الإشكالات تجدها منثورة في تعليقاتي السابقة , وإن كنتَ تريد ذكرها فلعلي أذكر لك بعضها ( مما أتذكره ) :
1- الأمر بإعفاء اللحية وحف الشارب جاء مقروناً بعلة مخالفة الكفار , كما قد ورد أيضاً الأمر بصبغ الشعر وبلبس النعال في الصلاة لذات العلة وهي مخالفة الكفار .
وبما أنه ثبت أن الأمر بصبغ الشعر وبلبس النعال ليس للوجوب بل للاستحباب , فإن الأمر ينطبق أيضاً على إعفاء اللحية وحف الشارب ( لأن علة الأوامر الثلاثة واحدة )
2- الأمر بإعفاء اللحية لم يرد في السنة أبداً إلا مقروناً بحف الشارب , بينما الأمر بحف الشارب ورد في السنة منفرداً .. ومع ذلك نـُقل لنا إجماع العلماء على استحباب حف الشارب وعدم وجوبه .
وحيث أننا نقول إن حف الشارب مستحب , يلزمنا أن نقول إن إعفاء اللحية أيضاً مستحب بحكم أن الأمر بإعفاء اللحية لم يرد إلا مقروناً بالأمر بحف الشارب وعليه فلابد أن يكون حكمهما واحد .
هذه بعض الإشكالات باختصار , فإن وجدتَ مجيباً أو إجابات عليها فهاتها نتدارسها لعل الله أن يفتح علينا ونستفيد ونفيد .
ولك تحياتي ,,
أسعد الله أوقاتك _ أرجو من الله أن يحفظك .
أدعو الله أن ينفعنا بهذا الرد وأن لايجعل في نفوسنا شيء من الجدال والمكابرة . عزيزي المتزن :
تقول هنا بارك الله فيك :
اقتباس:
الأمر بإعفاء اللحية وحف الشارب جاء مقروناً بعلة مخالفة الكفار , كما قد ورد أيضاً الأمر بصبغ الشعر وبلبس النعال في الصلاة لذات العلة وهي مخالفة الكفار وبما أنه ثبت أن الأمر بصبغ الشعر وبلبس النعال ليس للوجوب بل للاستحباب , فإن الأمر ينطبق أيضاً على إعفاء اللحية وحف الشارب ( لأن علة الأوامر الثلاثة واحدة )
الوجه الأول : أن المخالفة المنصوصة في الحديث جاءت بصيغة الأمر " والأمر في الأصل للوجوب ما لم يصرفه صارف " كما هو مقرر عند علماء الأصول ، فعلى هذا يكون حكم المخالفة الواردة " الوجوب "، ومما يزيد القول بالوجوب قوةً ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من تشبه بقوم فهو منهم "، وهذا الحديث يدل على أن التشبه على أقل الأحوال محرم، ولا يكون ترك ذلك المُحرّم إلا بالمخالفة فتكون في الأصل واجبة ..
الوجه الثاني : إذا تقرر لديك ما سبق وهو أن " المخالفة المأمور بها " واجبة بقي أن ننظر في الأحاديث السابقة وما الصارف الذي صرفها من الوجوب إلى الاستحباب، فنقول :
*أما حديث :" خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم" فقد صرفه ما أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حافياً ومنتعلاً . " قال الألباني : حسن صحيح، وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه- عند أبي داود أيضاً- : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه ولا عن يساره فتكون عن يمين غيره إلا أن لا يكون عن يساره أحد وليضعهما بين رجليه " . قال الألباني : حسن صحيح. فهذه الأحاديث صرفت الأمر من الوجوب إلى الاستحباب .
* وأما حديث :" إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم " .ففيه خلاف فقد جاء عن الإمام أحمد روايةٌ "بالوجوب"، وقد صُرف الأمر بالصبغ عن الوجوب بأمرين :-
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخضب شعره كما جاء في الصحيحين من حديث محمد بن سيرين قال:"سألت أنساً أخضب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال لم يبلغ الشيب إلا قليلاً "وفي رواية مسلم " ولكن أبا بكر وعمر بعده خضبا بالحناء والكتم".
2- ترك جمع من الصحابة للخضاب ومنهم علي وأبي وسلمة وغيرهم فلو كان واجباً ما تركوه.(راجع فتح الباري 10 / 355).
الوجه الثالث : أنه جاء الأمر بإعفاء اللحية غير مقرون بالعلة كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أحفوا الشوارب وأوفوا ( وفي رواية وأعفوا ) اللحى "
وفي رواية " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى " أخرج روايته البخاري (5554) ومسلم (259).
وكما في حديث جابر:" كنا نؤمر أن نوفي السبال، ونأخذ من الشارب" (مصنف ابن أبي شيبة 5/25504).
الوجه الرابع : أن الأمور السابقة كصبغ الشيب ولبس النعال وغيرها كلها طلب فعل أما إعفاء اللحية فطلب ترك وطلب الترك آكد من طلب الفعل لقول النبي صلى الله عليه وسلم "فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" متفق عليه.
الوجه الخامس : أن النهي عن حلق اللحية ليس لعلة المخالفة فقط بل لما فيه من تغيير خلق والتشبه بالنساء والمثلة.
تقول هنا رحمك الله :
اقتباس:
الأمر بإعفاء اللحية لم يرد في السنة أبداً إلا مقروناً بحف الشارب , بينما الأمر بحف الشارب ورد في السنة منفرداً .. ومع ذلك نـُقل لنا إجماع العلماء على استحباب حف الشارب وعدم وجوبه وحيث أننا نقول إن حف الشارب مستحب , يلزمنا أن نقول إن إعفاء اللحية أيضاً مستحب بحكم أن الأمر بإعفاء اللحية لم يرد إلا مقروناً بالأمر بحف الشارب وعليه فلابد أن يكون حكمهما واحد
قد تقرر بأن حديث إعفاء اللحية قد جاء منفردا وعليه فقص الشارب فيه خلاف فقد صح عن زيد بن الأرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من لم يأخذ من شاربه فليس منا "
وجاء توقيت هذا الأخذ في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:
" وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط، وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة " فالأخذ من الشارب واجب بنص الحديث الأول، وبدلاله الحديث الثاني، وقوله: " وليس منا " لا يحتمل إلا وجوب الأخذ ولذلك قال العلامة ابن مفلح في الفروع (1/ 100):" وهذه الصيغة تقتضي عند أصحابنا التحريم "
وقال أيضا (1/ 100):" وذكر ابن حزم الإجماع أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض" ا.هـ
وبنحوه ما جاء عن ابن عبد البر فقد قال في التمهيد (21/ 62):" وقد أجمعوا أنه لابد للمسلم من قص شاربه أو حلقه "
وقال ابن حزم في المحلى (2/ 218):" وأما قص الشارب ففرض"
وإلى وجوبه ذهب العلامة أبو بكر بن العربي كما في الفتح (10/ 339) ونقله ابن دقيق العيد عن بعض العلماء كما في الفتح أيضا (10/ 340).
وبه قال العلامة ابن القيم فقد قال في تحفة المولود (177):
" وأما قص الشارب فالدليل يقتضي وجوبه إذا طال، وهذا الذي يتعين القول به لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به، ولقوله: " من لم يأخذ من شاربه فليس منا " ا.هـ
بل قوله " يتعين " فيه إلزام للقول به، وأنه لا ينبغي القول بخلافه، وهذا صواب إذ كل من ترك القول بالوجوب فهو قد ترك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " من لم يأخذ من شاربه فليس منا " ولا يجوز ترك حديث النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لا يمكن بحال حمل هذا الحديث على معنى يوافق القول بالاستحباب مطلقا.
وقال العيني في عمدة القارئ (22/ 42) عند شرحه للترجمة:
" أي هذا باب في بيان سنية قص الشارب بل وجوبه " ا.هـ
وبه بوب الإمام أبو عوانة فقال في كتابه:
" إيجاب جز الشوارب وإحفائه... "
الوجه الثاني: أن قولهم بالسنية لقص الشارب باعتبار أن هناك صارفاً صرفه من الوجوب إلى الاستحباب وهو ما ذكره ابن حجر :" بأن الأشياء التي مقصودها مطلوب لتحسين الخلق وهي النظافة لا تحتاج إلى ورود أمر إيجاب للشارع فيها اكتفاء بدواعي الأنفس فمجرد الندب إليها كاف" فصار هذا الأمر صارفاً من الوجوب إلى الاستحباب وهذا الأمر لا يتأتى في إعفاء اللحية فليس إعفاؤها من أمور النظافة بخلاف قص الشارب.
الوجه الثالث : ما ذكرناه سابقاً أن قص الشارب طلب فعل أما إعفاء اللحية فطلب ترك وطلب الترك آكد من طلب الفعل لقول النبي صلى الله عليه وسلم "فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" متفق عليه.
ومن قال بأن إعفاء اللحية قد جاء مقرون فقط بالمخالفة نقول له أن الحكم المعلل بنص لا ينتفي إذا انتفت علته، لأن ثبوته بالنص لا بالقياس، وقول العلماء: الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً إنما هو في الأحكام الثابتة بالقياس لا الثابتة بالنصوص، والحكم إذا ثبت شرعاً من أجل معنى زال، وكان هذا الحكم موافقاً للفطرة أو لشعيرة من شعائر الإسلام فإنه يبقى ولو زال السبب ، كالرَّمل في الطواف.