العودة   منتدى بريدة > منتدى المجلس العام > المجــلس

الملاحظات

المجــلس النقاش العام والقضايا الإجتماعية

 
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 15-10-08, 09:13 pm   رقم المشاركة : 4
yousef
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية yousef






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : yousef غير متواجد حالياً



إذا كانت البدايات هي التي تحدد النهايات، فإن هذه النهايات هي الأخرى قد تكون بدايات، لأن النص «يتميز بانفتاحه كتابيا ودلاليا»

وقد برع الروائيون في صياغة النهايات الأكثر صخبا والأقوى وقعا، ورغم تفاوت وقع هذه النهايات في نفسية متلقيها فهي تخلِّف صداها وتترك بدايات يستمر امتدادها في الوجدان الجماعي.


وتيمة الموت كانت ولا زالت من أكثر النهايات تواترا في الرواية العربية خاصة الواقعية منها، فبما أن الموت تكون في الواقع ذات وقع قوي فالأحرى بها أن تكون في الروايات أكثر النهايات تعبيرا وإدهاشا.
وما يهمنا هنا هو أن الموت مشخصا في كتاب ليس إلا ضريحا للذكرى. وإذا كان المكتوب “فجيعة” و”قبرًا” فإن الكاتب قاتل يمارس لعبة القتل العمد بنـزعات إجرامية وببرودة مداد ودون أن يهتز له طرف ورقة.ألم يكن هذا ما قصده جبران خليل جبران حين قال: «يغمسون أقلامهم في دماء قلوبنا ثم يدعون الوحي»



وفي هذا السياق يدور حديث شيق بين السارد(خالد) والبطلة (حياة/أحلام) حين يعاتب (خالد) ملهمته (حياة/أحلام) على طريقتها في الكتابة: «أتمنى أن لا يفسد عدد ضحاياك متعتي! » (ذاكرة الجسد- ص124)فتجيبه بأسلوب مراوغ: «-لا إطمئن…فأنا أكره المقابر الجماعية! » (ذاكرة الجسد- ص124) ثم ما تلبث أن تبسط نظرتها النقدية دون مراوغة أو مواربة: «إن المهم في كل ما نكتبه..هو ما نكتبه لاغير، فوحدها الكتابة هي الأدب..وهي التي ستبقى، وأما الذين كتبنا عنهم فهم حادثة سير..أناس توقفنا أمامهم ذات يوم لسبب أو لآخر..ثم واصلنا الطريق معهم أو بدونهم» (ذاكرة الجسد- ص125) وتدافع عن موقفها: «..إن في روايات (أغاتا كريستي) أكثر من 60 جريمة، وفي روايات كاتبات أخريات أكثر من هذا العدد من القتلى، ولم يرفع أي مرة قارئ صوته ليحاكمهن على تلك الجرائم، أو يطالب بسجنهن، ويكفي كاتبة أن تكتب قصة حب واحدة لتتجه كل أصابع الاتهام نحوها، وليجد أكثر من محقق جنائي أكثر من دليل على أنها قصته» (ذاكرة الجسد- ص126)


إن النص في ذاكرة الجسد يسائل القارئ وبجرأة، لماذا يحلو له أن يتابع مأساة أبطال يقاومون القدر باستماتة؟ وما سر هذه النشوة التي تعتريه وهم يتعذبون ويموتون أمامه ؟

النص يقدم إجابات مضمرة من حين لآخر، كمثل قول السارد: « ..أحتقر الناس الذين لا دموع لهم، فهم إما جبابرة..أو منافقون. وفي الحالتين هم لا يستحقون الاحترام» (ذاكرة الجسد- ص120)


ومن حين الى حين يتعمد السارد في “ذاكرة الجسد” أن يمحو الخطوط الفاصلة بين الأدب والواقع، فبقدرة إيهامية فائقة أسهمت التدخلات السافرة المبثوثة في النص على تبئيرها، ينجح السارد وبامتياز في تشخيص المكتوب وإعطائه مشروعيته وواقعيته.وعلى الرغم من هيمنة فكرة الموت طوال الرواية، وتعدد “الميتات” ، فإن المكتوب يدور حول نفسه ليرصد ظاهرة الموت مشخصة فيه حين يصبح سبب الكتابة سببا للقتل والموت: « ستقولين لماذا كتبت لي هذا الكتاب إذن؟ وسأجيبك أنني أستعير طقوسك في القتل فقط، وأنني قررت أن أدفنك في كتاب لا غير» (ذاكرة الجسد- ص404)


النص أيضا يحاول أن يعطي الانطباع بفرادته وتميزه، خاصة في السطور الأخيرة منه، حين يصل الموت ذروة تشخيصه على مستوى الواقع (موت السي الطاهر- حسان- بلال حسين- عبد الكريم بن وطاف- اسماعيل شعلال..) وكتجسيد واقعي لإحدى هاته الميتات نسوق المثال التالي:


« ولم يمت بلال حسين كغيره. قضى سنتين في السجن والتعذيب. ترك فيها جلده على آلات التعذيب.» (ذاكرة الجسد- ص321)وعلى مستوى تشخيص المكتوب (خالد بن طوبال- زياد..) فإذا كانت الاغتيالات والسيارات المفخخة تحكم على أشخاص مثل (مصطفى بن بولعيد- الطاهر الزبيري- محمد لايفا..) بالخروج من حياة واقعية، فإن قانون الكتابة يحكم على شخصيات خيالية بالخروج من حياة تقع في حدود (المكتوب).إذن فما علينا أن نميزه ونعيه هو أن هناك:


أ- موتا واقعيا يؤدي إلى الخروج من الحياة. والسارد يستحضر قصصا كثيرة واقعية من صميم الواقع الجزائري، فيحدثنا عن محاولة فرار من السجن باءت بالفشل: « قاموا بأغرب عملية هروب من زنزانة لم يغادرها أحد ذلك اليوم.. سوى إلى المقصلة» (ذاكرة الجسد- ص223)

ب- وموتا رمزيا يؤدي إلى موت على طريقة (عرائس الفيتش)*. والموت على مستوى المكتوب هو الحل الأخير للتحرر من الآخرين والشفاء من حبهم والانتهاء منهم.


يحتفي المكتوب بموضوعه الموت من الناحية الرمزية على اعتبار أن الحياة رديف للموت، وحين يقول السارد مخاطبا البطلة:« اقرئي هذا الكتاب.. وأحرقي ما في خزانتك من كتب لأنصاف الكتاب، وأنصاف الرجال، وأنصاف العشاق» (ذاكرة الجسد- ص387) ويردف كلامه قائلا: « من الجرح وحده يولد الأدب» (ذاكرة الجسد- ص387) فهو يشير بأسلوب مباشر إلى أن ما هو مكتوب هو الجرح وهو القبر وهو الضريح.ثم إن البطل في “ذاكرة الجسد” يجسد هذا الموت الرمزي حين يمضي إلى حتفه بهدوء جنائزي وبنبرة أكسبها حرارة التوديع، فهو يختفي بالتدريج، وأثناء هذا الاختفاء نطالع في السطور الأخيرة العبارات نفسها التي بدأت بها الرواية: «وقلتالحب ما حدث بيننا..والأدب هو كل ما يحدث) نعم، ولكن..بين ما حدث وما لم يحدث، حدثت أشياء أخرى لا علاقة لها بالحب، ولا بالأدب، فنحن في النتيجة لانصنع في الحالتين سوى كلمات..ووحده الوطن يصنع الأحداث ويكتبها كيفما شاء..ما دمنا حبره» (ذاكرة الجسد- ص403) حضور هذا النص في السطور الأخيرة من المتن الحكائي له ما يبرره، فنحن في النهاية أمام سارد يباغتنا بحدة وعيه وبنضجه المعرفي، فهو بعد أن انتهى من تشخيص الواقع (ما حدث بيننا) ومن تشخيص المكتوب(ما لم يحدث)، يقر ببقاء منطقة ملتبسة على وعينا نعيش فيها وننكتب. ولذا فبمرارة وخيبة يلملم السارد أوراقه: «ولكني أصمت..وأجمع مسودات هذا الكتاب المبعثرة في حقيبة رؤوس أقلام..ورؤوس أحلام» (ذاكرة الجسد- ص404)






التوقيع

@yousef2to
رد مع اقتباس
 
مواقع النشر
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع
:: برعاية حياة هوست ::
sitemap
الساعة الآن 09:06 pm.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Alpha 1
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
موقع بريدة

المشاركات المنشورة لاتمثل رأي إدارة المنتدى ولايتحمل المنتدى أي مسؤلية حيالها

 

كلمات البحث : منتدى بريدة | بريده | بريدة | موقع بريدة