و من الأشياء التي لا أستطيع نسيانها و هي شكّلت شخصيتي فيما بعـــد ..
كنت إلى سن خمس سنوات و أنا قمة رأسي صلع مقفــر ..
و كان ذلك شيء يقلق والديّ لخشيتهم أن يدوم هذا الأمر , كون أحدى القريبات
أستمر معها الصلع إلى سنوات الكِبر ...
و ما يزيد الأمر سوء بأني سمراء و لست جميلة كبابقي أخوتي , و خلق هذا لدي انطواء...
و بحيث أننا كنا نتربى بطريقة تقليدية .لم يتنبه أحد إلى ذلك و يعالجه فيّ ..
و أقصد المعالجة النفسية ... و من الأشياء الطريفة ..تحكي لي خالتي بأنها أيـام ما كانت
عروس تقول كنت شديدة الاعتداد بكم .. وكان زوجــي يبدي الثنـــاء عليكم كثـــيراً
فحصل أن أراد ذات مرة إيصالي لكــم . وكانوا أخوتك...
إذ ما خرجوا إليه عادةٍ فأن خروجهم يسرني , من حيث البهاء و حسن الملبس ..
و لكن حظي العــاثر أخرجك في ذاك اليوم . و كنتِ سمراءٍ صلعاء . نحيلة الجسم ..
و ترتدين ملبس لا يغطي ســوء لـونه , قبح ملبسه .... فسألني زوجـــي عنك..؟؟
فبادرته متجــاهلة بأنك ربما أتيت من الأفــارقة الذين يقطنون في مرتفع الحـــي ..
و كنا نسمّيهم ( الحوج ) .......و كــان من ما يعــاب على أخــتي ...." و تقصــد أمــي "
بأنها رغم حسن اختيارها لملبس أخــوتك إلا أنها تخفــق كثيراً معــك في الاختيــار ...!!؟
أذكر أني همست ضاحكة لخالتي .. و قلت: ربما العيب فيّ ,و ليس في ذوق أمــي الرفيع ...
و أذكر بشيء من الضبابية معــاناة أمي مع صلعي.. حيثها كانت تعصر الجرجير
و تدهن به رأســي و الكراث و أشياء كثيرة ... تقول : كنت أضع فيك ما أنا مقتنعة فيــه
و ما لست مقتنعــة به .. و لكن مجرد ما يذكر شيء لي , أبادر بدفع الأسباب و أضعه في رأسك
و كانت مهمــة أبي هــي المرابطة لدى الصيدليات .. فـ لا يمـر أسبوع إلا أتانا متأبطا زيت جديد ...
...لازلت أذكر ذاك الإعلان حيثــه بقي مدة طويلة في جيب والدي العلوي من ثـوبه..
كان مقتطعــاً من صحيفــة علمت الآن أنها " الرياضيــة " و كان الإعلان عن معالجة الصلع
كان موضع فيه صورتين قبل و بعــد .. هذا كل ما أذكــره من الإعلان ...
و أذكر العلبة كانت تضعها أمــي فـي رف المطبخ ... لا أعلم لما كانت تضعها بالمطبــخ بـذات..؟؟
و كانت زجــاجة سوداء أسطوانية الشكل , و يلتوي على خصـرها ملصـق أخضــر .
و بعدها أكتسي رأسي بسوادٍ حيــي ..... و من ثم أدامــوا عليه عامــا فكان على أثر ذاك العلاج...
هكذا أمي تردد الآن بشــيء من الغبطة و النصــر....شعر يغطـــي رأسي...
أذكر أني إذا ذهبنا إلى أي مناسبة اجتماعية.. كانت النسـوة يتجاذبني و يتكلمن مع أمــي
و تقاسيمهن توحي بفرح ظاهــر... كنت أعلم أنهن يباركن لها شعري و أمـي تبدوا مستبشرة ..
و تتكلم معهن كثيراً و من ثم تعيد قصة الإعلان الذي كنت أسمعه على لسان أمي أكثر من ما أسمع أسمي .
لكثر ما تردده لـ الناس أجمعين..و لم يشفع لي احتفاء من حــولي بشعري لكي أصبح راضية بذاتي
فـشعوري بالأقلية بين أخوتي كان مسيطر علي..حيث ذلك شـــيء يذكرني على الـدوام ,
حينما نكون في أي مناسبة أو في الشارع... كانوا أخـــوتي يستحوذون على اهتمام الآخرين ,
بينما عدم اهتمامهم فيّ يزيد هذا من انطوائي, فـ نحـن نغفل عن أشياء نراها صغــيـرة
وهي كبيرة و مؤثرة بنفس الطفل ....فمثلاً حينما يتخطاني أحد و يسأل أخي أو أختي بشيء من الإعجاب
الذي لا تخفيه معالم وجهه ,عن أسمه ..؟. أو عن رأيه في أن يذهب معه ...على سبيل الدعابة ...
أو يقرص خديهم أو يمسح رأسـه .. كان شيء يولد في داخلي شعور بالانكسار و عدم الثقـة ...
ســأعـود لكـم
بذاكـرة مثقوبة ,,
.