يحكى أنه كان هنالك قرد ، رشيق أنيق ظريف خفيف كعادة فصيلة تي تي من القردة ، صغيرة الحجم عظيمة الصبر على نوائب الدهر ، و كان يحب القفز و اللعب و إسعاد نفسه في غابة .. يتجول فيها ثعلب مكار وقد ازدادت جرعة المكر فيه حتى عرف بأنه يمكر لأمه و أبيه و صاحبته أم عويل .
حيث إذ كلما رأى الثعلب الماكر ذلك القرد ، ضربه على رأسه وقال ( ورا ما تلبس طاقيه؟) والقرد المسكين لا يملك إجابة ! فقط ترتسم علامات التعجب أعلى جلدة حاجبيه و يفتح فاه مندهشا ، ثم يمضي الثعلب ضاحكاً بعدما يتمسخر على القرد المسكين و يستهزئ به كل من يشهد الحادثة .
وهكذا استمرت الحال في كل مرة يلتقيان ، و لن يكون سراً حينما نعرف أن القرد لا يألوا جهداً في اخفاء نفسه عن الفضيحة و اللحظات الحرجة المرة ، و لكن الثعلب له بالمرصاد .
إلى أن جاء ذلك اليوم و ذهب القرد المستضعف شاكيا باكيا إلى ملك الغابة ، الأسد ، و شكى له الحال وقصته البائسة مع الثعلب ، فأمر الأسد بإحضار الثعلب و دخل على ملك الغابة ليبرر لنفسه سوء فعلته ، فأمره الأسد بصفته الملك العادل الشهم المحقاق بألا يتجاوز على القرد بلا سبب ، و نصحه بنصيحة و هي :
أن يطلب من القرد بإحضار تفاحة ، بصيغة مبهمة
فعندما يحضر القرد تفاحة خضراء .. اضربه و أنبه وقل له أريدها حمراء
و عندما يحضر القرد تفاحة حمراء .. اضربه و أنبه و قل له أريدها خضراء
وبذلك .. تتحقق ذات الثعلب و يتشبع من ضرب رأس القرد ، و بنفس الوقت ، لا يجد القرد حرجاً في نفسه بل يعترف داخلياً بأنه مخطئ و قد جانب الصواب الذي في خاطر الثعلب .. ولن يعود للألم و الشكوى مرة أخرى .
لكن القرد كان أذكى مما يتصوران ، فعندما طلب منه الثعلب : هيه يا قرد .. أحضر لي تفاحة ... وسكت
سأله القرد فوراً : حمرا ولا خضرا ؟
فما كان من الثعلب إلا أن صفعه على الرأس و قال له : أنت ورا ما تلبس طاقية ؟
المذكور أعلاه معروف لدى الكثير منا ، فبدايتها كانت نكتة ثم بدأت تتداول كقصة رمزية ، و استطيع القول بأنها باتت نظرية يمكن الاعتداد بها ، ولو أوكل الأمر لي لمأسستها و أدرجتها في المناهج الدراسية ، وقد اضفت إليها الرقمين عشرين ستين لمناسبتها و مطابقتها لعمر الانسان في الشباب و الرشد ، و المراد قوله هنا هو أننا نمارس ذواتنا وفق هذه النظرية في غالبية الأوقات و تشتد الحالة سوءاً حينما نكون ذوي شخصيات صلبة غير متمرسة ، أو نكون بطريقة الشيبان و كبار السن أو القدماء المبطين في الدنيا ، فأنت تحتار أيما حيرة في سبيل إرضائه لو كان أبوك أو مديرك أو زوجك أو جارك و القائمة مستديمة ، فلا حال ترضيهم ولا طريقة تملىء أعينهم و تكفيهم و تظل تجاهد لتنال نفس النتيجة التذمر أو الإنكار أو في أحسن الأحوال : الرضا المؤقت سريع المفعول .
و في النهاية تجدنا جميعاً وفي قرارة أنفسنا نقول : ورا ما يلبس طاقية ذا !؟