصله !
فالشرط أربعون .. لكل متحذلق أو منافق .. أو حتى مطبل !!
يعتدل في جلسته .. و تنتفخ أشداقه .. إن أحدهم جاء بسيرة آباءه و أجداده .. حتى ولو كانت قصص مكذوبة .. أو غلب عليها طابع القبلية و العنصرية المقيتة !
فجده الرابع عشر .. قد فتك في القبيلة " الفلانية " , قتلاً و تشريداً و سلبا و نهباً .. وهذا عنده من باب الفخر بلا شك !
و جده التاسع و الخمسون .. كان فارساً لا يشق له غبار .. وهنا سيتخيل أن " مسبحته " التي في يده .. لجاما يجذبه نحوه .. و لن يتورع عن إبداء نوع من الرضا .. إن قال أحدهم هذا الشبل من ذاك الأسد !!
و ما دام أن الشرط أربعون .. فالكل .. سيتزلف .. طمعاً في ماله أو جاهه ..
و لو أشاد ببقرة عمياء .. برصا .. لقالوا " إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين " !
و جه آخر ..
يعتبر نفسه .. حبر عصره .. فما من شاردة و لا واردة إلا أفتى فيها .. و عنده من خبرها ما يجعله يشعر بأن قائل " عند جهينة الخبر اليقين " كان يعنيه و يقصده وحده !
يجيب ,, و السائل لم يتم سؤاله .. حتى لا يسبقه إلى الجواب غيره .. يرفع صوته .. و يقاطع بكل بجاحة .. كل من أراد أن يدلي بدلوه .. حتى يقطع عليه الطريق .. و يرغمه على أن يعي و يفهم .. أن الحديث له لوحده !
يزمجر .. و يشتط غضباً .. إن خولف رأيه .. ويحلف باليمين كاذباً .. و يستشهد بأدلة مختلقة .. حتى يثبت الحق في قوله .. ولن يجد غضاضة في خوض معركة دامية و صراع بالأيادي أو حتى بالعصي و الخناجر.. لإثبات موقفه أو رأيه ..!
ولا تجده مهموماً شاحب الوجه .. إلا عندما يمتدح علم أو حسن صنيع أحدهم في حضرته .. و لن يتورع عن انتهاز الفرصة لكيل التهم جزافاً .. و الإنقاص من قدره و شأنه .. و إن جاءت عوامل التعرية .. بعثراته .. عادت دماء وجهه لترسم على شفتيه بسمة .. توحي بقدر الحقد و الضغينة التي يكنها في صدره .. على كل من هو أفضل منه .. ولو شهد له قلبه .. إلا أن تكبره و غطرسته تأبى على نفسه أن تعترف بذلك ..!
فالنبرة الوثوقية و نفس الفوقية عند تلك النوعيات .. تزاحمنا في أرائنا .. و أفكارنا .. و لا نجد مخرجاً لتعامل مع هؤلاء إلا أن نلوذ بالصمت حتى نكون بمأمن منهم ومن كيدهم ..
فهل نصمت ..؟ ولا ننبس ببنت شفه ! و نظل نسمع و نذعن لهم ! و لكن إلى متى ؟
أم هل هناك من طريقة لفرض الرأي دون الشخصية , حتى يتسنى لنا المشاركة بالرأي أو حتى مجرد القرار ...؟!
التقدير ..
طوى ..